الشيخ محمود جمال أبو حطب   :  ليلة القدر

في يوم 5 مايو، 2021 | بتوقيت 3:12 ص

كتب: العالم اليوم

 

أكد الشيخ محمود جمال أبو حطب الواعظ بالأزهر الشريف أن ليلة القدرِ ليلةٌ كثيرةُ الخيرِ، شريفةُ القدرِ، عميمةُ الفضلِ، متنوِّعةُ البركات، ولعظمها أنزل فيها القرآن العظيم؛ لما ثبت عن أبي هريرة(رضي الله عنه)، قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):”قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم”.(أخرجه النسائي).

ولشرفها: تتنزل الملائكة في هذه الليلة، والروح- أي: جبريل- ينزلون مع كثرة الرحمة، وكثرة البركات التي تنزل في تلك الليلة.

وليلة القدر كلها سلام، وخير، وبركة، ليس فيها شر، حتى يطلع فجر اليوم الذي يليها.

ولقد ورد في فضل هذه الليلة أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو هريرة(رضي الله عنه)، عن النبي(صلى الله عليه وسلم)، قال:”من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”(أخرجه البخاري). فمن وفق لقيامها مع إيمانه، واحتسابه لهذا القيام غفر الله له ما تقدم من ذنبه. قال ابن بطال:”ومعنى قوله:”إيماناً واحتساباً” يعني: مُصدِّقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه”.

ومنها: أن العمل فيها ليس كالعمل في غيرها، بل أعظم أجراً وثواباً،”خير من ألف شهر”، وألف شهر تعادل ثلاثاً وثمانين سنة وثلث السنة، وهذا عمرٌ قلَّ من الناس من يبلغه، فكيف بمن يعبد الله فيه.

وأكد الشيخ محمود جمال أبو حطب  أنه قد اختلف العلماء في سبب تسميتها بليلة القدر على أقوال: القول الأول: لأن الله(تعالى) يقدّر فيها الأرزاق والآجال وما هو كائن. قال عبد الله بن عباس:”يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال، حتى الحُجّاج. يقال: يحج فلان، ويحج فلان”. القول الثاني: لأنها مأخوذة من عِظَم القدر والشرف، والشأن، كما تقول: فلانٌ له قدرٌ، وفلان ذو قدر عظيم، أي: ذو شرف. القول الثالث: لأنّ العمل فيها له قدرٌ عظيمٌ، وهذا لا يحصل إلا لهذه الليلة فقط، فلو أن الإنسان قام ليلة النصف من شعبان، أو ليلة النصف من رجب، أو ليلة النصف من أي شهر، أو في أي ليلة لم يحصل له هذا الأجر.القول الرابع: لأن الله(تعالى) قدّر فيها إنزال القرآن….

وليلة بهذا القدر حريٌ بنا أن نلتمسها. ويمكن التماسها في العشر الأواخر منه، وفي الأوتار خاصة، وقد أخفى الله(تعالى) علمها، حتى يجتهد الناس في طلبها، فيكثرون من الصلاة، والقيام والدعاء في ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها، وهي مثل الساعة المستجابة يوم الجمعة. يقول البغوي رحمه الله تعالى: وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعاً في إدراكها.

وقد كان النبي(صلى الله عليه وسلم) يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر من رمضان رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وكان يشد المئزر، وذلك كناية عن جده، واجتهاده(عليه الصلاة والسلام) في العبادة في تلك الليالي. فحري بكل مؤمن صادق يخاف عذاب ربه، ويخشى عقابه، ويهرب من نار تلظى، حري به أن يقوم هذه الليالي، ويعتكف فيها بقدر استطاعته، تأسياً بالنبي الكريم، نبي الرحمة والهدى(صلى الله عليه وسلم)، فما هي إلا ليال عشر، ثم ينقضي شهر الخير والبركة، ما هي إلا ليال معدودات، ويرتحل الضيف العزيز بكل فرح وشوق، وبكل لهفة وحب. فليحرص الجميع على أداء صلاتي التراويح، والتهجد؛ طمعاً في رحمته، وخوفاً من عذابه، والأعمال بالخواتيم، ولعل أحدنا أن يدرك ليلة القدر وهو قائم يصلي بين يدي ربه(سبحانه وتعالى)، فيغفر الله له ما تقدم من ذنبه.