الشيخ عماد محمد مجاهد  :  كن عبدًا ربانيًّا ولا تكن عبدًا رمضانيًّا

في يوم 28 أبريل، 2021 | بتوقيت 4:23 ص

كتب: العالم اليوم

 

أكد الشيخ عماد محمد مجاهد باحث دكتوراه بكلية دار العلوم – قسم الشريعة الإسلامية إمام وخطيب ومدرس – بوزارة الأوقاف المصرية إن من فضل الله – عز وجل – على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، ومواسم للخيرات، تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، وتغفر فيها السيئات، ومن أعظم هذه المواسم شرفًا وأرفعها قدرًا وأكثرها فضلاً شهر رمضان، شهر النفحات والرحمات شهر الخيرات والبركات.

واضاف انه لا شكَّ أن أشرف المنازل وأفضلها أن يَمُنّ الله على العبد فيرفعه إلى درجات الصالحين، والعباد الربانين، فيهديه لأقوم سبيل، وأفضل الأعمال، وأحسن الأخلاق، ويحفظ عليه دينه وإيمانه في حياته من الشبهات والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإسلام فأي نعمة أعظم من هذه، وأي سعادة أعظم من هذه السعادة.

وها هو شهر رمضان قد أقبل علينا بخيراته وبركاته العظيمة، شهر تغفر فيه الخطايا والذنوب، شهر يزاد فيه رزق المؤمن، فهو شهر الطاعات والمواسم والخيرات، فبعض الناس يستقبلون هذا الشهر الكريم بالاستعداد المادي قبل الاستعداد الروحي، فيألفون العادة قبل العبادة وكأنهم لا يعرفون ربهم إلا في مواسم الطاعات فقط فإذا ما انقضى الشهر الكريم لا يُرَى عليه أثر الصيام لا في حياته ولا حتى في معاملاته أو حتى في ظاهره وباطنه وكأنه ألف العادة ونسي العبادة فهذا هو العبد الرمضاني .

أما العبد الرباني هو الذي يجعل شعاره دائمًا ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) ، وأمام الشعار إشعار ( اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )

فمن صفات العبد الرباني التي ذكرها ابن القيم في كتابه (طريق الهجرتين وباب السعادتين): ” أنه منفرد في طريق طلبه لا تقيده الرسوم، ولا تملكه العوائد، ولا يفرح بموجود، ولا يحزن على مفقود، من جالسه قرت عينه به، ومن رآه ذكرته رؤيته بالله، قد حمل كله ومؤنته عن الناس، واحتمل أذاهم وكف أذاه عنهم، وبذل لهم نصيحته، وسبل لهم عرضه ونفسه، لا لمعاوضة، ولا لذلة، ولا لعجز”.

فالعبد الرباني يحتمل أذى الخلق، ويكف أذاه عنهم، ويبذل لهم النصيحة وصفته الصدق، والعفة، والإيثار، والتواضع، والحلم، والوقار، والاحتمال، لا يعاتب، ولا يخاصم، ولا يطالب، ولا يرى له على أحد حق ولا فضل، يسامح كل الناس دومًا، فترك العتاب من أخلاق المؤمنين.

وهو مع ذلك مقبل على شأنه لا يشتغل بما لا يعنيه، مكرم لإخوانه، حافظ للسانه لا يتكلم كثيرًا، مسافر في ليلته ونهاره ويقظته ومنامه، لا يضع عصى السير عن عاتقه حتى يصل إلى مطلبه، رفع له علم الحب فشمر إليه وناداه داعي الاشتياق، فأقبل بكليته عليه، أجاب داعي المحبة إذ ناداه حي على الفلاح، وواصل الثرى في بيداء الطلب، فحمد عند الوصول ثراه وإنما يحمد القوم الثرى عند الصباح، لا يستغني بالدنيا تكثرًا، ولا يستكثر منها تملكًا، وإن كان مالكًا لها بهذا الشرط لن تضره، بل هو فقير غناه في فقره، وغني فقره في غناه، فلا يفعل شيئاً إلا في مرضاة ربه، من دعوة إلى الله، وتعليم لعباده، أو نفع وخدمة للمسلمين، أو اشتغال بنوافل العبادات، وإن كان من الأفعال الطبيعية قلبه عبادة بالنية، وقَصَدَ الاستعانة به على مرضاة ربه، فتكون عاداته عبادات.

ويقدم في كل وقت ما نفعه أعم على غيره، فيقدم الدعوة والتعليم على النوافل، ويؤخر العمل الانفرادي من أجل العمل الاجتماعي كما قال سبحانه وتعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].

ولذا تتجلّى آثار فريضة الصيام في سلوك المسلم في العديد من الأمور  منها:

– زيادة التقوى في القلوب، وتجديد الإيمان فيها فللصيام أثرٌ واضحٌ في وقاية المسلم من الوقوع في الشهوات، أو اقتراف الذنوب والمعاصي؛ إذ يمتنع العبد من الوقوع فيما يُغضب الله تعالى ويُلزم الطاعات، والأعمال الصالحة؛ ولذلك كان الأجر المُترتّب على الصيام مختلفاً عن الأُجور المُترتّبة على باقي الأعمال، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به ) .

– استشعار مراقبة الله في السرّ والعلن؛ فالصيام يُقوّي العلاقة الروحيّة بين العبد وربّه؛ فيستشعر مراقبته -سبحانه- في الأحوال جميعها .

– تربية النفس على لزوم الصدق في القول والعمل؛ وذلك من خلال لزوم الحقّ والصواب، والوفاء بعهد النفس على الطاعة والعمل، وموافقة الظاهر للباطن، بعيداً عن الكذب، والنفاق، فتتعزّز الأخلاق العظيمة في النفس أيضاً؛ بإدراك الأجر المُترتّب على الصيام .

أفلا يستحي العبد من ربه ومولاه ومعبوده، أن يكون مقصرًا في عمله، وهو يرى المحبين في أشغال محبوبيهم من الخلق، كيف يجتهدون في إيقاعها على أحسن وجه وأكمله لتسرّهم، والله يحب من عبده إذا عمل عملاً أن يتقنه ظاهراً وباطناً وهذا هو أثر الصوم التقوى ( لعلكم تتقون ) ، فكن عبدًا ربانيًّا ولا تكن عبدًا رمضانيَّا .

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.