د.أحمد جلال شقوير  : رفعُ الحَرَجِ في الشَّريعة- الصَّوْمُ نموذجًا

في يوم 16 أبريل، 2021 | بتوقيت 1:20 ص

: العالم اليوم

 

أكد  د.أحمد جلال شقوير امام وخطيب بوزارة الأوقاف أنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة وأحكامها تمتاز بصفات عديدة من أهمِّهما: رفع الحرج، والتّيسير، ودفع المشقَّة،فالشَّارع لم يكلِّف عباده بالشَّاق، ولم يعنتهم في التَّكليف.قال ابن العربيّ في الأحكام:”ولو ذهبت إلى تعديد نعم الله في رفع الحرج؛ لطال المرام”.

والنُّصوص في القرآن والسُّنَّة الَّتي تؤكِّد على هذا المعنى كثيرة، فمن القرآن: قوله(تعالى):”مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”[الحج: 78].وقوله(تعالى):”مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ”[المائدة:6].وقوله(تعالى):”يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”[البقرة: 185].وقوله(تعالى):”يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ”[النساء:28].وقوله(تعالى):”لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”[البقرة:286].والأحاديث النَّبويَّة الدَّالة على التَّيسير من الكثرة بمكان، منها: قوله:(صلى الله عليه وسلم):«أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»(رواه البخاري).وقوله(صلى الله عليه وسلم):«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا…»(رواه البخاري).ومن القواعد الفقهية في هذا المعنى:”المشقّة تجلب التّيسير”، و”إذا ضاق الأمر اتَّسَع”، و”الضَّرر يزال”، و”الضَّرورات تبيح المحظورات”، و”الحاجة تنزل منزلة الضَّرورة”. وكلُّهذايبيِّن أنَّ التَّيسير ورفع الحرج من أهمِّ مزايا الشَّريعة الشَّريفة المـُـنيفة.

وقال ” هذا، ولقد عمَّ التَّيسير، ورفع الحرج أحكام الشَّريعة الإسلاميّة، بَدْءًا من النّطق بالشّهادتين، فإن كان سيواجه التَّعذيب، والقتل لإسلامِهِ، فلا حرج عليه أن ينطق بكلمة الكفر،”إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ”[النحل :106].وكذلك الصَّلوات فمبنى أداؤها على التَّيسير، وقد أشار إلى ذلك فحول العلماء، منهم: الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قوله:”ومَا جَعَلَ عليكم في الدِّينِ من حَرَج”، فقال:”…فالصَّلاة-الَّتي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشَّهادتين- تجب في الحضر أربعًا، وفي السَّفَر تقصر إلى ثنتين، وفي الخوف يصلِّيها بعض الأئمَّة ركعة، كما ورد به الحديث، وتصلَّى رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها. وكذا في النَّافلة في السَّفَر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيصلّيها المريض جالسًا، فإن لم يستطع فعلى جَنْبِهِ…”. ومثل ذلك: الزَّكاة، فهي خاصة بالقادر المستطيع الَّذي يملك نصابًا زائدًا عن نفقتِهِ ونفقةِ أهلِهِ و عيالِهِ. كما بُنِيَ الحجُّ- أيضا- على التَّيسير؛ حيث فرضه الله مرَّة واحدة في العُمْر، على المستطيع؛ لما في ذلك من التَّكاليف البدنيَّة و الماديَّة. وثبت من هديِهِ(صلى الله عليه وسلم)، أنَّه”وقف في حجَّة الوداع بمنى للنَّاس يسألونه، فما سئل(صلى الله عليه وسلم) عن شيءٍ قدّم ولا أخّر إلا قال: افعل ولا حرج”.[رواه البخاري، ومسلم].

وكذلك الصَّوم- وهو بيت القصيد- أساسه التَّيسير،ومظاهر التَّيسير فيه كثيرة، تكلَّم عنها العلماء قديمًاوحديثًا، ومن تلك المظاهر:أنَّالله جعله شهرًا واحدًا في السَّنَةِ كلِّها، فمن رحمتِهِ(تعالي)أنَّه جعل الصَّوم أيامًا محدودة معدودة”أيَّامًا مَعْدُودَات”(البقرة : 184). أي: مُقدَّرة بعدد معلوم، فماذا لو كان طوال العام!.

ومن مظاهر التَّيسير في الصَّوم: أنَّ الله(تعالى) أوجبه على المكلَّف القادر على الصَّوم، ورخَّص للمريض، والمسافر الفطر في نهار رمضان، والقضاء بعد زوال هذه الأعذار”فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ”.(البقرة:184)، لا سيِّما من أصابتهم عدوى وباء كورونا بالفعل، فهم أولى النَّاس برخصة الإفطار للمرض،ومرجع إفطارهمإلىتقديرالأطبّاء. ومن لم يستطع قضاء هذه الأيَّام، فإنَّ الله(تعالى)”لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”(البقر: 286)، ويخرج فدية عن كلِّ يوم أفطر فيه، قال(تعالى):”وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ”(البقرة: 184). وقد حدَّدتها دار الإفتاء المصريَّة لهذا العام عشرة جنيهات.

ومنه: أنَّ الله(تعالى) تجاوز عمَّن أكل أو شرب ناسيًا، وعدّ صيامه صحيحًا، وكان أكله وشربه صدقة من الله عليه؛تخفيفا عنه،وتسهيلا عليه، قال(صلَّى الله عليه وسلَّم):”مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ”(متفق عليه).

ومنه: أنَّه في القضاء  للصَّائم له أن يُتابع، وله أن يُفرِّق  بين أيَّام  القضاء. قال أبو عبيدة(رضي الله عنه):”لم يُرخص لكم في الفطر وهو يريد أن يُشق عليكم في القضاء إن شئت فواتر، وإن شئت ففرِّق) وعلى استحباب التَّتابع جمهور الفقهاء. وإن فرَّقه أجزأه.

ومنه: أنَّ القضاء للأيَّام الَّتي أفطرها المسلم لمرضٍ أو لسفرٍ يجوزعلى التَّراخي فيأيِّ وقتٍ من  السَّنَة،بشَرْطِ ألَّايأتيَ رمضانُ آخَرُ، كما في(الصحيحين) من حديث عائشة قالت: يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشّغل من رسول اللّه، أو برسول اللّه(صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم).

ومنه: أنَّه لا حرج على الصّائم أن يطلع عليه الفجر، وهو جنب لم يغتسل؛ لأنَّ الطَّهارة ليست شرطًا للصَّوْم، ففي(الصحيحين) من حديث عائشة”أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وسلم) كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ، وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ”. وكذلك الحائض إذا طهُرت قبل الفجر، واغتسلت بعد الفجر، فصومها صحيح.

ومنه: أنَّه لا حرج على الصَّائم في الاغتسال، والتبرّد بالماء، بشرط عدم ابتلاع الماء، وإن اشتد عليه الحرّ أو أصابه ظمأ شديد من عناء العمل، وأصابته مشقَّة عظيمة يخشى منها الهلاك أو المرض المحقق، فلا عليه إن أفطر؛ لقوله(تعالى):”وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”[البقرة:195]وعليه القضاء.

ومن مظاهر رفع الحرج في ظلِّ هذه الجائحة(كورونا) أنَّه:يُرخَّص في عدم حضورِصلاة ِالجماعةِ والجمعةِ والعيدينِ والتَّراويحِ لكبارالسِّنِّ،ومن يعاني من أعراضِ الأمراضِ التَّنفسيَّة،وكلّ من يعاني من مرض ضعف المناعة، ويؤدُّون الصَّلاة في بيوتِهِم،أومكان تواجدهِم،ويصلُّون صلاة الظُّهر بدلًاعن  صلاةالجمعة.

فالحمد لله أن جعلنا مسلمين.