د. محمد راشد: الشقق العنقودية نقلة نوعية في مستقبل السكن بمصر… وحان وقت كسر النمط الفردي في المجتمعات العمرانية
في يوم 10 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 12:33 م

كتبت: شيرين محمد
في خطوة جريئة نحو إعادة تشكيل مفهوم السكن في مصر، دعا الدكتور محمد راشد، عضو غرفة صناعة التطوير العقاري وعضو أمانة الإسكان والتنمية العمرانية المركزية بحزب الجبهة الوطنية، إلى ضرورة تبني نموذج “الشقق العنقودية” كأحد الحلول المستحدثة التي أثبتت فعاليتها في المجتمعات الأوروبية، مؤكدًا أن الوقت قد حان للخروج من القوالب الإسكانية النمطية، والانتقال إلى نموذج سكني يقوم على التشاركية، والدعم المجتمعي، وتقليل التكلفة، وخلق بيئة إنسانية مستدامة داخل المجتمعات الجديدة.
وأوضح راشد أن الشقق العنقودية تمثل تجربة رائدة في دول مثل ألمانيا وسويسرا والنمسا، حيث بدأت كاستجابة طبيعية لأزمات الوحدة المجتمعية وارتفاع تكاليف المعيشة، ثم تحوّلت إلى نمط سكني معترف به رسميًا، يعتمد على أنماط التشارك في المساحات المعيشية اليومية، مثل المطابخ المشتركة، غرف الجلوس، والحدائق، ما يعيد إحياء فكرة “الجيرة” والعلاقات الاجتماعية داخل الكتل السكنية، وهو ما نفتقده بشدة في النمط العمراني المصري الحالي، الذي غلّب الخصوصية المطلقة على التفاعل الإنساني.
وأضاف أن دراسة صادرة عن المعهد الاتحادي الألماني لأبحاث البناء عام 2018 رصدت عشرات المشروعات القائمة بالفعل في هذا الإطار في ألمانيا والنمسا وسويسرا.
وأشار راشد ؛ إلى أن معظم الطلبات المقدمة لتطوير مشروعات سكنية في أوروبا الآن تتجه نحو هذا النوع من الوحدات المجتمعية، وهو ما يعكس تحوّلًا حقيقيًا في ثقافة السكن يفرضه الواقع الاقتصادي والاجتماعي
.
وأكد راشد أن الفئات الأكثر استفادة من هذا النموذج في أوروبا هي فئة كبار السن، الذين يواجهون تحديات يومية من الوحدة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والمعيشية، حيث أظهر استطلاع رأي أجري في زيوريخ عام 2022 أن 80% من السكان فوق 55 عامًا يفضّلون العيش في وحدات سكنية تضم أجيالًا متعددة، وأن نصفهم أبدوا اهتمامًا فعليًا بالانتقال إلى مساكن عنقودية، لما توفره من دعم نفسي، وتفاعل اجتماعي، وشعور بالانتماء، دون الحاجة إلى اللجوء لدور رعاية كبار السن.
وذكر راشد إلى أن نجاح التجربة الأوروبية، وامتدادها لاحقًا إلى دول مثل أستراليا، ونيوزيلندا، وبعض الولايات الأمريكية، يفتح الباب أمام إعادة إنتاجها محليًا في مصر، ولكن بصيغة تتماشى مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية للبيئة المصرية، من خلال تصميم نماذج عمرانية تدمج بين الخصوصية الفردية، والمشاركة في الخدمات الأساسية، وتوفير وحدات سكنية مخصصة للفئات الأكثر احتياجًا مثل الشباب حديثي الزواج وكبار السن.
وتابع راشد قائلًا إن إعادة النظر في شكل الوحدة السكنية ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية، مشيرًا إلى أن الأزمة الإسكانية في مصر لا تتعلق فقط بوفرة الوحدات، بل بطبيعتها ومدى توافقها مع التحولات الاجتماعية، وأن استمرار الاعتماد على النموذج التقليدي للشقق المعزولة يرسّخ عزلة اجتماعية، ويرفع من تكاليف البناء والتشغيل والصيانة، ويُضعف من جودة الحياة داخل التجمعات السكنية، خصوصًا في المدن الجديدة.
واقترح راشد أن تبدأ الدولة في دراسة تنفيذ مشروع تجريبي لنموذج “الشقق العنقودية” في أحد المجتمعات العمرانية الجديدة تحت إشراف مشترك من وزارة الإسكان، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، ليكون مشروعًا رائدًا يساهم في تطوير السياسة العمرانية، ويضع مصر على خريطة الدول التي تتبنى مفاهيم السكن الإنساني التشاركي، بدلًا من الاكتفاء بالمفاهيم الكلاسيكية التي تجاوزها الزمن.
واختتم الدكتور محمد راشد تصريحه مؤكدًا أن “الحق في سكن آمن لا يجب أن يُختزل في جدران أربعة، بل يمتد إلى شعور حقيقي بالانتماء، والدعم، والتواصل الإنساني”، مضيفًا أن تجربة الشقق العنقودية ليست مجرد فكرة مستوردة، بل حل استراتيجي قابل للتطبيق في مصر، وقد يكون أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق التنمية العمرانية المتوازنة والعادلة في السنوات القادمة.







