الدور الألماني لاستقلال أوروبا من التبعية
لا شك في أن العالم بمنطق القوة والهزيمة والنصر يقف مفتقداً للمنطق والمعيار القابل للقياس عليه عندما يرى دولة ألمانيا اليوم مقارنة بالأمس.
فدولة ألمانيا التي انهزمت واستسلمت دون قيد أو شرط وسمحت لأربعة جيوش لدول مختلفة أن تحتل عاصمتها برلين وتقسمها إلى أربعة أجزاء تدير فيها شئونها كيفما شاءت وأينما أرادت .. فينهبون من ثرواتها عقاباً لها وتنكيلاً بها ، وقد سجل التاريخ أن فرنسا سمحت لنفسها بمصادرة ٢ مليون عامود حامل للكابلات الكهربائية من مخازن السكك الحديد الألمانية ونقلها إلي فرنسا .. والقائمة طويلة يضيق عنها المجال.
أما دولة ألمانيا اليوم التي نراها وقد تفوقت على ثلاث دول أوروبية كانت محتلة لها بعد هزيمتها أمامهم في الحرب العالمية الثانية وذلك باستخدام القوة السلسة ألا وهى قوة العمل والإخلاص للدولة الألمانية التي وظفتها قوى الشعب العاملة بإصرار ممتد منذ اليوم الأول لما بعد الاستسلام لاستعادة دولتهم وذلك بالانخراط في العمل كهدف أسمي التفوا حوله وحولوه إلي أداة بناء فاقت كل آليات الدمار التي لحقت بألمانيا .
فها هي الوحدة الألمانية بعد مرور 33 عاماً وقد فرضت نفسها علي القوي العظمي ما لبثت أن حولها هيلموت كول إلي وحدة أوربية ..وبتحرير شهادة ميلاد الاتحاد الأوربي حررت في ذات اللحظة شهادة وفاة الاتحاد السوفيتي،وها هى ألمانيا تقود المجتمع الأوروبي بل وتقوم بتوحيد أوروبا في اتحاد أوروبي قوى تقف عملته الموحدة موقف الندية أمام باقي العملات القوية المستقرة.
ولا يخفى على أحد أن العالم في واقعه الحالي يحتاج إلى ثورة صناعية بعد أن انحسر المد عن عصر البخار وعصر الكهرباء ودخلنا فى عصر الالكترونيات والتي في واقعها لا تصنع ثورة صناعية حقيقية ، إذ أنها بحاجة لقوى محركة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة .
ولعل البعض يتفق معي فى أن ألمانيا المستقبل هي الأكثر تأهيلا لثبر أغوار الثورة الصناعية الجديدة التي يحتاجها العالم لصناعة مستقبل يشارك فيه دول العالم الثالث بدور ايجابي يفسح المجال له للقيام بصناعات مغذية يحتاجها العالم المتقدم للإمداد بها بأسعار اقتصادية تساعده على المنافسة ، مما سيقرب بين دول العالم الثالث ودول التكتلات الاقتصادية ويضيق الفجوة بينهم .إذ أننا نحيا عالماً واحداً ولا تبتعد كثيراً مقدمته عن مؤخرته ، فكل منهما يحتاج الآخر .
وها نحن نحيا الآن الصراع الدائر بين روسيا و أوكرانيا الذي هو في واقع الأمر الصراع من أجل إعلان ميلاد كتلة منافسة للقطب الأوحد الأمريكي لظهور تعددية قطبية جديدة منافسة . وهنا فان الفرصة ستكون متاحة أمام الاتحاد الأوربي بقياده ألمانيا للتقدم بخطوه للأمام أتوسمها ضرورية لتقف بين التكتلات البازغة الجديدة باعتبارها كتلة مستقلة من تكتل مجموعة عدم الانحياز.
ولا شك أن العالم سيؤيد الكتلة الأوروبية الاقتصادية الجديدة بقلبه وعقله متمنياً لها النجاح في مقصدها باعتبارها الكتلة الديمقراطية المستقلة التي ليست لها أطماع استعمارية أو احتكارية على أية مستوى من المستويات .
فلننتظر انتهاء الصراع الروسي الأوكراني والذي سينتهي عما قريب والذي سيمهد لميلاد عالم جديد أكثر تعددية وأرحب توازناً وأقل استقطاباً للاحتكارات الدولية وأكثر قدرة علي إرساء مفاهيم الحق والعدل والشرعية والديمقراطية التي طال التشدق بها دون تطبيق فعلي لها علي أرض الواقع .. وإن غداً لناظره قريب .
بقلم
دكتور مهندس / نادر رياض
رجل صناعة ورئيس مجلس الأعمال المصري الألماني
www.naderriad.com