مساهمة التقنيات النووية فى التكيف مع التغيرات المناخية
في يوم 27 فبراير، 2022 | بتوقيت 3:03 م

كتبت: بقلم د. مجدى عبدالله
تغير المناخ هو التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس ، وقد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث من خلال التغيرات في الدورة الشمسية ، ولكن منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هى المسبب الرئيسي لتغير المناخ ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفورى مثل الفحم والنفط والغاز مما ينتج عنه انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة بما يسبب تغير المناخ وتشمل ثانى أكسيد الكربون والميثان وتنتج هذه الغازات عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المبانى ، ويمكن أيضا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون ، وتعتبر مدافن القمامة مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان ، كما يعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.
ونتيجة لذلك أصبحت الكرة الأرضية الآن أكثر دفئًا بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه فى أواخر القرن التاسع عشر وكان العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق، ولأن الأرض عبارة عن نظام حيث كل شىء متصل فإن التغييرات في منطقة واحدة قد تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى، وتشمل عواقب تعير المناخ الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجى كما يمكن أن يؤثر على صحتنا وقدرتنا على زراعة الأغذية والسكن والسلامة والعمل، ونجد أن الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية الأخرى هم الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة إلى درجة اضطرت فيها مجتمعات بأكملها إلى الهجرة، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعرض الناس لخطر المجاعة في المستقبل، ومن المتوقع أن يرتفع عدد “اللاجئين بسبب المناخ”.
وفى تقرير حديث أعدته الأمم المتحدة أقر آلاف العلماء والجهات المستعرضة الحكومية على أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد عن 1.2 درجة مئوية سيساعدنا على تجنب أسوأ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش، وبناءً على الخطط الوطنية الحالية للمناخ فإنه من المتوقع أن يصل الاحترار العالمي إلى 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، ويمكننا القول بأننا نواجه تحديات كبيرة ولكننا لدينا العديد من الحلول فنجد أن هناك ثلاثة فئات عامة من الإجراءات اللازم اتخاذها وهي خفض الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات تغيرات المناخ، وتمويل التعديلات اللازمة، كما أن تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيؤدى إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ لكن علينا أن نبدأ من الآن بالوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، ومع ذلك يجب أن يتم خفض الانبعاثات بحوالي النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحترار بأقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة تقريبًا سنويًا خلال العقد 2020-2030.
وتستطيع التقنيات النووية والنظيرية أن تساعد في فهم العالم الذي نعيش فيه بشكل أفضل، ومن الممكن أن تؤدي البيانات التي يتم جمعها باستخدام هذه التقنيات إلى تحسين عملية صُنع سياسات مسنودة علمياً، بما في ذلك ما يتصل بتغير المناخ، وبوسعنا أن ندرس كلاً من الأنظمة البرية والمائية بالاستعانة بأساليب نووية مختلفة لتقييم التأثيرات المترتبة عن تغير المناخ على البيئة، وتتسم هذه التقنيات والأدوات بفعاليتها في رصد انبعاثات غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) وأكسيد النيتروجين (N2O) والميثان (CH4) وفهم التغيرات البيئية في المحيطات والجبال ونظمها الإيكولوجية، وتطوير طرق للتكيف مع نقص الأغذية والمياه الذى ما فتئ يتفاقم بفعل تغير أنماط الطقس.
ومن أمثلة ذلك الاستعانة بالتقنيات النظيرية من أجل دراسة النظم المائية غير المفهومة حيث يجد الخبراء حلولا للتحديات المائية المتعلقة بتغير المناخ والتى تؤثر حتى فى المناطق التى تشهد أعلى معدلات لهطول الأمطار، وباستخدام هذه التقنيات يمكن للعلماء ان يحددوا كمية الامدادات المائية ونوعيتها إذ يستخدمون النظائر الطبيعية المنشأ كقافيات بغية معرفة مصدر المياه الجوفية وما إن كانت حديثة أم قديمة وما إن كانت تتجدد أو ملوثة، وتختلف المياه الموجودة في الطبيعة من حيث التركيب النظيري للهيدروجين والأكسجين ويستخدم هذا التركيب النظيرى كبصمة للمياه، وعندما تتبخر المياه من البحر تميل الجزيئات ذات النظائر الأخف إلى الصعود بصورة أكبر من الجزيئات ذات النظائر الأثقل، وعندما يهطل المطر تسقط الجزيئات ذات النظائر الأثقل أولاً، وكلما أوغلت السحب فى حركتها نحو عمق اليابسة تزيد نسبة الجزيئات ذات النظائر الخفيفة فى المطر، وحينما ينزل المطر فإنه يملأ الأنهار والبحيرات ومستودعات المياه الجوفية وبقياس الفرق فى النسب بين النظائر الخفيفة والثقيلة يمكن تقدير منشأ المياه المختلفة، كما يمكن باستخدام النظائر المشعة الموجودة بوفرة في المياه بصورة طبيعية مثل التريتيوم ونظائر الغازات الخاملة الذائبة في المياه في تقدير عمر المياه الجوفية وهذا أمر رئيسي للمساعدة على تقييم نوعية المياه وكميتها واستدامتها.
وثمة أثر آخر لتغير المناخ فى المحيطات يتمثل فى تحمض المحيطات فزيادة كمية ثانى اكسيد الكربون فى الغلاف الجوى تؤدى الى زيادته فى المحيطات مما يجعل المحيطات اكثر حمضية وهو ما يهدد الموائل المحيطية ، وتعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع الدول الاعضاء على استخدام التقنيات النووية والنظيرية لقياس تحمض المحيطات والآثار المحتملة على الكائنات البحرية مما يتيح بدوره لواضعى السياسات اتخاذ التدابير لمكافحة ذلك، ويستخدم الكالسيوم-45 للتحقق من معدلات النمو فى الكائنات المتكلسة مثل الشعاب المرجانية أو بلح البحر أو الرخويات الأخرى التى تتكون هياكلها العظمية وأصدافها من كربونات الكالسيوم، ويمكن استخدام القافيات لتحديد كيفية تأثير تحمض المحيطات فى فسيولوجية سائر الكائنات البحرية.
ومن الأمثلة الأخرى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة فى الزراعة بمساعدة التقنيات النووية ولقياس أثر الممارسات المتكاملة التي تجمع بين المحاصيل والثروة الحيوانية وأثر السماد الأخضر يستخدم العلماء النظائر المستقرة التي تنبعث منها إشعاعات مثل النيتروجين-15 والكربون-13 وتحليل مدى كفاءة استهلاك المحاصيل للنيتروجين، ومدى تراكم الكربون أو تخزينه في التربة، ومن خلال هذه التقنية يستطيع العلماء مراقبة القدر الذي امتصته النباتات من هذه النظائر، خلال فترة زمنية محددة وذلك لتقديم المشورة للمزارعين بشأن الكمية الدقيقة للسماد الواجب استخدامها فيما يخص محاصيلهم كما يستخدم الكربون-13 لتقييم جودة التربة.
وأيضاً الاستيلاد الطفري للمحاصيل حيث تحدث عملية الطفر التلقائي للنباتات بانتظام في الطبيعة، وتتكيف النباتات باستمرار مع البيئة المتغيرة ويمكن أن يستغرق ذلك الآف السنين ويستطيع العلماء تسريع هذه العملية باستخدام التقنيات النووية، والاستيلاد الطفري هو عملية لتطوير النباتات ذات الصفات المرغوبة، ولكنها أسرع من عملية الاستيلاد التقليدى وهو يعتمد على حث التغيرات الجينية القابلة للانتقال بالوراثة في النباتات باستخدام أشعة جاما أو الأشعة السينية أو مصادر الإشعاع الأخرى وتننتج الأصناف المحسَنة من المحاصيل لتكون قادرة على النمو في ظروف قاسية، أو لتحسين قيمتها الغذائية ولمقاومة الأمراض أو الآفات الحشرية، وللنمو في التربة المالحة أو لاستخدام المياه والمغذيات بشكل أكثر كفاءة ثم تتم مضاعفة النباتات الفرديةّ، بعد اختيار السمات الزراعية المحسَنه.
وتعتبر المياه مصدرا بالغ الأهمية فى إنتاج الأغذية وعملية الري بالتنقيط هي تقنية لاستخدام المياه تهدف إلى تحسين استغلال المياه بغية زيادة غلة المحاصيل الى اقصى حد ممكن وهي تنطوى على سكب المياه مباشرة وببطء على جذور النباتات حتى تقلل من تبخرها وتسربها، وتستخدم التقنيات النووية لتحديد الكمية الدقيقة للمياه التي تحتاجها نبتة ما وتحديد الأوقات والفترات الملائمة لاستخدام المياه، ويستخدم مسبرا نيوترونيا لرصد مستويات الرطوبة فى التربة، وخلال أخذ القياسات يفرز المسبر نيوترونات تصطدم بذرات الهيدروجين الموجودة فى المياه الموجودة فى التربة، إذ يبطىء الاصطدام النيوترونات وكلما كان عدد ذرات الهيدروجين مرتفعا انخفضت سرعة النيوترونات ويكشف المسبر عن هذا التغير فى سرعة النيوترونات ويقدم قراءة تطابق مستوى الرطوبة فى التربة، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن يزداد الطلب على المياه لأغراض الزراعة بنسبة 50 %بحلول عام 2050 ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى النمو السكاني.







