عندما تعزف الطبيعة موسيقى البقاء

في يوم 24 أبريل، 2023 | بتوقيت 11:38 ص

كتب: بقلم /ا.د ريهام رفعت

نعيش حاليًا في خضم أزمة التغيرات المناخية، ونعمل على مدار الساعة لمواجهة النضوب السريع للموارد الطبيعية، وتبدأ الخطوة الأولى نحو الاستدامة في الاهتمام بالأنظمة الإيكولوجية النابضة بالحياة والعمل معًا للحفاظ عليها.

وإذا كانت الفنون البصرية بمثابة منصة مُقنعة للحركات البيئية، فإن الصوت والموسيقى لهما دورًا لا يقل عن الفنون الآخرى حيث تم تجاهلهما عند الحديث عن الاستدامة.

إن موسيقى صنع المكان لها القدرة على تجسيد روح المكان الفريدة وربط المستمعين مع بيئاتهم المحلية، من خلال جماليات الموسيقى ذلك الفرع من الفلسفة الذي يتعامل مع الفن والجمال وتقدير الجمال في الموسيقى.

وقد أشار جوليوس بورتنوي في كتابة “الفيلسوف وفن الموسيقى” أن العديد من الفلاسفة قصروا قيمة الموسيقى في تأثيرها (أي التأثير الذي تُحدثه في السامع) ولكن هذا تقليص لوظيفة الموسيقى فهي ليست تقتصر على بعث السرور في الحواس من خلال نقل أصوات والايقاعات الجميلة ، وإنما هي إحداث استجاباتٍ معينة في السامع تجعل منه شخصًا فاضلًا وينتهي الفلاسفة من ذلك إلى أن الموسيقى ينبغي أن تؤدي إلى (السلوك القويم)، وإلا لكانت مخدرًا يؤدي بنا إلى الهروب من الواقع، والتحليق في أجواء عالم الخيال والرومانسية.

وهنا تكمُن إمكانات الموسيقى البيئية فعلم الموسيقى البيئية وهو مجال ناشئ يأخذ في الاعتبار الترابط بين الموسيقى والثقافة والطبيعة، حيث تؤثر الثقافة على تصور الناس للطبيعة، والتي تؤثر على إنتاج الفن فيما يتعلق بالطبيعة، مما يعزز الثقافة وتصورها للطبيعة وزيادة الوعي حول المشكلات البيئية من خلال عدسة الموسيقى، وسد الفجوات الكثيرة بين الفنون والعلوم / الطبيعة والثقافة / الأصوات البشرية وعوالم الصوت غير البشرية/ والنظر في الموسيقى والصوت في دعم الاستدامة من خلال الجمال وحب الطبيعة.

إن لدينا الكثير لنتعلمه من العالم الطبيعي، والسؤال هو كيف يأتي الحب والارتباط بالعالم الطبيعي؟ وكيف يتوافق هذا مع مفهوم الاستدامة؟

يعيش البشر في إطار المحيط الصوتي وهو مجمل ما يتردد في البيئة من أصوات، سواء أكان طبيعي النشأة أو من صنع الإنسان، ويتحدد مدى الاستجابة لها تقبلاً أو نفوراً بالمستهدف من وراء إطلاق هذه الأصوات، وبدرجة تطابقها مع القيم السائدة في محيط البيئة، وهو مفهوم قدمه الملحن الكندي موراي شيفر عام 1960 والذي عرفه على أنه مزيج من الأصوات التي تحيط بالكائنات الحية، وكذلك الأشياء غير العضوي.

والحقيقة أن قصد شيفر من هذا المصطلح هو أن يكون عنوانًا على الأصوات التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية؛ فقد لاحظ شيفر أن مستوى أصوات البيئة الطبيعية مثل الأصوات القادمة من الجو والصادرة عن الحيوانات تخضع لمتغيرات ثابتة في دورات متكررة على مدار شهور السنة، وأن ثمة علاقة صوتية تميِّز كل محيط صوتي طبيعي تقوم على تبادل إصدار الأصوات بين أنواع الكائنات الحية في المحيطات الصوتية، وبالتالي حدوث إيقاع متوازن للأصـوات في البيئات الطبيعية وفى أعقاب هذه الثورة تم القضاء على عدد كبير من المحيطات الصوتية التي كان لها تميزها بخصائصها الصوتية الطبيعية، ، وأفسحت المجال لمحيطات صوتية مغايرة، هي المحيطات الصوتية للمدينة والتي تكون السيادة فيها لما نطلق علية بالضـوضــاء.
ويُمكن قياس صحة المحيط الصوتي بمستوى الضوضاء حيث أن الضوضاء تؤثر على حواسنا وأجسادنا وعواطفنا وأفكارنا ربما بدرجة أكبر مما نعرفه، ومما لا شك فيه أن الكثافة المتزايدة للضوضاء حقيقة متنامية لأي تطور حضاري أفسد استمتاعنا بالحياة والاحساس بقيمة الجمال.

فنعلم البشر الاستمتاع بأصوات الطبيعة صوت الطيور والحيوانات وصوت مداعبة الرياح للأشجار لاستعادة صحة المحيط الصوتي حتى نستحق البقاء .

أ.د/ ريهام رفعت محمد
وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية للدراسات العليا والبحوث وأستاذ التربية البيئية بقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي
[email protected]