مدير IBM يكتب لـ “العالم اليوم” : الذكاء الاصطناعي مفتاح مصر وإفريقيا لتحقيق الاستدامة
في الوقت الذي تساهم فيه قارة إفريقيا، بدولها التي تخطت الخمسين، بأقل نسبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمي، حيث تقدر بنسبة لا تتخطى 2% إلى 3% فقط، إلا أن المؤشرات العالمية تؤكد على تحمل القارة السمراء لمسئوليتها تجاه خفض معدلات التغيرات المناخية، والتي أدت الى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن،، وذلك وفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات لعام 2022 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). أظهرت الدراسات ان تلك التغيرات ستؤدي إلى تأثيرات وخسائر اقتصادية تقدر بنحو 50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2050، وهو ما لن تستطيع الكثير من الاقتصادات الأفريقية تحمله.
وفقًا للتقرير، جاءت مصر وجنوب إفريقيا وموريشيوس وكينيا في صدارة الدول الإفريقية في تعزيز الاستدامة في مشاريعها المستقبلية، حيث تتطلب من البنوك المحلية الخاصة بها ضرورة دمج قضية تغير المناخ في إدارة المشاريع الاقتصادية. والحقيقة أن مصر كانت أحد الدول الأفريقية السباقة في الاهتمام بالاستدامة في مشروعاتها الاقتصادية، فمنذ سبعة سنوات، وتحديداً في فبراير 2016، أطلقت الدولة المصرية استراتيجيتها الوطنية لرؤية مصر 2030، والتي عكست بوضوح الاستراتيجية طويلة المدى لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، بل وتستند رؤية مصر 2030 على مبادئ “التنمية المستدامة الشاملة” و”التنمية الإقليمية المتوازنة”، وتعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي.
وفقاً لكل المعطيات التي تظهر على أرض الواقع، من الواضح أن الذكاء الاصطناعي له دور مؤثر في تسريع أهداف الاستدامة في إفريقيا في عام 2023، فقد أثبتت التجارب قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق النجاح في عمليات التنمية المستدامة. لذا، سخرت الكثير من الشركات قوة الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد تأثير مبادرات الاستدامة في طريقها إلى الحياد الكربوني، حيث يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانية زيادة الإنتاجية بشكل لم نشهده من قبل، فمثلما غيرت الثورة الصناعية الإنتاجية بشكل كبير، ستغير ثورة الذكاء الاصطناعي بشكل يجعلها أسرع بكثير.
ومن هذا المنطلق، أطلقت IBM منصة Watsonx للأعمال لتسريع اعتماد وتطبيق الذكاء الاصطناعي، لتمكين المؤسسات من توسيع نطاق تأثير الذكاء الاصطناعي المتقدم وتسريعه باستخدام البيانات الموثوقة.
فعلينا أن ندرك جيدًا أنه في الوقت الذي نتطلع فيه إلى المستقبل، إن التحول المجتمعي السريع، وزيادة العمل والتعاون بين المنظمات الخاصة والعامة، ونشر التقنيات التحويلية ستكون حاسمة في مواجهة أزمة المناخ ودفع التنمية عبر العديد من المجالات. وهو ما يعني أنه باستخدام الذكاء الاصطناعي، سنكون قادرين على حل المشاكل الكبيرة مثل الاحتباس الحراري وتحديات النقل والطاقة والاستدامة التي يمكن أن تكون الاختراع الأكثر قيمة للبشرية.
وفقًا لاستطلاع جديد أجرته شركة IBM، أنه يمكن تحقيق الاستدامة والربحية دون الحاجة إلى المفاضلة بين المسارين. فمثلا يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي وحلول تكنولوجيا المعلومات الخضراء لخفض ما يقارب من 30% من انبعاثات الكربون الناتجة عن استخدام أجهزة الكمبيوتر (المصدر: دراسة IBV Seven Bets ، مايو 2023)
نعلم جيداً أن هناك الكثير من التحديات التي ستعوق ذلك التحول، لذا قد يتطلب الامر من جميع الأطراف الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات الخضراء، والعمليات الجديدة، والتقنيات المختلفة، وعلى رأسها بالطبع الذكاء الاصطناعي، وذلك لسد الفجوة التي ستحدث من بدء تنفيذ الاستراتيجية وحدوث تأثير، خاصة وأن هناك بالفعل بعض الطرق التي سيسرع بها الذكاء الاصطناعي جهود الاستدامة في عام 2023.
إنشاء قاعدة بيانات ESG (البيئية والاجتماعية والحوكمة)
الحقيقة التي لم يعد فيها جدال أن البيانات أضحت مكونًا حاسمًا في تحقيق نتائج ملموسة في أهداف الاستدامة، حتى أن العديد من قادة الأعمال يدركون جيدًا أنه من أجل تحريك المؤشر نحو أهداف الاستدامة، يحتاجون إلى امتلاك بيانات ESG ذات مغزى، حيث انها تساعد في تقييم مدى تقدمهم نحو الاستدامة. وهناك بالفعل عددًا كبيرًا من البيانات البيئية المتاحة عبر عمليات المؤسسة التي يمكن استخدامها مثل عمليات المنشأة واستهلاك الطاقة وصيانة الأصول والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والمزيد.
ورغم التقدم والتطور الذي وصلنا له، إلا أنه من الصعب جمع وفهم كميات من البيانات الموجودة في مستودعات مختلفة عبر الشركات، وهو ما يتطلب ضرورة أن تكون المنظمات والمؤسسات المختلفة مجهزة لنقل البيانات إلى مجموعات متنوعة من أصحاب المصلحة. وهنا تكمن أهمية ودور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتي يمكنها أن تساعد في إدارة البيانات وتحليلها وتشغيلها، وتجهيز الشركات للإبلاغ عن أهدافها، بل أن الشركات ستكون قادرة على قياس بيانات ESG، حيث يتم تخزينها وتحويلها إلى رؤى تنبؤية يمكن استخدامها لتقييم التقدم المحرز نحو معايير الاستدامة، وبالتالي المساعدة في تقليل التأثير البيئي للعمليات التجارية اليومية.
وفقا للدراسات، فإن المؤسسات المعنية بالمستقبل تضع رهاناتها على الاستدامة لدفع أعمالها للأمام، وإرساء قدر أكبر من الشفافية حول التزاماتها بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. ومع الاهتمام المتزايد بالاستدامة، ووضعها على رأس الملفات بالشركات، يقول 74٪ من المديرين التنفيذيين إن تحقيق أهداف الاستدامة الخاصة بهم يتطلب مقايضات مالية قصيرة الأجل، وفقًا لاستطلاع جديد أجرته شركة IBM. (المصدر: دراسة IBV Seven Bets ، مايو 2023)
بناء سلاسل توريد أكثر مسؤولية
من أجل تحقيق حلم الوصول الى أهداف الاستدامة، ستحتاج الشركات إلى رؤية عميقة في سلسلة التوريد الخاصة بها، وذلك لتلبية المتطلبات التنظيمية المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، حيث تعد القدرة على تتبع المنتجات إلى مصدرها أمرًا ضروريًا للتأكيد على أن عملية الإنتاج تتم بشكل أخلاقي ومستدام، خاصة وأن المستخدم يتوقع بشكل متزايد شفافية كاملة من سلسلة التوريد، كما يعد فهم البصمة الكربونية أمرًا أساسيًا أيضًا. تتطلب الشفافية بيانات موثوقة وآمنة، بحيث يسمح استخدام البيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي للمؤسسات بتحسين سير العمل وتوفير هذه الرؤية.
الحقيقة المؤكدة أنه من خلال تطبيق تقنية الذكاء الاصطناعي، ستتمكن الشركات من جمع البيانات، والتحقق من صحة الوثائق، وتحديد المخاطر، وإنشاء سلاسل توريد أكثر شفافية. كما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في توفير مسارات التدقيق في إدارة الكربون والنفايات والطاقة والمياه والاستهلاك والمرافق المادية، بالإضافة الى التأكيد من توافر مخزون بالحجم المناسب ومساعدة الشركات على تقليل الفاقد وتقليل الوقت اللازم لتتبع مصدر المنتج من أيام إلى ثوانٍ.
إلى جانب ذلك، يجب أن تكون الاستدامة البيئية جزءا لا يتجزأ من الاستدامة الاقتصادية، وأن تركز البرامج على طرح البدائل والحلول الابتكارية الملهمة وتقديم خطط ملزمة لإتاحة بدائل الكربون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنوع وتعزيز اقتصاديات الأعمال المستدامة، من خلال الانتقال لنموذج الأعمال الجديد. ولتحقيق الأهداف التي ستعود بالنفع على الأفراد والكوكب علينا:
- تطبيق أنظمة استدامة قوية بما يسهم في تحقيق الشفافية والمساءلة.
- تسريع وتيرة المشاريع التي تحقق أهداف الاستدامة وكفاءة الإنتاج على المدى القريب
- تصميم وتقديم المنتجات والخبرات التي تحفز على تبني مسارات الاستدامة
ختامًا، علينا أن ندرك جيدًا، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في مساعدة الشركات على مكافحة آثار التغيرات المناخية، وذلك من خلال الجمع بين بيانات الطقس والمناخ والبيانات التشغيلية والموارد، بعدها سيصبح من الأسهل إدارة مخاطر المناخ التي تؤثر على العمليات التجارية، وستكون الشركات في وضع أفضل لتعزيز أهداف ESG. فعلى سبيل المثال، ستسمح البيانات المتسقة الخاصة بالطقس والمناخ التي تم تحليلها بواسطة الذكاء الاصطناعي للشركات بالبحث في قضايا محددة، بالإضافة إلى تسهيل عملية إعداد التقارير وتحديد المناطق أو المباني أو الأصول التي قد تساهم بكمية غير متناسبة من انبعاثات الكربون لإعطاء الأولوية للتحسين.
بقلم مروة عباس، المدير العام لشركة IBM مصر