مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات فى لشبونة بالبرتغال

في يوم 25 يونيو، 2022 | بتوقيت 9:26 م

كتب: بقلم / د. مجدى عبدالله

تُغطي المحيطات 70% من سطح الأرض فهى أكبر بيئة حيوية على كوكب الأرض، وتضم ما يصل إلى 80% من جميع أنواع الحياة فى العالم، فهى تنتج 50% من الأكسجين الذي نحتاجه، وتمتص 25% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتلتقط 90% من الحرارة الإضافية الناتجة عن تلك الانبعاثات، إنها ليست مجرد “رئة الكوكب” بل هى أيضًا أكبر بالوعة كربون في هذا الكوكب، وهى حاجز حيوى ضد آثار التغيرات المناخية.
فهى تنتج الغذاء والوظائف والموارد المعدنية والطاقة اللازمة للحياة على كوكب الأرض من أجل البقاء والازدهار، وهناك العديد من الأسباب التي تجعلنا بحاجة إلى إدارتها بأسلوب مستدام، على النحو المحدد في الغايات المتصلة بالهدف الرابع عشر (14) من أهداف التنمية المستدامة: الحياة تحت الماء، فالمحيطات تواجه تهديدات غير مسبوقة نتيجة للأنشطة البشرية، وستزداد حالتها الصحية وقدرتها على الحفاظ على الحياة سوءًا مع نمو عدد سكان العالم وزيادة الأنشطة البشرية، وإذا أردنا معالجة بعض أكثر القضايا الحاسمة في عصرنا مثل التغيرات المناخية وانعدام الأمن الغذائى، والأمراض والأوبئة العالمية، وتناقص التنوع البيولوجى، وعدم المساواة الاقتصادية وحتى النزاعات والصراعات، يجب أن نعمل الآن لحماية حالة محيطاتنا.
ويأتى مؤتمر الأمم المتحدة الذى سيُعقد هذا الأسبوع حول المحيطات فى لشبونة بالبرتغال حيث يقوم العالم بتعزيز جهوده لتعبئة وخلق وإدارة الحلول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر بحلول عام 2030، والمؤتمر سوف يروج للحلول المبتكرة القائمة على العلم والتي تشتد الحاجة إليها والتي تهدف إلى بدء فصل جديد من العمل العالمي من أجل المحيطات، فغالبيتها العظمى غير مرسومة على الخرائط وغير مراقبة وغير مستكشفة، ويعتمد فهمنا للمحيطات ومساهمتها في الاستدامة إلى حد كبير على قدرتنا على الوصول إلى نتائج علمية حقيقية حول المحيطات من خلال الأبحاث والملاحظات المستمرة، مدعومة بالبنية التحتية والاستثمارات الكافية، وتشمل الحلول من أجل المحيطات التي تتم إدارتها بشكل مستدام التكنولوجيا الخضراء واستخدامات مبتكرة للموارد البحرية، وتشمل أيضًا معالجة الأخطار التي تهدد صحة بيئة واقتصاد وحوكمة المحيطات مثل التحمض، والقمامة البحرية والتلوث، والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم، وفقدان الموائل والتنوع البيولوجى، وقد اطلقت الأمم المتحدة على العقد الحالى2021 حتى 2030 عقد علوم المحيطات وذلك لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وكذلك من أجل المحافظة على موارد المحيطات والتى تحافظ على سبل العيش لحوالى 3 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم، حيث تعيش الغالبية العظمى منهم في البلدان النامية لكن سبل العيش هذه مهددة ، وحيث أن قدرة المحيط للحفاظ على الحياة معرضة لخطر جسيم بسبب الأنشطة البشرية، مثل التلوث والصيد الجائر فكل عام يتدفق ما يقدر بنحو 5 إلى 12 مليون طن متري من البلاستيك في المحيط، وهو ما يمثل 95 ٪ من المحيط الحيوي لكوكبنا وبسبب الصيد الجائر، انخفضت النسبة المئوية للأرصدة السمكية ضمن المستويات المستدامة بيولوجيًا من 90٪ في عام 1990 إلى أقل من 66٪ في عام 2017، ومنتدى المحيطات الرابع هو منصة فريدة لتحديد الطرق لتغيير المسار فهى فرصة لإيجاد حلول لاستخدام التجارة كأداة لحماية محيطنا وموارده، مع تسريع تنفيذ الغايات المتعلقة بالتجارة للهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة.
ونجد إن تأثير تغير المناخ على البحار والمحيطات قد يؤدى لاختفاء دول وظهور أخرى، فالأمر لن يقتصر على ما هو على سطح الأرض، بل سيصل إلى ما تحت البحر، حيث تُشير الدراسات إلى أنَّ الأزمة تكمن في أنّ المحيطات تمتص كميّات هائلة من الحرارة، نتيجة لزيادة تركيزات غازات الاحتباس الحرارى في الغلاف الجوّى، وكما تقول دراسة نشرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغير المناخ إلى أنّ المحيط امتص أكثر من 93 في المئة من الحرارة الزائدة من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى منذ السبعينيات، وفى ورقة بحثية في مجلة “رسائل البحث الجيوفيزيائي” تؤكد أنَّ أعماق المحيط تتأثر أيضًا، حيث تمتص ثُلث الحرارة الزائدة 700 متر تحت سطح البحر، وسط توقعات بزيادة درجة حرارة المحيطات العالمية من 1 لـ 4 درجة مئوية بحلول عام 2100.
فقدرة المحيطات على امتصاص الحرارة الزائدة أدت لحماية البشر من التغيرات المناخية الأكثر سرعة، ولولا هذا لكانت درجات الحرارة العالمية سترتفع أكثر بكثير مما عليه الآن، وتواجه جميع الأسماك البحرية مخاطر عالية جداً من ارتفاع درجات الحرارة، بما فى ذلك المستويات العالية من الوفيات وفقدان مناطق التكاثر والتحركات الجماعية حيث تبحث الأنواع عن ظروف بيئية مواتية، كما تتأثر الشعاب المرجانية أيضاً بارتفاع درجات الحرارة مما يتسبب فى أبيضاض المُرجان ويزيد من خطر تعرضها للوفاة.
ولن يكون البشر أيضاً بمنأى عن هذه المخاطر، ففى تقرير صدر عام 2012 من منظمة الفاو أن مصايد الأسماك البحرية والمياه العذبة وتربية الأحياء المائية تزود 4.3 مليار شخص بحوالى 15% من البروتين الحيوانى، واحترار المحيطات سيؤثر حتماً على الأمن الغذائى وسُبل عيش الناس على مستوى العالم، بسبب تغيير توزيع الأرصدة السمكية وزيادة تعرض الأنواع السمكية للأمراض، وسيؤثر ارتفاع مستويات سطح البحر والتعرية بشكل خاص على البلدان الجزرية المنخفضة فى المحيط الهادى مما يؤدى لتدمير المساكن والبنية التحتية وإجبار الناس على الانتقال، وأيضاً سيخفى دولاً كثيرة فدولة مثل هولندا التى تقع على أرض منخفضة والتى إذا أرتفع مستوى البحار سيغرقها تماماً.
وفى بيان لليونسكو انها ستعلن هذا الأسبوع عن التزام جديد وطموح في مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيط تطلق فيه برنامجا عالميا تحت عنوان “الاستعداد لتسونامي،” والذي ستقوم من خلاله المنظمة بتدريب جميع المجتمعات الساحلية المعرضة لخطر حدوث تسونامي بحلول عام 2030.
وبالنسبة للبحر الأبيض المتوسط والذى تطل مصر على جنوبه فهو من أكبر البحار المُلوثة فى العالم، ومعدل تغيير المياه فيه تقريباً يحدث مرة واحدة كل 80 عاماً حيث يحدث إنقراض لأنواع كثيرة من الكائنات الحية، فإذا كانت سمكة تعتاد الحياة على درجة حرارة 5 درجة مئوية وتلوث بدرجة محددة فى المياه، فحين ترتفع تلك المستويات تنقرض هذه الأنواع، فدرجة حرارة المحيطات تختلف من زمن لزمن.
والمحيط الذي يؤدي دوراً رئيسياً في مناخ الأرض ونُظم الطقس، وكذلك فى دورة الكربون العالمية هو إحدى قوى الطبيعة التي لا حصر لها، إلا أنَّ الأنشطة البشرية قد غيَّرت جذرياً التركيب الكيميائي للمحيطات، ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضى أصبح 95% من المياه السطحية للمحيطات المفتوحة أكثر حمضية، وهى عملية يشار إليها بعبارة تحمض المحيطات، ومع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوى بنسبة 50% عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية أصبحت المشكلة أكثر سوءا، حيث يمتص المحيط باستمرار نحو رُبع ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوى كل عام، ومع أنَّ هذا الأمر جيدٌ جداً لتقليل الآثار الضارة للتغيُّر المناخى الدائم، إلا أنه يعود أيضاً بتكلفة باهظة لأنَّ مياه البحر تصبح أكثر حمضية، وتُقدِّم الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدعم للبلدان في جميع أنحاء العالم فى استخدام التقنيات النووية والتقنيات المستمدة من المجال النووى لبلورة فهم قائم على أسس علمية للتغيُّرات التي تطرأ في المحيطات، واستجابة لتزايد المخاوف لدى المجتمع العلمى والحكومات بشأن تحمُّض المحيطات، أنشأت الوكالة مركز التنسيق الدولى المعنى بتحمض المحيطات عام 2012، وبدعم من مبادرة الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، يركِّز هذا المركز على العلوم وبناء القدرات والتوعية والتواصل بشأن حالة واتجاهات تحمُّض المحيطات، والترويج لصنع قرارات قائمة على أسس علمية.
وبالتعاون مع اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والنظام العالمى لمراقبة المحيطات، والمشروع الدولي لتنسيق البيانات الخاصة بكربون المحيطات، قدَّم مركز التنسيق الدولي المعني بتحمُّض المحيطات الدعم لإطلاق الشبكة العالمية لرصد تحمض المحيطات عام 2013، وتوفِّر بوابة بيانات الشبكة العالمية لرصد تحمُّض المحيطات معلومات عن مرافق رصد تحمُّض المحيطات وتشمل إمكانية الوصول إلى البيانات في الوقت الحقيقى، وتسهِّل هذه الشبكة أيضاً اتباع نهج عالمى لمنع ازدواجية الجهود في أنشطة الرصد وتحديد استراتيجية بحث مشتركة، ومن بين الأهداف الرئيسية لهذه الشبكة زيادة الرصد في المناطق التي تكون فيها البيانات نادرة، بما في ذلك سواحل أفريقيا والمحيط الهندى، حيث تستخدم الوكالة الدولية التقنيات النووية لقياس تحمض المحيطات وتُقدم معلومات موضوعية الى السياسيين ومُتخذى القرار، وفى الختام أجد أنه من الأهمية ادراج خطط للتخفيف من تحمض المحيطات والتكيف معه فى اى اتفاق دولى يبرم فى المستقبل بشأن تغير المناخ وكوب 27 على الأبواب.