علي عبد القادر نائب رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الاعمال ل ” العالم اليوم”: البنية التحتية “المتهالكة” بالقارة السمراء تعيق نهضة التجارة ..و و170 مليار دولار سنوياً تمويل مطلوب لمشروعات النقل والطاقة والمياه والاتصالات

2% خسائر لكل دولة افريقية من النمو السنوي بسبب البنية التحتية و 40% تراجع بالإنتاجية في القارة

الطرق الممهدة لا تتجاوز 30% و السكك الحديدية فمعظمها يعود إلى الحقبة الاستعمارية والموانئ تعاني مشاكل هيكلية

في يوم 12 أغسطس، 2025 | بتوقيت 6:30 ص

كتب: مني البديوي

 

اكد علي عبد القادر النائب الاول لرئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الاعمال المصريين ان تهالك البنية التحتية بالقارة السمراء يكبل حركة التجارة ويخنق النمو الاقتصادي ويحول دون تحقيق التكامل المنشود بين دولها الـ54.

واضاف في تصريحات ل ” العالم اليوم” ان أفريقيا اليوم تقف على مفترق طرق تاريخي فمن جهة تمتلك ثروات طبيعية هائلة تقدر بتريليونات الدولارات وأسواقاً استهلاكية متنامية يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة وموارد بشرية شابة تمثل مستقبل العالم ومن جهة أخرى تعاني من بنية تحتية متهالكة.

وأوضح ان ضعف البنية التحتية بكبد كل دولة أفريقية خسائر تقدر بنحو 2% من النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي بينما يرجع 40% من تراجع الإنتاجية في القارة مباشرة إلى نقص البنية التحتية الكافية .

واردف : انه في حين تتجاوز نسبة التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي 60%، وفي آسيا 40% تظل التجارة بين الدول الأفريقية محصورة في نسب متواضعة لاتتجاوز 16% مما يجعل القارة أسيرة للأسواق الخارجية.

واكد عبد القادر ان حجم التحدي الذي تواجهه القارة الأفريقية في مجال البنية التحتية يتجلى في الأرقام الضخمة المطلوبة لسد الفجوة التمويلية، مشيرا الي انه وفقاً لتقديرات البنك الأفريقي للتنمية تحتاج القارة ما بين 130 و170 مليار دولار سنوياً لتمويل مشاريع النقل والطاقة والمياه والاتصالات الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة.

واردف : ان هذا المبلغ الهائل يعادل ميزانيات عدة دول أفريقية مجتمعة ويمثل تحدياً حقيقياً أمام حكومات تعاني أصلاً من محدودية الموارد وارتفاع الديون ، مشددا علي ان
لفجوة التمويلية في البنية التحتية الأفريقية ليست مجرد رقم بل هي تعبير عن فرص ضائعة ومستقبل مرهون.

وأشار إلي مقولة للدكتور محمود محيي الدين المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقاً : “كل دولار لا يُستثمر في البنية التحتية اليوم يعني خسارة عدة دولارات من النمو الاقتصادي المستقبلي”.

واستطرد : ان جائحة كوفيد-19 زادت من تعقيد هذا التحدي حيث أدت إلى تحويل الأولويات المالية للحكومات الأفريقية بعيداً عن الاستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية، مما خلق عجزاً إضافياً يقدر بنحو 96 مليار دولار ، مشيرا الي ان هذا العجز المتراكم يعني أن الفجوة التمويلية أصبحت أكبر وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

واوضح انه مع محدودية الموارد المالية المحلية تتجه الحكومات والقطاع الخاص الأفريقي بشكل متزايد إلى الشراكات الدولية والاستثمار الأجنبي لتنفيذ هذه المشروعات الحيوية وانه في هذا السياق برزت الشركات المصرية كشريك استراتيجي مهم في تنفيذ مشاريع البنية التحتية عبر القارة مستفيدة من خبرتها الطويلة وقربها الجغرافي والثقافي من الدول الأفريقية.

وأكد عبد القادر ان شبكات النقل المتهالكة تمثل العائق الأكبر أمام التجارة البينية الأفريقية ، مشيرا الي انه من بين 2.8 مليون كيلومتر من الطرق في القارة لا تتجاوز نسبة الطرق الممهدة 30%، وكثير منها في حالة سيئة تحتاج إلى صيانة عاجلة أما شبكات السكك الحديدية فمعظمها يعود إلى الحقبة الاستعمارية ولم يتم تحديثها منذ عقود، مما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات التجارة الحديثة!!.

واردف : ان الموانئ الأفريقية تعاني أيضاً من مشاكل هيكلية تحد من كفاءتها وانه وفقاً لتقرير البنك الدولي تستغرق عملية تفريغ الحاويات في الموانئ الأفريقية وقتاً أطول بثلاث مرات مقارنة بالموانئ الآسيوية مما يرفع تكاليف الشحن ويؤخر وصول البضائع وانه في ميناء دار السلام بتنزانيا على سبيل المثال قد تنتظر السفن أياماً للرسو بسبب محدودية الأرصفة وقدم المعدات.

واستطرد : ان هذا الواقع المرير يفسر لماذا تشكل تكاليف النقل والخدمات اللوجستية نسبة مرتفعة من سعر المنتجات في أفريقيا وانه في شرق أفريقيا على سبيل المثال تمثل تكاليف النقل 35% من سعر المنتجات الزراعية مقارنة بـ 13% في أوروبا و8% في آسيا وان هذا الارتفاع في التكاليف يجعل المنتجات الأفريقية غير قادرة على المنافسة، حتى في أسواقها المحلية.

وأشار عبد القادر إلي بعض الكلمات التي كان قد تحدث بها أديسينا أكينوومي رئيس البنك الأفريقي للتنمية ولخص بها جوهر المشكلة التي تواجه القارة ، موضحا أنه قال
“لا يمكنك بيع منتجاتك لجيرانك إذا لم تكن هناك طرق تصل إليهم”.

واردف : ان المنتجات الآسيوية والأوروبية تغزو الأسواق الأفريقية بينما تعجز المنتجات الأفريقية عن الوصول إلى الأسواق المجاورة بسبب تكاليف النقل الباهظة وانقطاع الكهرباء المستمر ونقص المياه النظيفة وضعف شبكات الاتصالات!!.

وقال ان من يسافر عبر القارة الأفريقية يشهد مشهداً مؤلماً للبنية التحتية المتداعية متمثلة في طرق متهالكة تتحول إلى مستنقعات طينية مع أول هطول للأمطار وجسور آيلة للسقوط وموانئ متقادمة تعجز عن استيعاب حركة التجارة المتنامية ومطارات متواضعة لا ترقى للمعايير الدولية وشبكات كهرباء متهالكة تغرق مدناً بأكملها في الظلام لساعات طويلة كل يوم!!

واضاف انه في نيجيريا والتي تمثل أكبر اقتصاد أفريقي تخسر الشركات ما يقرب من 29 مليار دولار سنوياً بسبب انقطاع التيار الكهربائي وفقاً لتقديرات البنك الدولي، وفي كينيا يستغرق نقل حاوية من ميناء “مومباسا” إلى العاصمة نيروبي وقتاً أطول وتكلفة أعلى من نقلها من الصين إلى “مومباسا”، أما في غرب أفريقيا فتستغرق الشاحنة التي تنقل البضائع من أبيدجان في ساحل العاج إلى لاغوس في نيجيريا أسبوعاً كاملاً لقطع مسافة 900 كيلومتر فقط بسبب سوء الطرق ونقاط التفتيش المتعددة والإجراءات الجمركية المعقدة.

وأوضح أن تكاليف النقل البري تشكل 29% من سعر المنتجات المتداولة بين الدول الأفريقية، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بالمعايير العالمية التي لا تتجاوز 9%، مشيرا الي ان هذا الارتفاع في تكاليف النقل يجعل المنتجات الأفريقية أقل تنافسية في الأسواق المحلية مما يفسر ندرة السلع الأفريقية في الأسواق الأفريقية ذاتها.

وأكد نائب رئيس لجنة التصدير ان أزمة النقل ليست هي التحدي الوحيد وان انقطاع التيار الكهربائي المستمر ايضا يشكل عائقاً رئيسياً أمام التصنيع والإنتاج الزراعي.

واضاف ان أكثر من 600 مليون أفريقي يعانون من نقص حاد في إمدادات الطاقة مما يحد من قدرة المصانع على الإنتاج بكفاءة ويقلل من جاذبية القارة للاستثمار الأجنبي ، مشيرا الي انه في جنوب أفريقيا أدى انقطاع الكهرباء المجدول إلى خسائر اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات سنوياً بينما تعتمد الشركات في نيجيريا على مولدات الديزل المكلفة التي ترفع تكلفة الإنتاج بنسبة تصل إلى 40%.

وتابع : ان أزمة الطاقة تعد العائق الثاني الرئيسي أمام التجارة البينية الأفريقية وانه وبرغم امتلاك القارة لموارد طاقة هائلة – من النفط والغاز إلى الطاقة الشمسية والمائية – إلا أن أكثر من 600 مليون أفريقي لا يزالون محرومين من الكهرباء، وملايين آخرين يعانون من انقطاعها المتكرر.

واكد ان هذا النقص في الطاقة يؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية الصناعية و الزراعية وانه فقاً للبنك الأفريقي للتنمية لا يتم استغلال سوى 10% من الأراضي الصالحة للزراعة في القارة بينما لا تزيد نسبة الأراضي المروية عن 6% وهذا الضعف في الإنتاج الزراعي يعني أن القارة تفتقر إلى فائض إنتاجي كافٍ للتصدير إلى الدول الأفريقية الأخرى، مما يحد من إمكانات التجارة البينية في القطاع الزراعي.

واردف : ان أزمة المياه والصرف الصحي تضيف بعداً آخر للمشكلة حيث يفتقر نحو 400 مليون أفريقي إلى مياه الشرب النظيفة، و700 مليون إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية ، مشددا علي ان هذا النقص لا يؤثر على الصحة العامة فحسب، بل يقوض أيضاً الإنتاجية الاقتصادية ويحد من قدرة القطاعات الصناعية والزراعية على النمو والتوسع.

وقال ان نقص المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي يشكل التحدي الثالث الذي يؤثر على النشاط الاقتصادي والتجاري في أفريقيا حيث يفتقر نحو 400 مليون أفريقي إلى مياه الشرب النظيفة، و700 مليون إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، مشددا علي ان هذا النقص لا يؤثر على الصحة العامة فحسب بل يقوض أيضاً الإنتاجية الاقتصادية حيث ان المصانع والمزارع تحتاج إلى مياه نظيفة للإنتاج، كما أن العمال يحتاجون إلى بيئة صحية للعمل بكفاءة وانه في كينيا على سبيل المثال تخسر الشركات ما يقرب من 45 مليون ساعة عمل سنوياً بسبب الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وأكد عبد القادر انه امام هذه التحديات الهائلة تبرز الحاجة إلى استراتيجية شاملة للنهوض بالبنية التحتية الأفريقية وان هذه الاستراتيجية لا تقتصر على توفير التمويل اللازم فحسب بل تشمل أيضاً تبني نماذج مبتكرة للتنفيذ والإدارة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية وبناء القدرات المحلية.

وشدد علي ان أفريقيا تحتاج إلى استثمارات سنوية تتراوح بين 56 و66 مليار دولار لتحقيق تغطية شاملة لخدمات المياه والصرف الصحي وان هذا الاستثمار الضخم يتطلب تضافر جهود القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الشراكات الدولية.

واكد ان تنفيذ الاستراتيجية الشاملة للنهوض بالبنية التحتية الأفريقية سيحدث تحولاً جذرياً في مشهد التجارة البينية والتنمية الاقتصادية في القارة وان هذا التحول لن يقتصر على تحسين مؤشرات النمو الاقتصادي فحسب بل سيغير حياة مئات الملايين من الأفارقة ويعزز مكانة القارة في الاقتصاد العالمي.