أبرز التوجهات المتعلقة بمراكز البيانات في عام 2023 – تحقيق التوازن بين التحول الرقمي والاستدامة
في يوم 20 ديسمبر، 2022 | بتوقيت 2:19 م
كتبت: نجوى طه
مع كشف المزيد من الدول عن رؤاها المستقبلية المتعلقة بالاستدامة، وفي ضوء استضافة مؤتمر أطراف المناخ بنسخته الـ28 المزعم انعقاده في دبي في نوفمبر من عام 2023. أصبح التركيز بشكل متزايد على مبادرات الاستدامة أمراً ذو أهمية. فالسنوات القليلة الماضية كانت من أكثر السنوات المقلقة على صعيد صناعة مراكز البيانات. لا يمكن للمنظمات أن تتنبأ بمدى شدة تأثير الاضطراب المستمر على المشهد الجيوسياسي ناهيك عن أننا نواجه أزمة طاقة حادة. لذلك، هناك دافع أكبر لتحقيق التوازن بين النمو في الرقمنة مع التبني المستمر لأحدث ممارسات الاستدامة.
في حين شهدت المنطقة اعتماداً متزايد على مراكز البيانات في السنوات الماضية، حيث تشير التقديرات بأن سوق مراكز البيانات في دول مجلس التعاون الخليجي حالياً يبلغ أكثر من 1.3 مليون دولار أمريكي – مع وجود مراكز بيانات رئيسية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. والتي تركز بشكل أكبر على أهمية معالجة قضايا الطاقة، فضلاً عن تسليط الضوء على التحديات الجديدة. ومع ذلك، فالأمر ليس كله سيئاً وكئيباً فالرقمنة المستمرة تمثل فرصاً جديدة و واعدة لهذا القطاع.
فيما يلي بعض التطورات التي يمكن أن نتوقع رؤيتها في قطاع مراكز البيانات خلال عام 2023 وما بعده.
حالة عدم الاستقرار والأزمات المرافقة لقطاع الطاقة
لطالما كان الجدال الدائر حول استراتيجية توليد الطاقة المتجددة يتمحور حول الاستدامة والبيئة، فإننا نحتاج اليوم إلى مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة جنباً إلى جنب لمصادر الطاقة التقليدية مع مراعاة المخاوف المتزايدة فيما يتعلق بأمن الطاقة و الأسعار. نحن نرى بأن المبادرات القائمة على الاستدامة تساعد مشغلي الشبكات في توفير المزيد من وحدات الطاقة غير المنقطعة في حال كانت مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الريحية والشمسية إلى جانب المد والجزر غير كافية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في مراكز البيانات.
تهدف هذه الحاجة إلى تسريع المزيد من عمليات توليد الطاقة المتجددة بشكل فعال، والذي يشكل جرس إنذار للحكومات في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بأنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية فقط لتلبية احتياجات هذا القطاع.
تعطل سلاسل التوريد
أثرت جائحة “كوفيد-19” بشكل هائل على سلاسل التوريد العالمية عبر مختلف القطاعات والصناعات. ومع بدء انحسار الجائحة حول العالم و رفع القيود وتقليل الإجراءات الاحترازية المرافقة لها، أعطى العالم ككل والشركات بشكل خاص إحساساً زائفاً بالأمان وأنهم تجاوزا أصعب المراحل التي شهدتها البشرية جمعاء.
ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يتعرض المجتمع الدولي لضربة ثانية موجعة عبر أزمة جيوسياسية أثبتت أنها أشد تأثيراً من الجائحة على بعض سلاسل التوريد العالمية، لا سيما أشباه الموصلات والمعادن الأساسية الحيوية و الأساسية لبناء مراكز البيانات. وكون مراكز البيانات قطاع ذو نمو مرتفع، فإن صناعة مراكز البيانات حساسة للغاية وخصوصاً عندما يتعلق الأمر باضطرابات سلاسل التوريد، خاصةً في الوقت الذي تتطلع فيه هذه المراكز لإجراء توسعة بهدف استقطاب المزيد من البيانات.
لا يزال قطاع مراكز البيانات حول العالم يكافح للتغلب على المشاكل المصاحبة لسلاسل التوريد، أضف لذلك من أن طبيعة المشهد الجيوسياسي الحالي لن يتغير إلى حد كبير في المستقبل القريب.
معالجة التعقيدات المتزايدة المصاحبة للنمو الرقمي
وصلت متطلبات النمو الرقمي إلى مستوى غير مسبوق. فقد تم استكشاف كل السبل الممكنة لتلبية هذه الحاجة بطرق أبسط وأكثر فعالية من حيث التكلفة و في أقصر وقت ممكن.
ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا متناقضاً مع طبيعة العديد من البيئات شديدة التعقيد والحرجة للمهام. فمركز البيانات هو موطن لثروة من التقنيات المختلفة بدءاً من أنظمة التهوية والتكييف إلى الهندسة الميكانيكية والهيكلية وتكنولوجيا المعلومات وصولاً لأجهزة الكمبيوتر. هنا يكمن التحدي في محاولة تسريع مثل هذه الأنواع المعقدة للغاية والمترابطة من البيئات المختلفة بهدف الحفاظ على التوجهات الحالية لرقمنة العمليات.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يعتمد كل من مصممي ومشغلي وموردي مراكز البيانات على تصاميم أنظمة من شأنها تقليل هذا التعقيد مع احترام طبيعة المهام الحرجة لبيئة العمل. حيث يعد تصنيع أو تعديل مراكز البيانات من خلال تسليم الوحدات الجاهزة و المتكاملة والمُصممة مسبقاً إلى الموقع، إحدى الطرق لجعل تصميم وبناء مركز البيانات أقل تعقيداً مع ضمان وقت أسرع في التكاملية و الوصول للسوق.
تجاوز الإمكانيات التقليدية والبحث عن أخرى جديدة
حتى الآن، كانت لندن ودبلن وفرانكفورت وأمستردام وباريس هي مجموعات مراكز البيانات التقليدية، إما لأن مقر الشركات يقع في هذه المدن أو لأنها مجموعات اقتصادية طبيعية تتمتع بثروة من قطاعات الاتصالات و الملفات الشخصية المثالية للعملاء.
وبهدف توفير جودة الخدمة وكونها على مقربة من مراكز تواجد السكان والنشاط الاقتصادي، أصبح من الأفضل إنشاء مراكز بيانات في مدن أخرى للدول الاقتصادية الرئيسية وفي عواصم الدول الاقتصادية الأصغر. فالمنافسة بين مزودي مراكز البيانات قوية، لذا فإن العديد من مدن ودول أخرى توفر النمو للمشغلين الحاليين أو تنشأ موطئ قدم لمشغلين جدد. ولهذا السبب، سنرى نشاطاً متزايداً مصاحباً لمراكز البيانات في مدن مثل دبي و وارسو و فيينا و اسطنبول و نيروبي و لاغوس.
لكن هذا التوسع لا يخلو من التحديات المتعلقة بتوافر عدة عوامل منها الموقع المناسب و امدادات الطاقة و جودة الشبكة إلى جانب العمالة الهندسية والتي تخلق تعقيداً متزايداً على مجمل العمليات في المؤسسة. إلى جانب ذلك أيضاً، قد لا يكون لدى العديد من هذه البلدان الخبرة اللازمة أو العناصر البشرية المؤهلة التي تساعد في تصميم وإنشاء و حتى تشغيل مركز بيانات جديد.
مع استمرارية التوسع في أسواق جديدة، يحاول العديد من مشغلي مراكز البيانات تحقيق ميزة “المنتقل الأول” نحو البلدان الجديدة والتي نشاهد فيها حكومات هذه البلدان تستقبل المشغلين الجدد بأذرع مفتوحة وتقدم العديد من التسهيلات وتعمل على تذليل العقبات بهدف إنشاء مراكز البيانات لديهم.
في نهاية الأمر يمكنني القول بأن الشيء الوحيد الذي أثبتناه في عام 2022 بأننا لا نستطيع التأكد مما قد يحدث في قادم الأيام. فالأزمة الجيوسياسية الحالية تلقي بظلالها على قطاع مراكز البيانات والذي يواجه سلسلة من التحديات غير المسبوقة. على الرغم من ذلك فأننا نرى فرصاً واعدة في النمو، حيث تشير التوقعات إلى أن المزيد من المشغلين المتطلعين إلى المستقبل سيكون بمقدورهم الصمود في وجه العاصفة لمواجهة كل ما يخبئه المستقبل لهذه الصناعة.