الإيكوفيليا..الحب الغائب

في يوم 27 مارس، 2023 | بتوقيت 2:56 م

كتبت: بقلم /ا.د ريهام رفعت

حقيقة مذهلة توصل اليها علماء التربية والبيئة عند دراسة علاقة الأطفال بالعالم الطبيعي لرفع شعارات “يجب علينا كمربيين مساعدة الأطفال على تعلم حُب الأرض قبل أن نطلب منهم إنقاذ الأرض”، حيث شهد الجزء الأخير من القرن العشرين معدل تحضر سريع، وبعد أن أمضى الأطفال الكثير من طفولتهم في الهواء الطلق متواصلين مع الطبيعة بشكل منتظم في محاولة منهم  لاستكشاف المزارع و المناطق البرية القريبة من منازلهم تقلص فرص وصول الأطفال إلى العالم الطبيعي تدريجيا، وبدأوا  ينفصلون بشكل متزايد عن الطبيعة، وعلى صعيد آخر أشار العلماء  أن استخدام تكتيكات التخويف كوسيلة لتعليم الأطفال الصغار احترام الطبيعة والحفاظ غير ملائم لتربية سليمة قائمة على رسائل الترغيب وليس التخويف، فإذا أمل الكبار أن يروا الأطفال أكثر حماية للبيئة فالأطفال هم الأفضل في تحقيق ذلك إذا ساعدهم الكبار على حُب العالم الطبيعي المحيط بهم قبل أن يُطلب منهم شفاء جراحه.

إن خبرات الأطفال في البيئة الطبيعية تختلف عن خبرات الكبار، فالكبار عادة ما يرون الطبيعة كخلفية لما يقومون به من أفعال  كخبرات بصرية وجمالية، في حين يواجه الأطفال الطبيعة بشكل كلي كمحفز ومكون تجريبي لأنشطتهم وليس كخلفية للأحداث، إنهم يبحثون عن علاقتهم بالطبيعة، وما الذي يتيح لهم القيام به حفاظا على الطبيعة، فالأطفال يحكمون على الطبيعة ليس من خلال جمالياتها، ولكن عن طريقة تفاعلاتهم وتجاربهم الحسية، كما أن لديهم ميل فطري وراثي إلى استكشاف الروابط مع العالم الطبيعي المعروف باسم الإيكوفيليا ، “حب الطبيعة” وقد تم ملاحظة أدلة على أن حب الطبيعة  ينمو لدى الأطفال منذ المراحل المبكرة من العمر بما يعُرف بميل الأطفال السيكولوجي للطبيعة ، لذا فاستخدام حب الطبيعة  يجب أن يعطى الفرص المناسبة لتنمية التعرف على العالم الطبيعي على أساس المبادئ السليمة لتنمية الطفل والتعلم ، كما أن الاتصال المنتظم للأطفال واللعب في العالم الطبيعي لا يساعدهم فقط على حب الطبيعة ولكن ينمي القيم والأخلاق البيئية.   

وفي مقاله  تحت عنوان تفاعل الأطفال مع الطبيعة وأهميتها في نمو الأطفال ومستقبل الأرض، أشار راندي وايت إلى أسباب غياب الطبيعة عند الأطفال منها ” ثقافة الخوف” والتي تجعل الآباء يخشون على سلامة أطفالهم، فلم يعد الكثير من الأطفال يمتلك الحرية في التجول في أحيائهم ما لم يرافقهم الكبار، وأن حياة الأطفال أصبحت مهيكلة ومحددة من قبل البالغين، وأن اتصال الأطفال المباشر بالطبيعة هو تجربة زائدة لمرحلة الطفولة لا أكثر ولا أقل من هذا ؛ حيث ولت ثقافة الطفولة التي لعبت فيها الطبيعة واللعب في الهواء الطلق دور حيوي  وانتقلت حياة الأطفال اليومية إلى منازلهم مع عالم الهواتف الخلوية والألعاب الرقمية.

نحن نحتاج إلى إعادة النظر في علاقة الانسان بالطبيعة منذ الطفولة نحتاج إلى غرس الحب الغائب في حياة أطفالنا وإذا لم يتم تطوير هذا الحب خلال سنواتهم الأولى فقد يتشكل لديهم رهاب حيوي “البيوفوبيا” وقد يتطور هذا الرهاب  إلى كره الطبيعة والانزعاج والخوف منها والانفصال عنها.

أ.د/ ريهام رفعت محمد
وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية للدراسات العليا والبحوث وأستاذ التربية البيئية بقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي
    
[email protected]