الإيكودراما… البيئة خلف ستار المسرح

رجل يقود زورقه الصغير ويتجه إلى البحر وبعد التجديف لمدة عشرين دقيقة يتوقف فوق الشعاب المرجانية ويسحب مجموعة صغيرة من أسفل زورقه ويشعل بها النيران، ويلقي بها في ثوان إلى الماء قبل أن ينفجر، وبعد لحظات تطفو الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية على السطح.
إنها قصة حقيقية تم عرضها من خلال مسرحية أعدها مجموعة من معلمي المرحلة الابتدائية لمواجهة مشكلة بيئية شائعة في بابوا غينيا الجديدة وهي مشكلة صيد الديناميت.
أنها تجربة رائدة لتطوير العروض المسرحية القصيرة لتنمية وعي الأطفال بتلك القضايا لقد ركزت العروض المسرحية على صيد الديناميت والصيد الجائر والتأثير السلبي للصيد باستخدام المتفجرات هو تلف الشعاب المرجانية على نطاق واسع كما تم عرض تدمير الموائل، وقد لعبت شخوص العرض الدرامي شخصيات المخلوقات البحرية وصائد السمك بالديناميت وشخصية الحكيم كحامل لرسالة الحفظ، وقدمت المجموعة عرض تقديمي أطلقوا عليه مسيرة الحيوان؛ حيث اصطف أعضاء المجموعة بدقة في ملف واحد وبدأوا في السير محاكاة أسلوب الحركة للكائنات البحرية والطيور حتى جاء صياد وأطلق النار عليهم واحدًا تلو الآخر وكانت الرسالة الأساسية للمجموعة تتمثل في السؤال التالي: هل يمكنني العيش في هذا الموئل؟
وقد أثبتت تلك التجربة دور الدراما في تناول المشكلات البيئية وهو ما يُعرف بالايكودراما وأن استخدام الدراما كوسيلة للتعبير والبحث العلمي هو طريقة ممتعة وجذابة وفعالة وقادرة على تنمية التفكير النقدي وتقديم مساهمة للحفاظ على التنوع البيولوجي الفريد ، بالإضافة إلى أنها توفر بيئة تعليمية قائمة على اللعبة وفرصة للتعلم عن طريق العمل وتحسين مهارات الأطفال في حل المشكلات، والاستعداد للحياة المستقبلية والبحث عن حلول للمشاكل الاجتماعية والبيئية من خلال المشاركة و تحقيق الإنجازات المرتبطة بالتعليم من أجل التنمية المستدامة وتطوير المهارات اللازمة للتنمية المستدامة مثل التواصل والتعاون وصنع القرار.

فإذا كانت القصة من أحب ألوان الأدب إلى الأطفال فإن المسرحية كما أشار إليها أرسطو أنها ” قصة ممسرحة ذات هدف”؛ فهي ولا شك ذات تأثير فعال في الطفولة لأن القصة في هذه الحالة تقدم إلى الأطفال من خلال الحركة بعد أن يُضفى إليها فنانون لمسات من أذهانهم وعواطفهم ويجعلوا منها شيئًا آخر يتحرك بقوة تحيط بها هالات فنية جميلة وسط أجواء عالم آخر.

والعمل الدرامي ( المسرحي) شكل من أشكال أدب الأطفال له شروطه الفنية الدقيقة كمسرح الكبار كما أنه يستعين إنميع أنماط الفنون والأدب ويقدمها على خشبة المسرح في اتساق وانسجام، وتحتاج كتابة المسرحية المُقدمة للأطفال إلى كاتب موهوب دارس لعناصر المسرحية ومقوماتها ولخصائص الأطفال ومراحل نموهم، فالمسرحية صورة لغوية من عناصر تتمثل في الفكرة والشخصيات والصراع والبناء الدرامي والحوار مع عدد من العناصر غير الأدبية ومنها الملابس و الإضاءة و الموسيقى ، كما أن المسرحية عملية تغيير ديناميكية هرمية تتميز بالتفاعل و الحركة و الصراع الذي ينمو شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى الذروة ثم ينحصر بعد ذلك و ينتهي بحل المشكلة سبب الصراع وتأخذ المسرحية شكلها النهائي حين تؤدى على خشبة المسرح لكي يتلقاها الجمهور سواء كان هذا الجمهور كبارًا أو صغارًا ، وعلى الرغم من استخدام مصطلحي المسرحية والمسرح عادة لنفس المعنى إلا أن العلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل فالمسرحية جزء من المسرح، حيث أن المسرح هو مكان العرض أو الخشبة التي تؤدّى عليه المسرحية كنص أدبي.
وترجع نشأة المسرح إلى أصول فرعونية وذلك فیما یُعرف بمسرح الدمى؛ حيث عُثر على دُمى في بعض مقابر أطفال الفراعنة، كما دلت بعض الآثار الفرعونية بداية من النقوش والرسومات انتهاءًا إلى الحكایات والتمثیلیات الحركیة الموجهة للأطفال.

نحن في حاجة دائما لطرح المشكلات البيئية من خلال منصات غير تقليدية من خلال الفنون فلنفتح بابًا من الأمل لحل مشكلاتنا البيئية باستخدام الفنون والابداع الفني وربما ينجح الفن الهادف فيما فشلت فيه بعض الأوساط العلمية من طرح مشكلاتنا البيئية.

أ.د/ ريهام رفعت محمد
وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية للدراسات العليا والبحوث وأستاذ التربية البيئية بقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي
[email protected]