التغيرات المناخية تُسَرٍع الإنقراض السادس
في يوم 4 نوفمبر، 2022 | بتوقيت 3:48 ص
كتب: العالم اليوم
تميزت الحياة فوق الأرض بظهور أشكال متنوعة من الكائنات الحية النباتية والحيوانية في البر والبحر، وفي قراءة لتاريخ الأرض نجد أن تجمعات الكائنات الحية تخضع دائما للانقراض الجماعي ويليه ظهور كائنات حية جديدة تخضع بدورها بعد فترة حياة للانقراض الجماعي.
وكان حدث الأكسجة الكبير الذي حدث قبل نحو 2.45 مليار عام أول حدث انقراض رئيسي، وهى الفترة الزمنية التى شهد فيها الغلاف الجوى للأرض ارتفاعا فى الأكسجين للمرة الأولى ، وهو أكسجين جزيئى مُصنع حيوياً بدأ فى التراكم بالغلاف الجوى للأرض مُغيراً إياه من غلاف جوى مُختزل ضعيف إلى غلاف جوى مؤكسد بواسطة البكتريا الزرقاء المُنتجة للأكسجين مما أدى إلى إنقراض العديد من الأنواع على سطح الأرض ، وهذا ما تقترحه الأدلة الجيولوجية وأدلة النظائر المشعة والأدلة الكيميائية ، وقد سمح هذا الحدث بتطور أشكال الحياة مُتعددة الخلايا بعد ذلك ، وتتوفر الأدلة الجيولوجية على حدث الأكسدة الكبير من خلال مجموعة متنوعة من الدلالات الصخرية والجيوكيميائية ، وبعد ذلك كان هناك خمس حالات انقراض جماعي رئيسية أخرى.
فقد حدد جاك سيبكوسكي وديفيد روب في ورقة هامة نُشرت في عام 1982 خمس عمليات انقراض جماعية وذلك بتطبيق اختبارات إحصائية أكثر صرامة على البيانات المتوفرة ، حيث ثبت أنّ الحياة الحيوانية مُتعددة الخلايا قد شهدت خمس حالات انقراض جماعية رئيسية تُمثل أكبر سلسلة متصلة من أحداث الانقراض ، وأرجع ذلك أساسًا إلى النيازك والانفجارات البركانية ، وكانت هذه الإنقراضات الخمس من الأقدم إلى الأحدث كالتالى:
1- أحداث الانقراض الأوردوفيشي – السيلوري (نهاية العصر الأوردوفيشي): حدث منذ ما بين 450 – 440 مليون سنة حيث تسبب ذلك في مقتل ما نسبته 27% من جميع العائلات و 57% من جميع الأجناس ومن 60% إلى 70% من جميع الأنواع وتم تصنيفهما معًا من قبل العديد من العلماء على أنهما ثاني أكبر أحداث الانقراض الخمسة الرئيسية في تاريخ الأرض من حيث نسبة الأجناس التي انقرضت.
2- الانقراض الديفوني المتأخر وحدث منذ 375 – 360 مليون سنة تقريبا ، حيث أدت سلسلة طويلة من الانقراضات في الجزء المتأخر من العصر الديفوني إلى القضاء على حوالي 19% من جميع العائلات و 50% من جميع الأجناس و 70% على الأقل من جميع الأنواع ، واستغرق حدث الانقراض هذا ربما ما يصل إلى 20 مليون سنة.
3- الانقراض البرمي – الثلاثي حدث منذ 252 مليون عام عند الانتقال من العصر البرمي إلى الثلاثي، ويعتبر أكبر انقراض حدث على الأرض حيث قتل 57% من جميع العائلات و 83% من جميع الأجناس وما بين 90% إلى 96% من جميع الأنواع و53% من العائلات البحرية، 84٪ من الأجناس البحرية، وحوالي 96٪ من جميع الأنواع البحرية ونسبة تصل لـ 70% من الأنواع البرية بما في ذلك الحشرات، وكان (للموت العظيم) أهمية تطورية هائلة على الأرض حيث أنهى أفضلية الزواحف التي تشبه الثدييات ، أما في البحار فقد انخفضت نسبة الحيوانات ذات الحركة الموضعية من 67% إلى 50% حيث كان العصر البرمي بأكمله وقتًا عصيبًا للحياة البحرية على الأقل حتى قبل حدث الموت العظيم.
4- الانقراض الترياسي – الجوراسي وحدث منذ 201.3 مليون عام في المرحلة الانتقالية بين العصر الترياسي والجوراسي حيث انقرض نحو 23% من جميع الأسر، و 48% من جميع الأجناس (20% من العائلات البحرية و 55% من الأجناس البحرية) ومن 70% إلى 75% من جميع الأنواع ، وانقرضت معظم الأركوصورات غير الديناصورية ومعظم الثيرابسيد ومعظم البرمائيات الكبيرة ، بينما استمرت ثنائيات الأقواس في السيطرة على البيئات البحرية فقط ، كما بقيت سلالات مقسومات الفقار من الكائنات البرمائية الكبيرة حتى العصر الطباشيري في استراليا .
5- انقراض العصر الطباشيري – الباليوجين وحدث منذ 66 مليون عام في فترة الانتقال الطباشيري – الباليوجين حيث انقرض نحو 17% من جميع العائلات، و 50% من جميع الأجناس و 75% من جميع الأنواع انقرضت واختفت في البحار جميع الأمونيت والعظائيات الزعنفية والموزاصوريات وانخفضت نسبة الحيوانات ذات الحركة الموضعية (غير القادرة على الحركة) إلى نحو 33% ، وانقرضت جميع الديناصورات من غير الطيور خلال ذلك الوقت ، وكان الحدث قاسيا مع وجود اختلاف كبير في معدل الانقراض بين الطبقات المختلفة ، وظهرت الثدييات والطيور التي انحدرت من الديناصورات وحشيات الأرجل كحيوانات برية كبيرة مهيمنة.
6- ليأتى الإنقراض السادس وهو انقراض الهولوسين وقد استنتج ذلك البحث الذي نشر في عام 1982 أن حدوث الانقراض الجماعي السادس مازال مستمراً ، وقد تكرر أكثر من 1000 مرة في معدل الانقراض منذ عام 1900 ، وهذا الانقراض الجماعي هو نتيجة لنشاط الإنسان ، ويؤكد تقييم التنوع البيولوجي العالمي لعام 2019 الذي صدر عن المقر الحكومي الدولي للعلوم وسياسات التنوع البيولوجي أن 25% من الأنواع النباتية والحيوانية مهددة بالانقراض ، حيث انخفض التنوع البيولوجي في العالم بشكل مثير للقلق خلال نصف قرن .
فقد ذكرت الكاتبة الأميركية إليزابيث كولبرت الحائزة على جائزة «البوليتزر» عن الكتابة غير الأدبية فى كتابها المنشور فى 2015 (The Sixth Extinction) ملخص جيد للوضع الحالي للتنوع البيولوجى الطبيعي على كوكب الأرض من أن النشاط البشري ، واستهلاك الوقود الأحفوري ، وتحمض المحيطات ، والتلوث ، وإزالة الغابات ، والهجرات القسرية كلها عوامل تُهدد الحياة بجميع أنواعها ؛ وتشير التقديرات إلى أن ثلث الشعاب المرجانية ورخويات المياه العذبة وأسماك القرش والشفنين – ربع الثدييات ، وخمس الزواحف ، وسدس الطيور كلها تتجه نحو الانقراض ، وبعد هذا المنشور بدأ المجتمع العلمي بمناقشة ودراسة الانقراض السادس .
ففى دراسة أجرتها جامعة كونيتيكت بالولايات المتحدة الأمريكية والمنشورة في مجلة Science تشير إلى أن تغير المناخ في حد ذاته سيؤدي إلى اختفاء ما يقرب من 8 % من الأنواع الحالية وأكثر من 25000 نوع ، أى ما يقرب من ثلث الأنواع المعروفة معرضة لخطر الانقراض ، كما أن الانقراض السادس له علاقة بالبشر .
وأيضاً فى دراسة نُشرت في مجلة Science Advances قادها خبراء في جامعة ستانفورد وجامعة برينستون وجامعة كاليفورنيا انتهت إلى أن الكوكب لم يفقد الأنواع بهذه السرعة منذ انتهاء عصر الديناصورات قبل 66 مليون عام ، حيث تختفي الحيوانات أسرع بنحو 100 مرة مما كانت عليه من قبل ، وأن البشر من المحتمل أن يكونوا من بين الضحايا الأوائل لانقراض الإنقراض القادم ، وقال المؤلف المشارك وأستاذ علم الأحياء في جامعة ستانفورد بول إيرليش إن الدراسة تُظهر دون أدنى شك أننا ندخل الآن حدث الانقراض الجماعي السادس العظيم ، كما قال كبير المؤلفين جيراردو سيبالوس من جامعة المكسيك المستقلة “إذا سُمح له بالاستمرار فستستغرق الحياة عدة ملايين من السنين للتعافي ومن المرجح أن يختفي جنسنا البشري في وقت مبكر” ، حيث تمت مقارنة المعدل الحديث لفقدان الأنواع بـ “المعدلات الطبيعية لاختفاء الأنواع قبل سيطرة النشاط البشري ، لتستخلص الدراسة أنه إذا كان المعدل السابق هو انقراض اثنين من الثدييات لكل 10000 نوع لكل 100 عام ، فإن “متوسط معدل فقدان أنواع الفقاريات على مدى القرن الماضي يصل إلى 114 ضعفًا عما سيكون عليه بدون نشاط بشري ، حتى عند الاعتماد على أكثر التقديرات تحفُظًا لانقراض الأنواع .
وتُعد القائمة الحمراء التى يُصدرها الاتحاد الدولى للحفاظ على الطبيعة (IUCN) مؤشراً حاسماً على صحة التنوع البيولوجي في العالم ، حيث ضمت الأنواع المُهددة بالإنقراض فى طبعتها لعام 2017 ، لعدد 87967 نوعًا منها 25062 نوعًا معرضة لخطر الانقراض ، وعلى سبيل المثال لا الحصر يؤدي ارتفاع درجة الحرارة وتحمُض مياه المحيطات إلى تحويل الشعاب المرجانية – التي كانت في السابق مروجًا خصبة تحت الماء مليئة بالطحالب والأسماك والرخويات والقشريات – إلى صحارى بيضاء ، وتضم القائمة الآن أكثر من 41000 نوعاً معرضة لخطر الإنقراض منها 41% من البرمائيات ، 27% من الثدييات ، 34% من الصنوبريات ، 13% من الطيور ، 37% من أسماك القرش والراى ، 33% من الشعاب المرجانية ، 28% من القشريات ، 21% من الزواحف بالإضافة إلى 69% من السيكاسيك . وبنفس الطريقة التي يقيس بها البارومتر أو مقياس الضغط الجوي الضغط الجوي وتستخدمه مراكز الأرصاد الجوية لمساعدتنا على الاستعداد لظروف الطقس المُعاكسة ، تقيس القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الضغوط التي تؤثر على الأنواع ، والتي توجه وتعلم إجراءات الحفظ للمُساعدة في منع الانقراض، وهذا هو السبب في أن القائمة الحمراء للـ IUCN يُشار إليها غالبًا بمقياس الحياة .
وفى رأيى أنه لا يزال هناك وقت لتجنب أكثر العواقب المأساوية للانقراض الجماعي السادس ، لأن هذا الانقراض سببه نحن ، ونحن بحاجة إلى كبح النمو السكاني والتفاوتات الاجتماعية وزيادة كفاءة الموارد الطبيعية ، وأيضاً نحن بحاجة إلى الحد من فقدان الموائل ، والصيد الجائر والتلوث والعوامل الأخرى التي تسبب الانقراض الحالي ، ونحن النوع الوحيد الذي لديه القدرة على إنقاذ جميع الحيوانات المُهددة بالانقراض ، ومن المفارقات أن إنقاذهم هو السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية .