الطاقة والبندقية

في يوم 22 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 2:11 م

كتب: بقلم / د.محمد الخياط

خرج “أسبوع الابتكار 2025 Innovation Week” الذي نظمته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في مدينة بون، في يونيو الماضي، حول الرقمنة والتحول الرقمي بمقولة ذات دلالة عميقة، مفادها “لا رقمنة Digitalization من دون طاقة، ولا تحول طاقي Energy Transition من دون رقمنة”.
والحقيقة أن هذه المقولة لا تقتصر على قطاع التحول الرقمي فقط، بل تمتد إلى القطاعات الأخرى في علاقة تبادلية، يتجاوز معها مفهوم امتلاك موارد الطاقة حدوده مشتبكًا مع محاور التنمية الاقتصادية؛ إذ لا اقتصاد ولا أمن من دون طاقة.
كانت هشاشة سلاسل الإمداد من أبرز ما أسفرت عنه الحرب الروسية الأوكرانية، وكأن العالم استيقظ من سبات طويل فإذا به أسير رغيف خبز ودفقة غاز.. وكلا الطرفين لا يألو جهدًا في ضرب خصمه تحت الحزام وإضعافه بضرب مستودعات الذخائر والوقود وخطوط الإمداد وكذلك البنية التحتية العسكرية والمدنية باستخدام المسيرات والطائرات الحربية، كما استخدمت فيروسات للهجوم على نظم التحكم والتشغيل في محطات الطاقة أيضًا.
وقد أظهرت الدراسة التي أعدها الباحث إبراهيم الغيطاني، ونشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، في أغسطس الماضي، بعنوان “اللوجستيات العسكرية وسعي الجيوش العالمية لتأمين حصولها على موارد طاقة حديثة”، التأثير الكبير لسلاسل الإمداد على نتائج العمليات العسكرية.
إذ تعمل الجيوش على تأمين نقل ذخائرها وعتادها إلى مناطق العمليات، بما في ذلك مصادر الطاقة، ومنها الوقود. ومن ثم، فإن خفض سلاسل الإمداد، يقابله خفض في مستوى المخاطر.
من هذا المنطلق، وفي ظل التقدم الذي تشهده المصادر المتجددة والبطاريات وخلايا الوقود وضع القادة العسكريون في حلف الناتو، ووكالة الدفاع الأوروبية، وأمريكا استراتيجيات لدمج هذه النظم في البنية العسكرية، ليس بغرض تحقيق الاستدامة وخفض البصمة الكربونية فقط، بل لتأمين وتعزيز مرونة سلاسل إمداد الطاقة للعمليات العسكرية، خاصةً مع ارتفاع الطلب على الأسلحة كثيفة استهلاك الطاقة مثل تلك الموجهة بالليزر، والرادارات المتقدمة، والمسيرات Drones، والسفن الحربية والمركبات، والطائرات.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه احتمالات قطع إمدادات الكهرباء عن البنى العسكرية المتصلة بشبكات الكهرباء المحلية، حال تعرضها لهجمات تخريبية، تُظهر الشبكات الكهربائية الصغيرة استقلالية في التشغيل وخفض مستوى المخاطر، وهو ما دفع أمريكا لبناء 28 شبكة كهربائية صغيرة لتغذية منشآت عسكرية، بالإضافة إلى 35 شبكة أخرى قيد الإنشاء والتطوير، فضلاً عن عمل وحدات الأبحاث على تطوير طاقة الأمواج والمفاعلات النووية الصغيرة لتغذية القواعد المطلة على المحيط الهادي.
في السياق نفسه، استبدلت دول مثل كندا، والصين، والهند، وألمانيا مولدات الديزل في العديد من ثكناتها العسكرية بحاويات متنقلة تجمع نظم خلايا شمسية مع بطاريات ليثيوم أيون لتوفير الطاقة لقواتها المنتشرة في مناطق عدة، إلى جانب تطبيق إجراءات صارمة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة، باعتبارها الوقود الأول.
وللأهمية العملية لتقنيات تخزين الطاقة، تركز معامل الأبحاث على تطوير بطاريات الحالة الصلبة، والجرافين وتلك المدمجة بالذكاء الاصطناعي، بهدف رفع سعاتها وخفض زمن شحنها، مما يجعلها بديلاً مناسبًا للمسيرات طويلة المدى، والمركبات بمختلف أغراضها، سواء الكهربائية أو الهجينة.
كذلك، تركز الأبحاث على تصنيع مركبات ذكية ذاتية القيادة، ويطمح الجيش الأمريكي لنشر مركبات تكتيكية كهربائية بحلول عام 2050، بينما يتطلع الجيش الهندي، للاعتماد التدريجي على تلك المركبات وزيادة نسبة التصنيع المحلي. في المقابل، يجري الجيش الصيني اختبارات ميدانية لاستخدام دبابة طراز 99A، بنظام الدفع الهجين) ديزل وكهرباء)، ويستهدف الجيش البريطاني كهربة كامل أسطوله غير التكتيكي بنهاية عام 2027.
بحث وتطوير واستراتيجيات ما من شك أنها سوف تتجاوز الجانب العسكري، ذات يوم، إلى الحياة المدنية في شكل منتجات تجارية يتداولها الناس في حياتهم اليومية.. كانت وكالة مشروعات البحوث المتقدمة (ARPA) الأمريكية قد أطلقت في عام 1969شبكة لتأمين الاتصالات بين الوحدات العسكرية، تحولت مع الوقت إلى منتج تجاري يسيطر على الاقتصاد العالمي باسم “الإنترنت”.
ومن غير شك أن معادلة الطاقة والبندقية تتخطى الأبعاد التقنية والعسكرية لتعكس علاقة القوة في عالمنا المعاصر؛ فمن يملك مصادر الطاقة ووسائل تأمينها، يملك القدرة على صياغة موازين النفوذ والهيمنة.
 
د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]