الهيئة الشرعية بالمصرف المتحد  :  شهر رمضان المعظم والاقتصاد المجتمعي

في يوم 18 أبريل، 2021 | بتوقيت 2:44 م

: شيرين محمد

 

اكدت الهيئة الشرعية بالمصرف المتحد ان الشريعة الإسلامية عنيت بالموارد والأسواق والمعاملات وشجعت على الإنتاج والازدهار في المجتمعات، ويظهر ذلك جلياً في الرابط الوثيق بين مواسم الطاعات في الإسلام وبين الاقتصاد بمفهومه المعاصر، وقد ذكر الله تعالى ذلك صراحة في القرآن الكريم عندما أخبر سبحانه وتعالي عن مقاصد وأهداف حج بيت الله الحرام، فهي الشعيرة الكبرى التي لا يسع المسلم القادر تركها لما فيها من أجر وثواب عظيم، وقد جمع الله سبحانه وتعالى في آية واحدة بين هدفي العبادة والتجارة فقال عز وجل في سورة الحج: ” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ” سورة الحج: الآية 27، 28، وقد ذهب الكثير من المفسرين إلى أن المنافع هي التجارة والأسواق وشئون الحياة.

ولم يقتصر الربط بين العبادات والمعاملات المالية بل إن شهر رمضان المبارك يحتوي على العديد من الرسائل في هذه المسألة، فبداية يتعلم المرء من شهر رمضان الزهد الذي يقوده إلى الاستغناء عن بعض الحاجيات حتى وان كانت ضرورية، وفريضة الصوم قائمة على الامتناع عن المباحات حتى وان كان للإنسان القدرة على شرائها، وفيها من الفوائد الاقتصادية توعية المجتمع بمحاربة الاحتكار وغلاء الأسعار بالمقاطعة، ولو تعامل الناس بهذه القاعدة ما ارتفعت الأسعار إلا بالقدر المناسب ولصار التضخم أقل من معدلاته.

وعلى وجه العموم يحث الإسلام الفرد والمجتمع على التوسط في النفقة وجعلها أحد سمات عباد الرحمن، فقال تعالى:

” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ” سورة الفرقان: الآية 67.

وحديثاً ارتبط رمضان برواج في المبيعات والإقبال على إنتاج بعض المصنوعات الخاصة بهذا الشهر الكريم، سواء من أصناف المأكل والمشرب، أو لوازم إظهار الفرح بقدوم الشهر مثل الفوانيس وأدوات الزينة، وهذه الصناعات رغم موسميتها إلا أنها تحدث رواجاً اقتصادياً وتعالج العديد من مشكلات الكساد في الأسواق.

ويزيد في رمضان الإقبال على التآلف والتراحم والإنفاق على الفقراء رغبة في تحصيل الأجر، يقول ابن عباس رضي الله عنه:

” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان ” متفق عليه، وهذا التكافل المجتمعي الحادث في رمضان تظهر آثاره في إطلاق موائد لعباد الرحمن، وزيادة في إعانة الفقراء والأيتام، فإن الوقف والتكافل أحد أهم آليات الاقتصاد الإسلامي للقضاء على الفقر، قال تعالى: ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ” سورة المائدة: الآية 2.

ويستمر الشهر الكريم في منح الصناع والتجار فرصاً للإنتاج وبيع منتجاتهم لإقبال الناس على شراء الملابس الجديدة والحلويات المصرية مثل كعك العيد وما شابه، هذه الفرص الإنتاجية والتسويقية تزدهر في شهر رمضان ازدهاراً هائلاً فيتحقق في زيادة الإنتاج والنمو الاقتصادي فيه ما لا يحدثه المؤتمرات الاقتصادية العالمية.

ولا ينسى الناس في شعائرهم في رمضان العنصر السياحي، وللسياحة نصيب في رمضان ففيه تنشط رحلات العمرة إلى بيت الله الحرام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عمرة في رمضان تعدل حجة معي ” متفق عليه، ويتبع ذلك أثراً اقتصادياً إيجابياً على شركات السياحة الدينية ويوفر لها الأموال التي تبدأ بها الاستعداد لموسم الحج، وللسياحة الداخلية في رمضان شأن مماثل فان المساجد الكبيرة والسرادقات الخاصة بصلوات التراويح والجمع والعيد تستقطب العديد من المصلين، فينشأ حولها أسواقاً وتجارات متنوعة.

ويأبى الشهر الكريم أن يودعنا إلا بفريضة زكاة الفطر، ليتأكد لنا دلالة أهمية المال والاقتصاد في حياة الناس، وزكاة الفطر تُعنى بأمر الأسواق وتوفير حاجيات الناس في أيام العيد فمن الناس من يخرجها طعاماً وحبوباً ومنهم من يخرجها نقوداً، وقد ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما: ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطُعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات ” رواه أبو داود.

إن شهر رمضان الذي باركه الله تعالي بنزول القرآن، وليلة القدر، وفرض الصوم، والإكثار فيه من السنن والنوافل كذلك جعله الله أيضاً شهر خير وبركة في الأرزاق والأعمال والأسواق والتجارات لذا استحق الوصف بالشهر الكريم، وكل عام والأمة العربية والإسلامية ومصر وشعبها بكل خير.