“الدراسات البينية” كلمة السر نحو تلبية إحتياجات سوق العمل .. و تحقيق معادلة التنمية الناجحة

في يوم 7 يناير، 2023 | بتوقيت 12:35 م

كتبت: شيرين سامى

شهدت الفترة الأخيرة تطور علمى متسارع فى ميادين العلم و المعرفة و البحث العلمى ، و فى ظل هذا التقدم إتجه العالم لإيجاد روابط تحقق الاستفادة التكاملية بين العلوم المختلفة ، و من هنا توجهت المؤسسات التعليمية إلى إدراج الدراسات البينية فى البرامج الجامعية و الدراسات العليا ،  لتلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل.

كما ان التوجه للدراسات البينية جاء للتأكيد على دور العلوم  الإنسانية والاجتماعية والمعيارية في إثراء سائر مجالات المعرفة والبحث العلمي، مما جعل الدراسات البينية مطلب عالمي للجامعات والمراكز البحثية، و ذلك لسببين ، الأول : تلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل، و الثانى : لفائدتها العظيمة للدارسين الباحثين فى تكوين عقلية علمية أكثر شمولية وتكاملية.

و فى ظل أهمية تطوير مناهج علمية جديدة و إبتكار تقنيات حديثة ، بغرض الابتعاد عن الأنماط التقليدية للمعرفة الكلاسيكية، وخلق التكامل بينها، والوصول إلى نتائج جديدة لتحقيق التنمية المستدامة ، اتجهت الدولة متمثلة فى وزارة التعليم العالى إلى العمل على تغيير المناهج وإعادة ترتيب كل المقررات وإضافة التخصصات والبرامج المعنية بتخصصات المستقبل، و هذا ما أكده الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي، حيث أعلن عناصر الخطة التنفيذية للوزارة لعام 2023، وتشمل الخطة بدء تنفيذ مخرجات استراتيجية تطوير التعليم العالي والبحث العلمي، والتي ترتكز محاورها على التخصصات البينية، والتكامل بين التخصصات العلمية، والمشاركة الفاعلة، والمرجعية الدولية، والاستدامة، والابتكار.
وأشار الوزير، إلى اهتمام الوزارة بالاستثمار في التعليم العالي، والتوسع في البرامج الدراسية المتميزة بالجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والتكنولوجية؛ لتلبية احتياجات سوق العمل

فى ذات السياق ، سبق الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى السابق ، فى التأكيد على توجه الوزارة لاستحداث البرامج البينية التى تمكن الطالب من دراسة اكثر من تخصص فى وقت واحد، ومن ثم تتيح له تعددية فرص العمل.
كما أكد الوزير السابق ، أن ذلك القرار سيتم العمل به فى الجامعات الحكومية بالتوازى مع التوسع فى الجامعات الأهلية الجديدة والتى تضم برامج دراسية غير نمطية مبنية على دراسات احتياجات التوظيف المستقبلية، وذلك كأحد الحلول السريعة، خاصة أن حداثة تلك الجامعات ومرونة تشريعاتها وقوانينها تمنحها سرعة التواكب مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل.

و فى ذات السياق ، أعلنت لجنة مكونة من ممثلين عن المجلس الأعلى للجامعات تضم رؤساء بعض الجامعات ، فى شهر اكتوبر الماضى ، عن إعداد مقترح يضم عدة توصيات بشأن إنشاء تلك البرامج الدراسية الجديدة المختصة بالدراسات البينية .
و يأتى على رأس توصيات اللجنة ما يلى :
١- ضرورة تأسيس كيان تابع للمجلس الأعلى للجامعات، يعنى بتلك البرامج ويحدد تبعيتها للتخصصات المختلفة، تمهيدا لإنشاء لجان بينية على مستوى لجان القطاعات العلمية المختلفة.

٢ – ضرورة تعديل قانون تنظيم الجامعات، وبعض اللوائح والدرجات العلمية، لتقنين وضع البرامج البينية ومعادلة الدرجة العلمية والشهادة التى يحصل عليها الطالب، وتنظيم تعيين المعيدين من خريجى تلك البرامج، إضافة إلى تغيير لوائح الكليات لتسمح بإنشاء برامج بينية بين التخصصات المختلفة وبعضها البعض.

٣- إتخاذ خطوات لتشجيع أعضاء التدريس للتقدم للترقيات فى العلوم البينية والعلوم الجديدة .

٤- أهمية عمل إطار مرجعى للبرامج البينية يوضح مواصفات الخريج والمهارات والمعارف المكتسبة ومتطلبات الالتحاق.

٥-  ضرورة التوسع فى تدريب الكوادر البشرية بالجامعات على مهارات إعداد البرامج البينية مع تأكيد أهمية توجيه نسبة اوعدد معين من البعثات الخاصة بوزارة التعليم العالى لطلاب وباحثى البرامج الدراسية البينية.

٦- ضرورة عمل نظام إدارة حديث، يتيح إدارة تلك البرامج بكفاءة، والاستعانة أيضا بهياكل بينية من الإداريين والأكاديميين، ولاتتم إدارة تلك البرامج عن طريق الأقسام العلمية التقليدية والاستفادة من التجارب الدولية فى هذا الشأن.

٧-  عمل دراسات باحتياجات سوق العمل ومتطلباته فيما يخص البرامج البينية المقترحة ووضع ضوابط لاقتصاديات تلك البرامج وإنشاء برامج للتدريب على التدريس البينى.

وأكدت اللجنة ، أن نجاح ذلك المشروع مرهون بذوبان التخصصات التقليدية وميلاد تخصصات جديدة لاتظهر فيها هوية أوسيطرة التخصصات التقليدية عليها.

كما أكدت لجنة الأعلى للجامعات، ضرورة مخاطبة النقابات المهنية، لفتح شعب جديدة، تتفق مع تلك التخصصات البينية، وإنشاء نقابات جديدة ذات طبيعة تتماشى مع ذلك النوع من الدراسات، وإجراء تعديلات تشريعية بقوانين النقابات لقبول خريجى البرامج البينية.

وتسمح البرامج البينية بالدمج بين أكثر من تخصصين علميين، على سبيل المثال الدمج بين علوم القطاعات الصحية والهندسية وعلوم الإعلام والاقتصاد والقانون وغير ذلك.

– و سنجيب هنا عن التساؤل المطروح .. لماذا البرامج البينية؟

• لأنها تتفوق على البرامج المتخصصة
• لأنها تعزز القوة العلمية والتميز في الأنشطة الأكاديمية
• لأن البرامج البينية تعمل على سد الثغرات التي خلفتها البرامج القائمة على التخصص
• لتعزيز المرونة في النظم التربوية والأوساط العلمية البحثية
• لأنها تسهم فى حل مشكلات العالم الواقعي بطرق صديقة للبيئة
• لأن  عمليتا الابتكار والابداع تتطلب وجود معرفة علمية “متعددة التخصصات”
• لأن مفهوم تعددية التخصص يُزيل الحواجز الفاصلة بين المعرفة النظرية والواقع العملي وكذلك بين الجامعة والمجتمع
• لأنها تستجيب للاحتياجات العاجلة لسوق العمل
• لأنها تُعزز الاحساس بحداثة الموضوع بين اعضاء هيئة التدريس والطلاب

و من الجامعات المصرية التى لها السبق فى تقديم البرامج الدراسية البينية نجد أن ، كلية الدراسات العليا والبحوث البينية التابعة لجامعة حلوان هى أول كلية فى مصر والمنطقة العربية تقدم البرامج الدراسية فى التخصصات البينية ، و التى تستهدف الربط والدمج بين التخصصات العلمية المختلفة داخل جامعه حلوان وخارجها من أجل تقديم برامج دراسية فى تخصصات ذات طبيعة بينية، و ذلك للحاجة الملحة لمثل هذه البرامج استجابة لمتطلبات سوق العمل المحلى والعالمى حسي تصريحات رئيس جامعة حلوان ، و ذلك من أجل إعداد وتنمية كوادر بشرية ذات مهارات مميزة ومعرفة متكاملة لديها القدرة علي التعامل مع المشكلات المركبة .

كما تعد جامعة عين شمس من أولي الجامعات المصرية التي أولت اهتماماً كبيراً بالبرامج البينية وخطت في ذلك خطوات كبيرة، حيث قامت الجامعة بتحليل سوق العمل وتحديد وظائف المستقبل، و إقتراح 51 برنامجا بينيا يجمع بين أكثر من تخصص ، هذا بالإضافة إلى كلية الدراسات العليا و البحوث البيئية بجامعة عين شمس ، و التى أنشئت منذ 40 عام لتكون كلية متخصصة في الجانب البيئي ، وتضم حاليا 7 أقسام وهى قسم العلوم الإنسانية البيئية، وقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي، وقسم العلوم الاقتصادية والقانونية والإدارية البيئية، و العلوم الأساسية البيئية، و العلوم الطبية البيئية، و العلوم الهندسية البيئية، و العلوم الزراعية البيئية.

و قد أكد رئيس جامعة عين شمس ، الدكتور محمود المتينى ، فى كلمة سابقه له ، ضمن فعاليات اليوم الثاني للمُنتدى العالمي للتعليم العالي والبحث العلمي (GFHS) في نسخته الثانية، أن البرامج البينية ضرورة للمستقبل ، حيث أوضح أن أهمية هذه النوعية من البرامج تكمن في أنها تساعد في حل مشكلات واقعية من خلال تكامل أكثر من تخصص علمي، وتناسب احتياجات ومتطلبات سوق العمل الحالي، وتعمل على إزالة الحواجز بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي لها، كما تطور هذه البرامج مهارات التفكير البيني لدي الطلاب بحيث يكونون قادرين على تحليل رؤي من منظورات مختلفة وقادرين على الإبداع في مجالات متكاملة.

كما أوضح آيضا ، إختلاف البرامج البينية عن البرامج متعددة التخصصات، حيث ان البرنامج البيني يسمح بالتكامل بين أكثر من تخصص علمي واحد للوصول إلى برنامج له هوية مستقلة عن التخصصات المكونة له، ويعرض البرنامج مقررات تختلف بشكل كبير عن المقررات التي تقدمها التخصصات المشتركة فيه، أما البرامج متعددة التخصصات فهي برامج تعتمد على إضافة تخصص جديد إلى تخصص دراسي قائم وقد يكون التخصصان رئيسيان أو تخصص رئيس وتخصص فرعي، وتعتمد البرامج متعددة التخصصات على دراسة موضوعات من وجهات نظر مختلفة والمقررات المقدمة في هذه البرامج هي مزيج من المقررات التي تدرس في كل تخصص منهم على حدا.

و من خلال كل ما سبق ، و عرض رؤى المسئولين و المختصين ، أرى أن مصر تسير نحو تحقيق طفرة فى مجال التعليم و البحث العلمى المتسق مع إحتياجات سوق العمل ، و هو ما يتفق مع رؤية مصر 2030 فى تحقيق التنمية الشاملة و المستدامة ، حيث أن توافق التعليم وسوق العمل يحقق معادلة التنمية الناجحة.