ماذا لو فعلتها الصين ثانية !!

في يوم 27 مارس، 2023 | بتوقيت 10:46 م

كتب: بقلم / د. محمد مصطفى الخياط

ما زالت أمريكا تحاول بلع حصاة الاتفاق السعودي الإيراني، الذي أُعلن منذ نحو أسبوعين برعاية صينية. ثلاث سنوات من الاجتماعات والمفاوضات؛ دافئة حينًا وفاترة أحيانًا أخرى في مطابخ مباحثات لا يصدر عنها صوت ولا رائحة. أُحكم غلق نوافذها –هذا إن كان هناك نوافذ- وسُدت أبوابها، إلا من باب واحد يمر عبر بكين.

وفود تسافر تحت ستار حضور اجتماعات ومؤتمرات شتى، وخلف الكواليس تلتقي وفود الدول الثلاث لمراجعة المواقف، وكما اجتمعوا خرجوا؛ من أبواب متفرقة. على العكس من وعورة أرضية المفاوضات راحت الأجواء تصفو شيئًا فشيئا.

في الخلفية، وكعادته كان السيد جيمس بوند مشغولاً بتفاصيل الحبكة المخابراتية لسلسلة عمليات ومهام مستحيلة يتسلى فيها بحبس أنفاس المتفرجين. يتابعون المشاهد مشدوهين، شاخصةٌ أبصارهم، يحتلهم يقين راسخ من قدرة البطل الأسطوري المحاصر من الاتجاهات الأربعة على تنفيذ المهمة والعودة مكللاً بالغار. يُخرج في اللا زمن مسدسه سريع الطلقات مصوبًا من وضع الحركة طلقات النهاية. تدوي في الصالة صفارات الإعجاب وتلتهب أكف -الواقفين على أطراف أصابعهم- بالتصفيق الحار، بينما تعرض الشاشة الكبيرة بالتصوير البطيء خروج السيد جيمس متأبطًا حبيبته الحسناء ومن خلفهما تتداعى الانفجارات.

عذرًا سيد بوند، صفارات حفلة اليوم وهتافاتها من حق السيد صن تزو ذو الملامح الهادئة، والوجه المحايد. يجلس أمام أوراقه المنشورة، ومحبرته الأنيقة، مرتديًا زيه التقليدي الواسع الأكمام، عاقصًا شعره الحالك السواد من الخلف. يفكر كثيرًا ويتحرك قليلاً، حتى لتظنه يحاكي بوذا في جلسته الشهيرة ووجهه الطفولي وقلبه الكبير.

يمد السيد صن ذراعه لمداه متناولاً فنجان الشاي الأخضر المعتق ويرشف رشفة يُصفي فيها رحيق أفكاره، ثم يدون بضعة سطور في كتابه الجديد (فن الحرب)؛ (عِلْمَكَ بعدوك يعرفك كيف تدافع، وعلمك بنفسك يعرفك كيف تهاجم، الهجوم هو سر الدفاع، والدفاع هو التخطيط للهجوم)، ثم يضع قلمه ويغرق في تفكير عميق يعود منه بعد حين ويكتب (اجعل خططك غامضة كالليل، وعندما تتحرك انطلق كالعاصفة).

إلى جانب العتاد الشخصي، زودت وزارة الدفاع الأمريكية حشود جنودها المشاركين في حرب الخليج الأولي (1990- 1991) بنسخة من كتاب (فن الحرب) للاستفادة من أفكاره.

سياسيًا، يُدرك (الكاوبوي) الأمريكي أن المنافسة مع أوروبا العجوز باتت تحت السيطرة. تنهش نار الحرب الروسية الأوكرانية ثوب السيدة أوروبا. لا تنقطع أرتال العتاد العسكري المتجه إلى كييف من باريس وبرلين ولندن وباقي العواصم. يتسع نزيف ميزانيات أوروبا بعد ما أحنى ظهورها تباطؤ الاقتصاد العالمي والتضخم.

بالكاد مر الشتاء ضمن اجراءات ترشيد طاقة شديدة التقشف والصرامة، نَبَضت فيها قلوب مفاعلات فرنسا النووية إلى أقصاها، وخفضت ألمانيا اعتمادها على الغاز الطبيعي مع جرعات زائدة من الفحم، وعلى البيئة السلام.

تُقلق تحركات التنين الصيني الرجل الجالس على صهوة جواده في البراري الأمريكية، منذ أيام قليلة أطلقت الصين عدة تغريدات دعت فيها روسيا وأوكرانيا للتهدئة والجلوس على طاولة المفاوضات.

استنفر السيد جيمس بوند حواسه وراح يراجع دفاتر البصاصين التابعين والموالين، وفَتَشَ كل الرسائل العالقة في صفحات التواصل الاجتماعي التقليدية منها والحديثة، مُتحسبًا سماع دوي انفجار مفاجأة جديدة يُعلن معها وفاة السياسة الخارجية إكلينيكيًا.

أفقدت مفاجأة الاتفاق السعودي الإيراني شيئًا من هيبة السيد بوند وثِقَلهِ السياسي، توقيع اتفاق آخر يضعه على الهامش. تتوالى تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي من خطة السلام الصينية، تتناقل وسائل الإعلام صور الرئيس الصيني مع نظيره الروسي في موسكو، ليظل السؤال مفتوحًا؛ ماذا لو فعلتها الصين مرة أخرى؟.

د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]