أحمد حماد : العودة للطبيعة ومؤتمر المناخ “COP27”

بقلم/ أحمد حماد

رسالة أحد سكان كوكب الأرض..

في يوم 23 نوفمبر، 2022 | بتوقيت 10:53 ص

كتب: العالم اليوم

لا ينهض المرء بالمهام الضخمة وحده. فدوما ما يتطلب الأمر الكثير من الجهود المبذولة والمتضافرة لإنجاح أي مشروع.
وقد حظيت بالفرصة لزيارة أحد المشروعات الواعدة وهي نموذج للزراعة المستدامة تديره أحد الجامعات المصرية، وأذهلتني التكلفة الهائلة التي تتطلبها العودة للطبيعة من ناحية ممارسات الزراعة بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عمليات أساسية مثل الزراعة وتصنيع الغذاء.
قبل هذه الزيارة، لم يبدو الأمر على هذا القدر من التحدي أن نتخذ قرارا جماعيا بالعودة لما قد أسميته “العودة للطبيعة” والممارسات التي تتوافق معها. فقد تعلمت على مدى سنوات عملي أن تنسيق الجهود والتعاون من شأنهم إنجاح أي مشروع وتحقيق النتائج المرجوة منه. وفي هذه الحالة، فالهدف هو إتاحة فرصة لكوكب الأرض ليتنفس الصعداء ويسترجع قدرته على العطاء.
وبصفتي رئيسا لشركة إيه بي بي في مصر، وهي أحد الشركات الرائدة عالميا في مجال التكنولوجيا والطاقة، فإنني على دراية بأن تكلفة أي مشروع هي في صميم إمكانية تنفيذه، بما في ذلك المشروعات التي تتعلق بالاستدامة البيئية، خاصة في سياق استضافة مصر ومدينة شرم الشيخ بالتحديد للحدث الرائد والأكبر عالميا في مجال تغير المناخ – وهو قمة المناخ – والتي تتسم بالصفة التنفيذية وتجمع كل الأطراف الفاعلة لتحقيق نتائج على أرض الواقع. لذا، فسأتحدث من واقع خبرتي لأسلط الضوء على بعض الخطوات الفعالة التي اتخذناها والتي لا زلنا بصدد اتخاذها في الفترات القادمة.
فلنبدأ بالسؤال الأهم، وهو ما الذي يعنيه التحول إلى الاقتصاد الأخضر المرتبط بنسبة منخفضة من الانبعاثات من وجهة نظر عملية بحتة، وكيف يمكن ترجمته إلى خطوات ملموسة؟ هل يتطلب الأمر كم هائل من الإبداع والتكنولوجيا القائمة على خفض الانبعاثات، أم يتطلب تغيير طبيعة الصناعات للحفاظ على مجال اقتصادي أشمل وضمان تحقيق الازدهار مع الحفاظ على الموارد البيئية، أم كل ذلك معا؟
باستطاعة الشركات أن ترفع علم الاستدامة وتدعي تحقيقها للهدف الصفري للانبعاثات خلال السنوات العشر التالية، لكن ما الذي يقدمونه من أجل ضمان فاعلية هذا النموذج لكل سلاسل القيمة والإنتاج والتوريد المرتبطة بأعمالهم، على خلفية من الاقتصاد المتراجع عالميا والذي يطرح تحديات أخرى من ضمنها الحديث عن الجودة المنخفضة في مقابل توفير التكاليف؟
الإجابة في هذه الحالة هي الإبداع والاقتصاد الدائري. ففي الاقتصادات القائمة على التدوير، تقوم الشركات بتصميم عملية إعادة تدوير النفايات بدقة لاستخدام المواد الأولية وإعادة توليد النظام البيئي واسترجاعه للحد من الأثر السلبي للصناعة على البيئة وتجنب استنفاذ مواردها. وهي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها استراتيجيات الاستدامة الأمثل في عصرنا هذا. فشركة إيه بي بي تتبني سياسة شاملة للاقتصاد الدائري يتم تنفيذها على كافة مستويات الشركة، حيث نسعى لابتكار نماذج دائرية للعمل عن طريق الخفض من النفايات وزيادة المواد القابلة للتدوير وإعادة الاستخدام وضمان كفاءة وتحمل المواد المستخدمة في التصنيع والمنتجات، وذلك عن طريق التعاون والعمل عن قرب مع العملاء والموردين لتعميم هذا النموذج القائم على التدوير على نطاق سلاسل القيمة الاقتصادية.
ولنلق نظرة على ما حققناه حتى الآن: فعلى مستوى فروع الشركة البالغ عددها 400 فرع في مختلف أنحاء الأرض، تمكن 40% منها بالفعل من إنهاء أي تخلص من المخلفات في مكبات النفايات، حيث قمنا بإتاحة خدمات استرجاع المنتجات بما يسمح بإعادة استخدامها وتجديدها وإدخالها كمكونات في منتجات أخرى. كما نقدم تعليمات إرشادية لكيفية التخلص من منتجاتنا بعد انتهاء صلاحيتها. الأهم من ذلك أننا قمنا بتصميم منتجاتنا بحيث تدعم هذا النموذج المستدام لتتميز بدرجة عالية من الجودة والتحمل لتحقيق أقصي استفادة ممكنة بالإضافة إلى إمكانية إعادة التدوير لتجنب أي نفايات قد تنتج عنها. فنحن نقوم بالبحث عن مواد خام تحقق أقصي نسبة من المكونات المستدامة والقابلة للتدوير إلى جانب التأكد من كفاءة العمليات والمنتجات من حيث الطاقة والتعبئة والتغليف، كما ندعم عملائنا من خلال عمليات التطوير والتحسين وإطالة العمر الافتراضي للمعدات والأجهزة التي تعتمد عليها المؤسسات والجهات المختلفة.
من خلال هذا المنظور، تساهم ابتكاراتنا والحلول التقنية التي تقدمها إيه بي بي مباشرة في تمكين الوصول إلى مجتمع منخفض الانبعاثات، ورفع الكفاءة وتحقيق أفضل استغلال للموارد الطبيعية. فتحقيق هذا التوازن الدقيق بين احتياجات الأفراد والمجتمعات للتقدم الاقتصادي والمتطلبات التي يستلزمها العمل وفق خطة مستدامة وقابلة للاستمرار هو بالفعل الجزء الأصعب من هذه المعادلة. إلا أنه ليس مستحيلا، وإنما يتطلب مجموعة من الاستراتيجيات وممارسات الحوكمة البيئية الرشيدة التي تحقق هذه النتائج معا وبصورة متوازنة. ومن دواعي فخري وسعادتي أننا في نطاق عملنا قد نجحنا باستمرار في تحقيق هذا التوازن شديد الحساسية.
فبالنسبة لنا في إيه بي بي، يعد تمكين المجتمع من خفض الانبعاثات هو الركن الأول في استراتيجية الشركة للاستدامة لعام 2030. وفي قلب هذه الرؤية، تكمن أهمية وضرورة تشجيع التقنيات الرقمية والتحول في هذا الاتجاه الذي انتهجته مصر مؤخرا واتخذت فيه مجموعة من الخطوات السريعة والفعالة. وبالتوافق مع هذا المسار، تعتمد إيه بي بي أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والعمل على خفض الانبعاثات عن طريق تحفيز استخدام بدائل الوقود الأحفوري في الطاقة والاعتماد المتزايد على الطاقة النظيفة والطاقة الكهربائية على الأخص في مجالات النقل، حيث نساعد عملاءنا على تقليل الانبعاثات الناتجة عن أنشطتهم المختلفة بمقدار 100 ميجاطن بحلول عام 2030، وهو ما يساوى الانبعاثات الناتجة عن انتقال 30 مليون سيارة على الطريق. كما نعمل على تمكين النهوض بالبنية التحتية الضرورية لتحسين مشروعات كفاءة الطاقة وإنشاء الصناعات والاقتصادات الملتزمة بالمعايير البيئية. أما على مستوى عمليات الشركة، فنحن نسعى لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2030، حيث سجلت إيه بي بي انخفاضا في الانبعاثات الناتجة عن عملياتها بنسبة 39% في عام 2021 مقارنة بعام 2019. هذه نظرة سريعة على أهم جوانب سياساتنا ومساهماتنا في مجال الاستدامة البيئية، إلا أن القائمة تطول!
لكن الأمر يتطلب الكثير من الوعي والشجاعة والريادة في تطوير العقليات والأساليب. فأنا أذكر جيل آبائنا الذين حرصوا على تحقيق أقصى استفادة من جميع مواردهم في المنازل والأجهزة والأدوات وكافة مناحي الحياة. فقد اتسمت ثقافتنا حتى وقت قريب بتجنب إهدار أي موارد والاستخدام الأمثل لكل الإمكانات. أليس هذا هو أبسط تعريف للاقتصاد الدائري؟
ولهذا سأعتبر قمة المناخ فرصة لنتوقف لحظة ونتأمل وجودنا على هذا الكوكب ونسعى فعلا للحفاظ على موارده ومستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة على سطحه. فهي لحظة تجنبناها جميعا وتجنب المجتمع الدولي مواجهتها على مدي الثلاث عقود الماضية. فقد حققنا تطورا في عدد من الجوانب، إلا أنه ما زال أمامنا الكثير لنفعله دون محاولة الهروب مما يتطلبه ذلك من إجراءات وكلفة سنتكاتف في تحملها جميعا، فعلى الكل القيام بدوره ولن تنجح فكرة تحمل بعض الأطراف لهذه المسؤولية بينما يشاهد الآخرون. وهذا بالفعل هو ملخص ما أقرته اتفاقية باريس للمناخ قبل عقود، وهو ما علينا تنفيذه اليوم والآن دون تسويف.
.
أحمد حماد – رئيس مجلس إدارة شركة إيه بي بي في مصر