الهيدروجين الأخضر في مصر والعالم

في يوم 10 مايو، 2021 | بتوقيت 2:52 م

كتب: بقلم / د.محمد اليمانى

إن مصر لديها رؤية وقدرة استباقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فهي منذ عام 2014، الذي شهد وجود أزمة في الطاقة، فكرت في إيجاد بدائل جديدة، وأصبح لديها فائضا بنسبة 25% بإجمالي 28 ألف ميجا وات، وهذا يعادل 15 ضعفا لقدرة السد العالي.
أن هذا التوجه، يأتي بسبب رؤية القائد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أراد لمصر أن يكون لها دور ريادي في مجال الطاقة في المنطقة، وأراد أن تكون مصدرا للطاقة لأوروبا ودول الجوار، وظهر هذا في كلمة سيادته في القمة العالمية لطاقة المستقبل في عام 2015، عندما أشار إلى أن الإستراتيجية المصرية ستجعل الدولة المصرية مصدرا ومحورا للطاقة في المنطقة.
الهيدروجين الأخضر عبارة عن وقود خال من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء، وتشهد عمليات الإنتاج فصل جزيئات الهيدروجين عن جزيئات الأكسجين في الماء، بواسطة الكهرباء التى يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة ( مثل محطات الرياح والمحطات الشمسية ).
أن الهدروجين الأخضر يعمل على فصل الهيدروجين عن الأكسجين، ومصر لديها فائضا من هذه الطاقة، ولديها حاليا حوالي 6300 ميجا وات من الطاقة المتجددة (شمسي ومائي ورياح) وهذه الطاقة ستعمل على إنتاج الهدروجين الأخضر من أجل استخدامه بشكل مثالي كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة، ليكون بديلا عن الوقود الأحفوري، الذي كان يتم استخراج الهيدروجين الرمادي منه .
ويلتزم الهيدروجين الأخضر بأهداف حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري، لكونه يعتمد إزالة الكربون وتقليص نسبته في الهواء.
ان مصر بصدد متابعة الثورة التكنولوجية الخاصة بالهدروجين الأخضر الصديق للبيئة وبدأت خطوات حثيثة من خلال الاستفادة من الخبرات الأوروبية بنسبة تبدأ من 100 ميجا وات، لذا كان لقاء الرئيس السيسي مع الشركات البلجيكية في فبراير 2021 للوقوف على الأمر، كما وقعت مصر في يناير 2021 مع شركة سيمنس الألمانية من أجل انتاج واستخدام وتصدير الهيدروجين الأخضر .
وقد أكد معالي الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، بأن الوزارة تستهدف الاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح فى تحليل المياه لتوليد غاز الهيدروجين الأخضر ، و أنه حاليا تعمل لجنة وزارية على المستوى الوطني لدراسة الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة في المستقبل القريب في مصر والبحث في جميع البدائل الممكنة لتوليد واستخدام الهيدروجين مع الأخذ في الاعتبار التجارب الدولية في هذا المجال ويجري حاليا تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمل الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة.
يتم انتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية. وكان التحليل الكهربائي يتطلب، في المعتاد، استهلاك قدر كبيرٍ من الطاقة الكهربية، إلى الحدِّ الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة. أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيُّرًا ايجابيا يُعزى إلى سببين اثنين: أولهما تَوافُر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضًا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم “تخزين” الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادةٍ في كفاءتها.

ومع أن إنتاج الهيدروجين الأخضر ما زال يخطو خطواته الأولى، تضخ دولٌ عدةٌ استثماراتها في هذه التكنولوجيا، لا سيّما تلك الدول التي تتوافر لديها مصادر طاقة متجددة قليلة التكلفة. ومن هذه الدول أستراليا، التي تسعى إلى تصدير الهيدروجين المزمع إنتاجه عبر استغلال ما يتوافر لديها من طاقة شمسية وطاقة الرياح، في حين تخطط تشيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد، الغنية بالكهرباء المُوَلَّدة باستخدام الطاقة الشمسية. وأما الصين فتعتزم إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030.
وثمة مشروعات مماثلة يجري العمل عليها في كلٍّ من كوريا الجنوبية، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُبذل جهود حثيثة في ولاية كاليفورنيا من أجل استبعاد الحافلات التي تُدار بالوقود الأحفوري بحلول عام 2040. ومن جهتها، نشرت المفوضية الأوروبية مؤخرًا خطة إنتاج الهيدروجين لعام 2030، التي تدعو فيها إلى زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين لتصل إلى 500 جيجاوات بحلول عام 2050 (علمًا بأن القدرات الحالية لا تزيد على 0.1 جيجاوات). وهذا ما دفع مؤسسة الخدمات المالية العالمية “غولدمان ساكس” في أوائل العام الجاري، إلى التنبؤ بأن قيمة الاستثمارات السوقية في إنتاج الهيدروجين الأخضر سوف تبلغ 12 تريليون دولار بحلول عام 2050.
وتشهد العديد من الدول تنفيذ مشروعات توليد الهيدروجين الأخضر ومنها المملكة العربية السعودية، إذ تعكف شركة “آير برودكَتس آند كيميكالز” الأمريكية وشركة “أكوا باور” على إنشاء وحدة صناعية في مشروع نيوم ، تعتبر الأكبر من نوعها على الصعيد العالمي حتى الآن ، وذلك باستثمارات 5 مليارات دولار لإنشاء مشروع لإنتاج الهيدروجين .. خطوة جديدة لمشروع “نيوم” السعودي الأكثر طموحاً دوليا،
وتعتزم أرامكو؛ عملاق النفط السعودي، إنشاء أول محطة هيدروجين لتعبئة مركبات خلايا الوقود الهيدروجيني، في السعودية، كما أرسلت السعودية في سبتمبر الماضي، أول شحنة في العالم من الهيدروجين الأزرق، الذي تم تحويله إلى أمونيا، إلى اليابان، وأطلقت دولة الإمارات العام الماضي مشروعا تجريبيًا لأول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في دبي، بقدرة ميجاوات واحد، بالإضافة إلى توقيع المغرب وألمانيا في منتصف العام الماضي اتّفاقية لتطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنشاء مشاريع بحثية واستثمارية.
وتعتزم سلطنة عُمان أيضًا، إنشاء أول محطة هيدروجين أخضر، في منطقة الدقم على الساحل الشرقي للبلاد، في إطار خطةٍ لتنويع مصادر الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون وتأمين حاجة البلاد من الهيدروجين ومشتقاته؛ مثل الميثانول والأمونيا، وتصدير الفائض.
وفي أوروبا، خصص الاتحاد الأوروبي ميزانية لإنتاج هذا الوقود الواعد ونقله وتخزينه ضمن جهود إزالة وتقليص نسبة الكربون في الهواء.
كما افتتحت اليابان قرب مدينة فوكوشيما وحدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بغرض تشغيل خلايا الوقود الهيدروجيني الموجودة في المركبات أو في أي أماكن ثابتة
أكدت شركة «شل» الهولندية مثلًا في شهر مايو أنها انضمت إلى شركة الطاقة إنيكو للحصول على أحدث مناقصة للرياح البحرية الهولندية حتى تتمكن من إنشاء مجموعة هيدروجينية قياسية في هولندا. وكشفت شركة «لايتسورس» لتطوير الطاقة الشمسية التابعة لشركة «بريتيش بتروليوم» أنها تدرس تطوير محطة أسترالية للهيدروجين الأخضر تعمل بطاقة 1.5 غيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
هناك مستقبَل للهيدروجين الأخضر في قطاعات التصنيع والشحن ؛ إذ تشير مجموعة “إنيرجي ترانزيشنز كوميشن” وهي ائتلاف يضمُّ عددًا من شركات الطاقة – إلى أن الهيدروجين الأخضر يُعَد واحدةً من أربع تقنيات ضرورية لتحقيق هدف “اتفاق باريس للمناخ”، المتمثل في تقليل ما يزيد على 10 مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًّا في القطاعات الصناعية التي تشكل التحدي الأكبر في هذا المضمار، مثل قطاعات التعدين، والتشييد والبناء، والصناعات الكيماوية.
يتم استخدام غالبية الهيدروجين اليوم في الصناعة ، بما في ذلك تكرير النفط وإنتاج الأمونيا والميثانول والصلب. لكن التطورات الحديثة في تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر تجعلها أكثر جاذبية لعدد من الصناعات المختلفة ، وفي النقل ، حيث يمكن أن يعمل وقود الهيدروجين كبديل مباشر للغاز والديزل في المركبات .
توقع الخبراء بمستقبل واعد للهيدروجين الأخضر ودخوله في صناعات عدة؛ منها الصلب والإسمنت والآليات الثقيلة، وإن استطعنا تخزينها سنوفر طاقة احتياطية للشبكات الكهربائية. ويتوقع الخبراء تلبية الهيدروجين لربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول العام 2050 بحجم مبيعات يتراوح بين 200 و700 مليار دولار، أي نحو نصف قيمة سوق النفط الحالية. وعندئذ يمكن أن يمثل الهيدروجين النظيف ما يقدر بنحو 22٪ من احتياجاتنا من الطاقة .
يتجه العالم نحو ثورة جديدة في عالم الطاقة، فبعد سنوات من استحواذ الوقود الأحفوري على الطاقة، إلا أن البطل القادم هو الهيدروجين الأخضر .

د. محمد اليماني
[email protected]