د. حمادة شعبان عبد الهادى : عطاء الله للصائمين في شهر رمضان

في يوم 26 أبريل، 2021 | بتوقيت 2:45 ص

كتب: العالم اليوم

أكد د. حمادة شعبان عبد الهادي واعظ عام بالأزهر الشريف أنه لا شكَّ أنّ شهر رمضان منحة ربانية، وعطية إلهية، تضاعف فيه الحسنات ويعظم الثواب، ويغدق الله على عباده النفحات، ويفتح فيه أبواب الجنة، فلا يغلق منها باب، وتغلق فيه أبواب النار، فلا يفتح منها باب، وتقيد الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل- فهذا أوانك– ويا  باغي الشر أقصر- فلا مكان لك في هذه الأيام الطيبة-، فيقبل المؤمنون على ربهم محققين الغاية الكبرى من الصيام وهي التقوى، يقول الله:”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”(البقرة:183).

واوضح أن رمضان هو الشهر الذي اختصه الله(تعالى) بفريضة الصيام التي هي ركن من أركان الإسلام، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، يقول الله(تعالى):” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”.(البقرة:185)، وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض  بالسماء، وتنزل الوحي بالنور والضياء.

فما أكثر العطايا الإلهية والمنن الربانية التي اختص الله بها عباده في شهر رمضان، ومن هذه المنن والعطايا:

مضاعفة الأجر والثواب، ففي هذا الشهر فرصة للتجارة الرابحة مع الله(تعالى)، يقول ابن رجب(رحمه الله):”واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب، منها: شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم….ومنها: شرف الزمان، كشهر رمضان…”.

ومن المنح الربانية في هذ الشهر الكريم: أن الله(تعالى) اختص الصائمين بباب خاص في الجنة، لا يدخل منه غيرهم، عَنْ سَهْلٍ(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، عَنِ النَّبِيِّ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:”إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ”.(متفق عليه).

ومن العطايا الربانية في هذ الشهر: أنه فرصة لزيادة الأجر عن طريق إفطار الصائمين، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»(سنن بن ماجة). فالذي يفطر صائما كأنما يستأجر من يجلب له الحسنات، وإذا كان ثواب الصيام عظيما فإن من يفطره له نفس الثواب من غير أن ينقص من ثواب الصائم شيئا، إنه فضل الله على هذه الأمة.

ومما يختص الله به عباده في حال الصيام: أن طيب رائحتهم حتى جعلهم عنده أطيب ريحا من المسك، فعن أبي هريرة(رضي الله عنه) يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): « ..وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».(متفق عليه).

ومن الهبات التي يهبها الله(تعالى) لعباد الصائمين: تعدد أسباب المغفرة، فالصيام يكفر عن العبد خطاياه كلها، حتى يرجع طاهرا من ذنوبه، أبيض القلب، كأن لم يعلق به شيء، لكن مغفرة ما تقدم من الذنوب مرهون بأن يكون الصيام إيمانا واحتسابا، يقول رسول الله(صلى الله عليه وسلم): «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ…». يقول الحافظ ابن حجر(رحمه الله):”المراد بالإيمان: الاعتقاد بحق فرضية صومه، وبالاحتساب: طلب الثواب من الله(تعالى)”.

ومن العطايا الإلهية في هذا الشهر الكريم: أن الصيام يشفع للعبد، كما يشفع القرآن، فعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله(صلي الله عليه وسلم): قال:«الصيام والقرآن يشفعان للعَبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رَبِّ، مَنَعته الطعامَ والشهوات بالنهار، فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: منعته النومَ بالليل، فشَفِّعْني فيه”، قاَل: “فيشفعانِ». فطوبى لأهل القرآن، وأهل الصيام حين يجدون من يدافع عنهم يوم لانصير ولا مغيث.

ومما اختص الله(تعالى) به عباده الصائمين- أيضا-: أن جعل دعاءهم فيه مستجابا، والدعاء من المؤمن يستجاب في كل وقت ما دام قد استوفى ما به تكون الاستجابة، لكن شهر رمضان وحال الصيام عموما يكون أرجى وأقرب إلى الاستجابة، ولهذا ذكر الله قربه من عباده إجابته لدعائهم وسط آيات الصيام، فقال(تعالى):”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”.(البقرة:186). يقول ابن كثير(رحمه الله):”وفي ذكره(تعالى) هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر”.

ويقول د. حمادة شعبان عبد الهادي  إن للصيام ثوابا عظيما لا يعلم قدره إلا الله(تعالى)، فهو رصيد للعبد عند الله لا ينفد، فعن أبي هريرة(رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول:”قال الله(عزوجل): «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ…».(متفق عليه)، ولعل السبب في ذلك- كما قال الإمام البيضاوي- أمران: أحدهما: أن سائر العبادات مما يطلع العباد عليه، والصوم سر بين العبد وبين الله(تعالى) يفعله خالصا ويعامله به طالبا لرضاه. والآخر: أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال البدن، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان. ولذلك يجب على المسلم أن يغتنم هذا الشهر؛ لأنه منحة من الله(تعالى) لعباده المؤمنين.