رواد أعمال يقدمون قراءة عملية في مسارات تحويل الأفكار إلى مشروعات قابلة للنمو والاستدامة
في يوم 15 ديسمبر، 2025 | بتوقيت 9:16 م

كتبت: شيرين محمد
أحمد حمودة: «ثاندر» حققت المستحيل برخصة غابت منذ 2008.. وهذه نصيحتي لرواد الأعمال
أحمد مختار: خبرة «بلاي ستيشن 5» قادتني لتأسيس SwipeX.. ونعمل على إنهاء عصر «الكاش» في الشركات
شيرين كابش: تركت «رفاهية دبي» لأبدأ من الصفر في مصر.. ومشكلة «الكاش» حلها الثقة لا المنع
محمد شلبي: مشروع واحد فقط ينجح من كل 15 في التجارة الإلكترونية.. وتوازن العمل والحياة «أسطورة»
محمد حسن: الذكاء الاصطناعي أداة للتوسع لا لطرد الموظفين
في ظل تسارع وتيرة الابتكار وتنامي دور ريادة الأعمال كأحد محركات التنمية الاقتصادية، جمعت جلسة «خطواتك الفارقة من الابتكار إلى السوق» التي انعقدت في ثاني أيام النسخة الرابعة لقمة المرأة المصرية برعاية كريمة من رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، نخبة من رواد الأعمال لتقديم قراءة عملية في مسارات تحويل الأفكار إلى مشروعات قابلة للنمو والاستدامة.
واستعرض المتحدثون، من واقع تجاربهم في قطاعات التكنولوجيا والتجارة الرقمية والخدمات، أبرز التحديات التي واجهتهم منذ البدايات الأولى، والدروس المستفادة من رحلة تأسيس الشركات، إلى جانب نصائح واقعية موجهة للطلاب وحديثي التخرج حول بناء مسار مهني أو ريادي قائم على الفهم العميق للسوق والقدرة على التكيف مع متغيراته.
في البداية، أكد أحمد حمودة، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «ثاندر»، أن فلسفة المنصة تُعد في كونها ليست مجرد أداة للمضاربة، بل وسيلة جوهرية لحماية الثروات وتنميتها، مشددًا على أن الاستثمار لم يعد رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على قيمة الأموال. واستشهد بالدرس القاسي الذي تعلمه الكثيرون في عام 2023، حين استيقظ البعض ليجدوا أن مدخراتهم فقدت نصف قيمتها الشرائية، وهو ما جعل مهمة «ثاندر» الرئيسية هي تمكين الأفراد من الاستثمار بطريقة سليمة وفعالة لتفادي مثل هذه الصدمات.
وعاد حمودة بذاكرته إلى بدايات التأسيس عام 2019، كاشفًا أن التحدي الأكبر الذي واجه الشركة لم يكن العقبات التنظيمية كما يعتقد البعض، بل حالة التشكيك العام في «الفرد المصري»، وقدرته ورغبته في الاستثمار بالبورصة. إلا أن جائحة «كوفيد-19» جاءت كعامل مسرّع غير متوقع، إذ تزامنت مع توجه الشركة للهيئة العامة للرقابة المالية بمنتج رقمي مبتكر، مستفيدة من الزخم المتزايد نحو الرقمنة، لتنجح في الحصول على رخصة سمسرة رسمية كانت الأولى من نوعها منذ عام 2008، ليثبت حمودة وفريقه صحة رهانهم بأن «من حق المواطن المصري أن يستثمر ويصنع ثروة»، داحضين الفكرة القائلة إن الشعب غير جاهز للبورصة.
وانتقل الرئيس التنفيذي لـ«ثاندر» من الحديث عن تنمية الأموال إلى تنمية العقول، ناصحًا الشباب بأن المعيار الحقيقي للتميز ليس الدرجة الجامعية أو المعدل التراكمي، بل ما يقرأه الإنسان ويستوعبه. ودعا إلى رفع سقف الطموح عبر الاطلاع على سير العظماء مثل ستيف جوبز وإيلون ماسك وجيف بيزوس، بدلًا من الاكتفاء بمقارنة النفس بالمحيطين، لما قد تخلقه من شعور زائف بالرضا. كما حذر من خطورة الإفراط في التوتر والقلق بشأن نتائج العمل على حساب الصحة العامة، معتبرًا أن الصحة رأس مال لا يجب استنزافه.
وفي روشتة لرواد الأعمال حول التمويل، أكد حمودة أن جولات التمويل (Fundraising) غالبًا ما تسير بعكس التوقعات المخططة، فقد تفاوض 50 مستثمرًا ويأتيك الدعم من حيث لا تحتسب. وحذر في الوقت ذاته من الاعتماد الكامل على التمويل الذاتي (Bootstrapping) إلا في حالات المشروعات الجانبية، موضحًا أن عرض الأفكار على المستثمرين يكشف الثغرات ويضع خطط الشركة تحت المجهر. واختتم حديثه بقاعدة ذهبية للابتكار، مؤكدًا أن الأفكار التي تبدو «مستحيلة» أو غريبة هي غالبًا الأكثر نجاحًا، قائلًا: «إذا أجمع الجميع على أن فكرتك رائعة جدًا ومنطقية، فهذا يعني غالبًا أن هناك الآلاف غيرك ينفذونها بالفعل».
من جانبه، كشف أحمد مختار، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «سوايب إكس» عن الكواليس التي سبقت تأسيس شركته، موضحًا أن قرار الإطلاق جاء في توقيت استراتيجي مدروس، تزامنًا مع الطفرة التي تشهدها الدولة المصرية في ملف التحول الرقمي والشمول المالي.
واستند مختار في خطوته إلى خبرة دولية قوية في قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech)، اكتسبها خلال عمله في سان فرانسيسكو ضمن الفريق الذي أدار إطلاق جهاز «بلاي ستيشن 5»، حيث كان مسؤولًا عن عمليات متجر بلاي ستيشن، والمدفوعات العالمية، وتوزيع بطاقات «سوني»، وهي تجربة منحته رؤية واضحة لتطبيق أحدث حلول الفينتك في السوق المصري.
وأشار مختار إلى أن عودته بهذه الخبرات تزامنت مع الحراك الكبير الذي يقوده البنك المركزي المصري لإصدار تراخيص الشركات المالية الجديدة، ورقمنة المدفوعات الحكومية والفواتير الإلكترونية، لافتًا إلى أن مهمة «سوايب إكس» الأساسية اليوم تتمثل في مساعدة الشركات على رقمنة نفقاتها (Digitize Spend) وإنهاء التعاملات التقليدية المرهقة. وقال: «نحن نلغي عهد الكاش والمصروفات النقدية، ونستبدلها ببطاقات ذكية تمكّن الشركات من متابعة مصروفاتها واستلام العهد بطريقة مبسطة ودقيقة».
وانتقل الشريك المؤسس لـ«سوايب إكس» للحديث عن فلسفة العمل في الشركات الناشئة، مؤكدًا أنها بيئة تبحث عن حلول لاحتياجات لم تكن موجودة من قبل، ولذلك لا تتطلب بالضرورة أصحاب خبرات تقليدية طويلة، بقدر ما تحتاج إلى عقول مبتكرة قادرة على حل المشكلات بطرق غير نمطية.
ونصح الشباب بالتركيز على مهارة «خلق القيمة» (Create Value) باعتبارها جواز المرور الحقيقي لأي مدير أو مؤسس، مختتمًا حديثه بقاعدة ذهبية للنجاح المهني تقوم على بذل الجهد في الوقت الراهن، دون الانشغال المفرط بموعد حصاد النتائج.
وفي رحلة جمعت بين الجرأة في اتخاذ القرار والرؤية الثاقبة لاحتياجات السوق، روت شيرين كابش، الشريك المؤسس لشركة «فلاش»، كواليس عودتها إلى مصر للمساهمة في تعزيز الشمول المالي. وأشارت إلى أنها وقفت يومًا أمام خيارين مصيريين: إما البقاء في دبي والاستمرار في وظيفتها المستقرة بشركة «أوبر» براتب مجزٍ، أو العودة إلى مصر والبدء من الصفر. واختارت كابش الطريق الأصعب مدفوعة بطموح التغيير، مستفيدة من توقيت تحركات البنك المركزي المصري لتنظيم تراخيص شركات المدفوعات، بما ساعدها على فهم قواعد اللعبة الجديدة وتحديد متطلبات السوق بدقة.
وصححت كابش المفهوم السائد حول تعلق المصريين بالدفع النقدي، موضحة أن العملة الرقمية هي ذاتها الجنيه الملموس لكنه تحوّل إلى «أرقام على الهاتف». وأكدت أن التحدي الأكبر في السوق المصري، حيث يتم دفع نحو 80% من الطلبات نقدًا عند الاستلام، لا يعود إلى «إدمان الكاش»، بل إلى أزمة ثقة ورغبة المستهلك في الاطمئنان قبل الدفع. ومن هذا المنطلق، غيرت الشركة استراتيجيتها من محاولة إجبار العميل على ترك الكاش، إلى توفير «الراحة النفسية» عبر إتاحة حلول دفع رقمية سلسة بعد استلام المنتج ومعاينته.
وانتقلت الشريك المؤسس لـ«فلاش» للحديث عن توسعات الشركة التي لم تعد تقتصر على التوصيل، بل امتدت لتشمل المطاعم والمتاجر (In-Store)، مؤكدة أن القيمة الحقيقية التي تقدمها الشركة للتجار تتجاوز تحصيل الأموال، لتصل إلى «ذكاء البيانات» عبر تقديم تحليلات دقيقة تساعدهم على تطوير منتجاتهم وتوجيه العملاء لوسائل الدفع الأنسب.
واختتمت كابش حديثها برؤية ناضجة حول ريادة الأعمال والعلاقة مع المستثمرين، واصفة إياها بأنها «علاقة زواج» يجب أن تقوم على الصدق والشفافية، معتبرة أن المستثمر شريك خبرة لا مجرد ممول، ومؤكدة أن كل مشكلة تحمل في طياتها فرصة جديدة.
فيما فجر محمد شلبي، الرئيس التنفيذي للعمليات بشركة «هومزمارت»، مفاجأة حول واقع سوق التجارة الإلكترونية، مؤكدًا أن سهولة تدشين المتاجر الرقمية لا تعني سهولة النجاح، كاشفًا أن مشروعًا واحدًا فقط من بين كل 15 مشروعًا ينجح في الاستمرار لأكثر من عامين. وأرجع شلبي ذلك إلى صعوبة استدامة العمل التجاري رغم وفرة الأدوات، محددًا ثلاث ركائز أساسية للنجاة، في مقدمتها القراءة الصحيحة للبيانات، محذرًا من الانخداع بالأرقام المجردة، حيث اعتبر أن تكرار شكاوى العملاء هو الحقيقة المطلقة حتى لو لم تعكسها المؤشرات الظاهرة.
وشدد على أهمية «التركيز» وعدم الانجراف وراء أجندات فرعية تشتت رائد الأعمال عن الحل الأساسي، بالتوازي مع حتمية التكيف مع الذكاء الاصطناعي، واضعًا الشركات أمام خيارين: التطور أو التخلف عن السوق. وأسقط شلبي هذه الرؤية على قصة نجاح «هومزمارت»، موضحًا أنها انطلقت من سد فجوة حقيقية في سوق السلع المنزلية.
واختتم حديثه بنسف المفهوم التقليدي لتوازن العمل والحياة، معتبرًا أن الأهم هو إدارة الأولويات دون التقيد بقوالب نظرية جامدة.
كشف محمد حسن، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «Tactful AI»، عن كواليس قراره استرداد ملكية الشركة عقب عملية استحواذ سابقة، مدفوعًا برؤية فرصة واعدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. وأكد أن القرار أتاح للشركة أريحية أكبر لتنفيذ رؤيتها والاقتراب مجددًا من العملاء وفهم احتياجاتهم بعمق.
ونفى حسن المخاوف المرتبطة بإحلال الذكاء الاصطناعي محل البشر، مشبهًا تأثيره برحلة تسلق الجبال التي تمنح أدوات أفضل للإنجاز، موضحًا أن الشركات الذكية تستخدمه لمضاعفة الإنتاجية والتوسع، لا لتقليص العمالة.
واختتم حديثه بتشخيص تحديات بيئة الأعمال في مصر، مؤكدًا وجود فجوة في الكوادر القيادية، وموجهًا نصيحة لرواد الأعمال بالتركيز على بذل الجهد والخروج من منطقة الراحة، معتبرًا أن الإرهاق أحيانًا علامة على التعلم والنمو.
وجاءت هذه الجلسة ضمن فعاليات النسخة الرابعة من قمة المرأة المصرية التي شارك بها وزارات وهيئات حكومية، وسفراء، ورؤساء جامعات، وأعضاء هيئات التدريس، وقيادات مؤسسات عامة وخاصة، بالإضافة إلى وفود شبابية من الجامعات الحكومية والخاصة، بهدف تأسيس جسر عملي بين الأكاديميات والقطاع الخاص والجهات الدولية.
وشهدت القمة توقيع شراكة استراتيجية مع جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتحويلها إلى برنامج طويل الأجل لدعم الشباب وتشجيع ريادة الأعمال، مع التركيز على دمج الابتكار والتكنولوجيا والعلوم الحديثة ضمن آليات الاقتصاد الوطني، بما يسهم في خلق فرص وظيفية مستدامة وتمكين الأجيال الجديدة.
كما تركز القمة على المحاور الرئيسية للتحولات الجذرية في سوق العمل، ومهارات المستقبل المطلوبة أمام الشباب والخريجين الجدد، من خلال جلسات وورش عمل متخصصة يشارك فيها نحو 100 متحدث من مصر ودول الخليج، وممثلي كبرى الشركات والمؤسسات الدولية، لمناقشة الفرص المتاحة وآليات الدمج بين التعليم والعمل في مجالات STEM والذكاء الاصطناعي.







