مروة عباس مدير عام IBM تكتب لـ العالم اليوم : البنية التحتية المستدامة والتجربة المصرية 2030

في يوم 17 أغسطس، 2022 | بتوقيت 1:51 م

كتب: العالم اليوم

في ظل تكدس أكثر من نصف سكان العالم في المدن ومسؤولياتهم عن أكثر من 70% من انبعاثات الكربون[i]، والتي تعد إنشاء وتشغيل البنية التحتية التقليدية من أكبر المساهمين فيها، فإن قرار التوجه إلى بنية تحتية خضرية مستدامة لم يعد رفاهية، بل ضرورة مُلحة تظهر في دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على كل مسببات الملوثات الكربونية، وهو ما يحقق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشرة، ويساهم في كوكب أكثر اخضراراً، وضمان تمتع جميع البلدان والمجتمعات بالسلام والازدهار.

ورغم المبادرات العالمية، ما يزال الاستثمار في قطاع البنية التحتية المستدامة يواجه بعض المشاكل المادية والتكنولوجية والتنظيمية، فعند مقارنة حجم الأبحاث والتطورات الخاصة بالبنية التحتية المستدامة، نجد أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا والصين هم الأكثر مشاركة في إنشاء حلول للبنية التحتية. والحقيقة التي لا جدال فيها اليوم، أن عملية تمويل البنية التحتية المستدامة تتعرض لضغط كبير أدت الى حالة من التعسر للعديد من البلدان، حتى بلغت الفجوة التمويلية عالمياً حوالي 6.9 تريليون دولار سنوياً[ii]، مما أدى إلى إبطاء التقدم نحو الممارسات الحضرية المستدامة عالمياً. ومن هنا، بات لزاماً أن يلعب القطاع الخاص دوراً أكبر للمساعدة على سد هذه الفجوة وتلبية احتياجات التنمية العالمية بحلول عام 2030.

الحقيقة أن مواجهة التحدي الخاص بعملية التمويل تتطلب بعض الإجراءات التي يجب البدء فيها، وذلك من خلال تحالف مشترك بين القطاعين العام والخاص للعمل على بعض الركائز الأساسية التي ستجعل العالم أكثر قدرة على الصمود. أول تلك الركائز هو الاستثمار في البنية التحتية المستدامة، والذي يتطلب إنفاق قدر أكبر من الأموال وبطريقة أفضل، فجزء من الصعوبة يكمن في تحديد الاستثمارات ذات المصداقية وربطها بالمستثمرين المناسبين. وتعد ثانيها مؤسسات الاستثمار، كشركات التأمين، لمساعدة الدول على الالتزام بالتمويل طويل الأجل للبنى التحتية. وأخيرًا الاستعانة بتكنولوجيات المعلومات والاتصالات مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات بالاقتران مع الطاقة المتجددة لبناء مدن أكثر ذكاءً.

على الصعيد العالمي، هناك العديد من التحديات التي تقف في طريق تبني التنمية المستدامة للبنية التحتية، ومع ذلك، يمكن تحويل كل تحد إلى فرصة بشرط الإرادة اللازمة والأدوات التكنولوجية. وكشفت مؤخرًا وزارة التعاون الدولي في الحكومة المصرية، أن مصر بحاجة لنحو 675 مليار دولار استثمارات على مدار الـ20 عامًا المقبلة على مستوى البنية التحتية[iii]، خاصة وأن نمو السكان يتخطى حاجز الـ2%، أي ما يقرب من 2 مليون مولود سنويًا، ما يعني أن الحكومة المصرية ستكون في حاجة إلى إيجاد حلول مبتكرة لإدارة الطلب المتزايد على المياه النظيفة والطاقة والكهرباء بدون الإضرار بالبيئة أو رفع مستويات انبعاثات الكربون.

ومع ذلك، لم تكن مصر بعيدة عن التوجه العالمي للتحول الأخضر، والتخطيط لامتلاك بنية تحتية أكثر استدامة، فخلال السبعة سنوات الماضية، وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، تخطط الحكومة المصرية لتأسيس 38 مدينة ذكية جديدة في جميع أنحاء البلاد، فقد أصبحت المدن الذكية عنصراً أساسياً في استراتيجية تطوير البنية التحتية بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، وهو ما يتفق مع رؤية مصر لعام 2030.

اما بالنسبة لتحديد المشاريع والاستثمارات ذات المصداقية، فهناك فرصة لتوليد الثقة وإحداث تغيير حقيقي من خلال التكنولوجيا، حيث انها توفر الطمأنينة التي يحتاجها المستثمرون من خلال الحلول المتطورة مثل إنترنت الأشياء، والبيانات، والذكاء الاصطناعي والسحابة والبلوك تشين والتي تمكن من مراقبة المشاريع بكفاءة ودقة وشفافية، وتوليد رؤى تعمل على تحسين العمليات.

ومؤخرًا أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية “دليل معايير الاستدامة البيئية: الإطار الاستراتيجي للتعافي الأخضر“، وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة وبالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الصلة، ويُعد هذا الدليل هو الأول من نوعه، ويهدف إلى التوعية بالقطاعات والتدخلات ذات المصداقية والتأثير الإيجابي المباشر على البيئة، ويوجه القطاعين العام والخاص تجاه الاستثمار فيها.

ويمكن للتكنولوجيا أن تلعب دور الوسيط الاستثماري أيضًا، فالمنصات الرقمية التي تعمل كسوق عبر الإنترنت تمكًن من ربط الاستثمار المؤسسي بمشاريع جيدة التنظيم، وتسهيل التمويل العام والخاص للبنية التحتية المستدامة. وتعمل هذه المنصات الرقمية الشاملة على أتمتة وتسريع عمليات التوثيق وتدفق الصفقات، مما يجعل التعاون عبر شركاء النظام البيئي أسهل وأكثر شفافية.

تعتبر مبادرة “التمويل لتسريع الانتقال المستدام – البنية التحتية“، والتي تم إنشاؤها في عام 2020 من قبل منظمة مبادرة سياسة المناخ، مثالاً على هذا النوع من المنصات الرقمية. ويشارك بالمبادرة بنك HSBC، ومؤسسة التمويل الدولية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومرفق البنية التحتية العالمية، وتقود شركة IBM تصميم وتطوير المنصة باستخدام تكنولوجيا البلوك تشين والذكاء الاصطناعي، لتحديد وتقييم خطط البنية التحتية وربط الخطط المستدامة مع المستثمرين، بهدف سد فجوة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية. وتوفر المنصة المصداقية المطلوبة باستخدام وضع المؤشرات العالمية المعتمدة على البنية التحتية المستدامة، والتي تضيف الشفافية والدقة والكفاءة التي تساعد على خفض تكاليف المعاملات وزيادة الاستثمار الخاص في البنية التحتية المستدامة في الاقتصادات الناشئة والنامية.

الدولة المصرية أدركت بالفعل أهمية البنية التحتية الخضراء والاكثر استدامة، وهو ما يتفق مع استضافتها لقمة المناخ “COP27″، والتي من المقرر ان تقام بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022، كل تلك الجهود تسعى إلى تعزيز جهود مكافحة تغير المناخ والمساواة بين الجنسين وسد الفجوة الرقمية وتعزيز الاستثمارات الشاملة والمستدامة، وتعزيز الاستثمارات في قطاعات الطاقة والهيدروجين الأخضر والنقل وتوطين الصناعة وتنشيط مكانة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كوجهة استثمارية.

لكن يبقي السؤال الأهم، كيف حققت الدولة المصرية المعادلة الصعبة وتمكنت من التصدي ولو جزئياً لتلك التحديات التي تتعلق بتمويل مشاريع البنية التحتية المستدامة، وعملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر؟ فقد وضعت استراتيجية لمجموعة من الأولويات بدأت بالطاقة المستدامة منذ عام 2015، بهدف زيادة استثمارات القطاع الخاص في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، وهو ما دفعها للتقدم 67 مركزًا في الفترة بين 2014-2019، في تقرير مؤشر الحصول على خدمات الكهرباء الذي يصدر عن البنك الدولي. تلك الاستراتيجية تستهدف زيادة نسبة الطاقة الجديدة والمتجددة إلى 42% بحلول عام 2035، كما بدأت الدولة في اتخاذ خطوات ملموسة للتوسع في إنتاج الهيدروجين بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

الحقيقة ان التجربة المصرية أثبتت أن البنية التحتية الخضراء والمستدامة أصبحت محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي الشامل والمستدام، بل وتعزز نطاق الوصول للخدمات العامة، وتقليل تكلفتها، كما إنها تطلق العنان للإمكانيات الاقتصادية، وتعزز مشاركة القطاع الخاص في التنمية، لذا اتخذت الدولة المصرية العديد من قرارات الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، وذلك لخلق بيئة صالحة للقطاع الخاص وتعزيز مشاركته في تطوير البنية التحتية الخضراء وتعزيز استدامة العمل المناخي وتحقيق الاستدامة، والاستفادة من الشراكات الدولية مع شركاء التنمية.

ببساطة، نحن بحاجة إلى الاستثمار وبناء إطار عمل مستدام الآن لتحقيق مستقبل صافي الانبعاثات الصفري وتمكين بقاء الأجيال القادمة. وهذا يتطلب إنشاء أسس قوية، وخدمات مالية تعالج فجوة تمويل البنية التحتية المستدامة، وتوظيف الحلول التكنولوجية – والبيانات التي تُقدمها – لضمان استثمارًا حقيقيًا ومؤثرًا في المشاريع المستدامة.

 

 

بقلم: مروة عباس المدير العام لشركةIBM  مصر