الموازنة العامة المصرية 2024/2025 فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة

اعتمدت الحكومة المصرية، أضخم موازنة في تاريخها للسنة المالية المقبلة 2024/2025 بإجمالي مصروفات بلغت 6.4 تريليون جنيه (135 مليار دولار)، إيرادات مستهدفة 5.05 تريليون جنيه (106.5 مليار دولار)، وتم تقديمها للبرلمان المصرى وفق الميعاد الدستوري، فيما أكد رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أن الموازنة الجديدة تركز على ملفي التعليم والصحة، وترفع من مخصصات الدعم لتحسين معيشة المواطنين، كما تضع سقفا للاستثمارات العامة لزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
وتطبق الحكومة المصرية لأول مرة موازنة الحكومة العامة، والتي تشمل الموازنة العامة للجهاز الإداري للدولة وكافة الهيئات الاقتصادية، وذلك بهدف بيان القدرات الحقيقية للمالية العامة للدولة من خلال تضمين كامل إيرادات ومصروفات الدولة وهيئاتها العامة، وفق بيان رسمي.

وألزم الدستور المصري، الحكومة بعرض مشروع الموازنة العامة للدولة المصري على مجلس النواب قبل 90 يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، والتي تبدأ يوم 1 يوليو من كل عام، وذلك وفق المادة 124 من الدستور.

وبحسب البيان الصادر الأربعاء السابع والعشرين من مارس آذار، تستهدف الموازنة نمو الإيرادات غير الضريبية بنسبة 60% والضريبية 30%. هذا وتم وضع معدل الدين في مسار نزولي ليبلغ 80% بحلول يونيو حزيران 2027.
كما تم توجيه نصف حصيلة برنامج الطروحات لخفض حجم المديونية الحكومية بشكل مباشر، بجانب وضع سقف قانوني على دين الحكومة العامة لا يمكن تجاوزه إلا بموافقة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء.
ووجه الرئيس المصري بزيادة مخصصات الصحة والتعليم بنسبة أكبر من 30% والدعم والحماية الاجتماعية إلى 636 مليار جنيه مقابل 496 مليار جنيه فى العام المالى الحالى .

وعلى صعيد الاستثمارات العامة، فقد تم التوجيه بوضع سقف لها لا يتجاوز تريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص.
واستهدفت الموازنة العامة الجديدة فائضاً أولياً أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وخفض العجز الكلي إلى 6% على المدى المتوسط مقابل تحقيق 2.5% فائض أولي فى العام المالى الجارى مع معدل عجز كلى بواقع 6.37%
وتستهدف الموازنة 144 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، و154 مليار جنيه للمواد البترولية نتيجة لارتفاع أسعار البترول عالميًا وأثر تغير سعر الصرف.
كما حددت 215 مليار جنيه للمعاشات و23 مليار جنيه لدعم الصادرات و40 مليار جنيه لتكافل وكرامة.

هذا وتستهدف الحكومة المصرية 36% معدل نمو إيرادات الموازنة العامة للدولة الجهاز الإداري لتصل إلى 2.6 تريليون جنيه و29% ، معدل نمو مصروفات الموازنة العامة للدولة لتصل إلى 3.9 تريليون جنيه مقابل نمو إيرادات 31% لتصل إلى أكثر من 2 تريليون جنيه ، ومعدل نمو مصروفات 30.5% بمعدل 2 تريليون و 838 مليار جنيه فى العام المالى الجارى .

وأقر مجلس الوزراء المصري خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2024-2025. وتستهدف معدل نمو 4.2% للعام المالي المقبل.
وتستهدف الخطة زيادة الاستثمارات الخاصة إلى نحو 50% من إجمالي الاستثمارات الكلية اتساقًا مع وثيقة سياسة ملكية الدولة.
هذا وسيتم توجيه 42.4% من الاستثمارات لأهداف التنمية البشرية و25.4% لمشروعات الشرب والصرف الصحي. والخطة تشمل تمويل المرحلة الثانية من المبادرة الرئاسية حياة كريمة.

كما من المقرر التوسع في إتاحة مدارس المتفوقين والتطبيقية وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص والالتزام بتعيين 150 ألف معلم وتأهيل الجامعات الحكومية للحصول على الجودة واستكمال التوسع في إنشاء الجامعات التكنولوجية.
وتستهدف كذلك الوصول إلى نسبة 50% استثمارات عامة خضراء والتركيز على مساهمة مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية من 22% إلى 35%.

وتستهدف الحكومة الوصول بعجز الموازنة إلى 6% على الأجل المتوسط، مستندة في ذلك على توقعاتها السيطرة على معدل التضخم المرتفع ليصل إلى رقم أحادي، وارتفاع الجنيه أمام الدولار قرب مستويات 32 جنيهًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، وكذلك تستهدف الحكومة خفض معدل الدين للناتج المحلي ليصل إلى 80% بحلول يونيو 2027 من خلال توجيه نصف إيرادات برنامج الطروحات الحكومية لخفض الدين ووضع سقف الضمانات الحكومية.

وأطلقت الحكومة، في فبراير من العام الماضي، برنامج الطروحات الحكومية لبيع جزء من حصص الحكومة بـ35 شركة للقطاع الخاص مستهدفة زيادة إيرادات الموازنة، وتطبيق خطتها لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، وجمعت الحكومة 5.6 مليار دولار من حصيلة التخارج من 14 شركة، وفق تصريحات رسمية لرئيس الوزراء.

وأشار رئيس لجنة الخطة والموازنة ، إلى أن المؤشرات الأولية لمشروع قانون الموازنة العامة تكشف عن استمرار تأثير تداعيات الأوضاع الاقتصادية العالمية على الموازنة، ويظهر أثر ذلك في الارتفاع الكبير للمصروفات العامة نتيجة زيادة تكلفة سداد أقساط وفوائد الديون، بعد ارتفاع سعر الفائدة 8 نقاط أساس منذ بداية 2024، وانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بعد تحرير سعر الصرف، مدللًا على حديثه بارتفاع تكلفة اقتراض الدولة من خلال أذون الخزانة إلى 28%.

ويكلف رفع أسعار الفائدة 100 نقطة أساس زيادة في مدفوعات الفوائد بالموازنة العامة بقيمة 70 مليار جنيه (1.5 مليار دولار)، وفقًا البيان المالي للموازنة العامة 2023/2024.

ولفت رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إلى أهمية وضع الحكومة سقف لإجمالي الاستثمارات العامة للدولة، بهدف زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، لتطبيق ما تم الاتفاق عليه بوثيقة سياسة ملكية الدولة، منوهًا إلى أنه لا يمكن وقف الاستثمارات العامة للدولة؛ لأنها تعمل على تهيئة البنية التحتية اللازمة للقطاع الخاص لضخ استثمارات جديدة والتوسع في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

وقد أعلن صندوق النقد الدولي فى 29 مارس الجارى أنه أكمل المراجعة الأولى والثانية لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، مما يسمح للسلطات المصرية بسحب حوالي 820 مليون دولار أمريكي.

وقال الصندوق، في بيان: “يجري تنفيذ خطة قوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لتصحيح الأخطاء في السياسات، حيث تتركز الخطة على تحرير نظام الصرف الأجنبي في سياق نظام مرن، وتشديد مزيج السياسات بشكل كبير، والحد من الاستثمار العام، وتكافؤ الفرص للسماح للقطاع الخاص بأن يصبح محرك النمو”.
وعن صفقة “رأس الحكمة” التي أبرمتها مصر مع الإمارات مؤخرا، وبلغت قيمتها 35 مليار دولار أمريكي، ذكر البيان أنها “تخفف الضغوط على ميزان المدفوعات على المدى القريب، وإذا تم استخدامها بحكمة، فإنها ستساعد مصر على إعادة بناء هوامش الأمان للتعامل مع الصدمات المستقبلية”.

وقال صندوق النقد عن حالة الاقتصاد المصري: “أثرت الصدمات الخارجية وتأخر تعديل السياسات على النشاط الاقتصادي، وتباطؤ النمو إلى 3.8% في السنة المالية 2022/2023 بسبب ضعف الثقة ونقص النقد الأجنبي، ومن المتوقع أن يتباطأ أكثر إلى 3% في السنة المالية 2023/2024 قبل أن يتعافى إلى حوالي 4.5% في السنة المالية 24/25”.

ولفت إلى أن التضخم “لا يزال مرتفعا ولكن من المتوقع أن يتراجع على المدى المتوسط مع استمرار تشديد السياسات”.

ونقل البيان عن مديرة صندوق النقد الدولي إن مصر “تواجه تحديات اقتصادية كلية كبيرة أصبحت إدارتها أكثر تعقيدا نظرا لتداعيات الصراع الأخير في غزة وإسرائيل، كما تؤدي الاضطرابات في البحر الأحمر إلى انخفاض إيرادات قناة السويس، التي تعد مصدرا مهما لتدفقات النقد الأجنبي والإيرادات”.

وذكرت أنه “من الحكمة التزام السلطات باستخدام جزء كبير من التمويل الجديد من صفقة رأس الحكمة لتسريع تصفية الديون المتراكمة والمتأخرات بالعملة الأجنبية، وخفض الديون الحكومية”.

وذكرت أن “سياسات السلطات محسوبة بشكل جيد لترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي مع حماية الفئات الضعيفة، و عزم البنك المركزي المصري على التركيز بشكل مباشر على خفض التضخم و تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر، إذا تطلب ذلك، أمر أساسي لمنع المزيد من تآكل القوة الشرائية للأسر المصرية”.

ولكنها لفتت إلى أن “تحقيق هذه الأهداف يخضع للمخاطر، فعلى الصعيد الخارجي، لا تزال حالة عدم اليقين مرتفعة، وعلى الصعيد المحلي، سيكون الحفاظ على التحول إلى نظام صرف أجنبي حر، والحفاظ على سياسات نقدية ومالية متشددة، ودمج الاستثمار الشفاف من خارج الميزانية في عملية صنع القرار بشأن سياسة الاقتصاد الكلي، أمرا بالغ الأهمية، وستكون إدارة تدفقات رأس المال بحكمة أمرا مهما لاحتواء الضغوط التضخمية والحد من مخاطر الضغوط الخارجية المستقبلية”.

وفى تلك الأوضاع نرى إن تلك التحديات الداخلية والخارجية تفرض على الاقتصاد المصرى ضرورة العمل على تنمية الموارد الذاتية الأجنبية من خلال توطين الإنتاج المحلي ، ودعم الصناعات التنافسية التصديرية وتقديم حوافز الاستثمار ، وتشجيع المشروعات الصغيرة وخاصة مشروعات الإحلال محل الواردات والسلع الوسيطة ، إضافة لحسن ترشيد استخدام موارد النقد الأجنبي ، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر والاستفادة وتفعيل قوانين المجلس الأعلى للاستثمار .

ا.د / منال خيري
أستاذ مناهج الاقتصاد – جامعة حلوان