بناء عالم رقمي جديد من خلال الابتكار الهادف والمحدّد
في يوم 9 مايو، 2022 | بتوقيت 12:25 م
كتبت: نجوى طه
لا يمكن أن نفكر في القادة العظماء الذين تركوا بصمتهم على عالمنا دون ربط أسمائهم بالأحداث الكبيرة التي شكلت تاريخ البشرية. فقد كانت تلك الأحداث نقطة تحول كبيرة ستبقى خالدة في الذاكرة، كالخطاب الشهير الذي ألقاه مارتن لوثر كينغ جونيور على درج نصب لنكولن التذكاري، أو مسيرة الملح التي أطلقها المهاتما غاندي والتي شكلت منعطفًا في نضال الهند من أجل نيل الاستقلال، أو حتى الخطوة الأولى لنيل أرمسترونج وباز ألدرين على سطح القمر. ما تلك الأحداث إلى غيض من فيض، إذ أن تاريخنا يزخر بأمثلة لقادة قد لا يكونون بتلك الشهرة، إلا أنهم لا شك قد أحدثوا تغييرًا ما من خلال ابتكارهم طرقًا مختلفة للقيام بالأعمال.
وقد ظهر في السنوات القليلة الماضية جيل جديد من القادة الذين تحركهم غايات وأهداف محددة. ولا يقل التأثير الذي يتركه هؤلاء على العالم أهمية عن أي قادة عظماء آخرين في تاريخنا. فهؤلاء المبتكرون لا يكتفون بتقديم طرقٍ جديدة للقيام بالأشياء فحسب، بل يقدمون لنا طرقًا جديدة للتفكير في العالم وفي المستقبل الذي ننشده.
ويتمتع هؤلاء القادة بقدرة هائلة على الإقناع، كما يقدمون أنفسهم كنموذج يحتذى به، ولا يترددون لحظة عن خوض غمار الصعوبات ومواجهة المشاكل والتحديات. وفي الحقيقة نحن محظوظون جدًا بأن يكون لدينا مثل هؤلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد استطاعت المنطقة بفضل هؤلاء القادة تجاوز تبعات الجائحة وتخفيف آثارها، وتوجيه وإعداد الاقتصاد للمستقبل الرقمي، وفتح الباب على مصراعيه أمام مستقبل يزخر بالفرص والإمكانيات.
الابتكار عامل أساسي لتعزيز القيادة
بينما تجهد الشركات العالمية اليوم لتجاوز التحديات التي أنتجتها الجائحة، فإننا بحاجة إلى قادة يتمتعون بالبصيرة والحماسة لإعداد مؤسساتهم للمستقبل الرقمي. وعندما يبدأ القادة في التفكير في الشكل الذي سيكون عليه العمل في عالم ما بعد الجائحة، فإن هذا ينطوي على الكثير بالنسبة للشركات.
ونحن الآن نقف عند مفترق طرق في غاية الأهمية، إذ يتم استخدام أحدث الأدوات لتنشيط الصناعات الحيوية وإعادة صياغة شكلها ومضمونها. وسيفرض اندماج التقنيات خلال العقد القادم على الشركات جميعها أن تكون رقمية في جوهرها لتستطيع الصمود. وسيكون قادة الأعمال بحاجة إلى تبني الابتكار الهادف، في ظل صعود نجم التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والأنظمة الروبوتية، وانتشار التحول الرقمي.
وهنا يلعب القادة دورًا مركزيًا في تعزيز ثقافة الابتكار وإعداد مؤسساتهم لتكون مصدرًا للابتكار وليست مجرد مستقبل له. وتشير دراسة أجرتها شركة KPMG إلى أن القرارات والتوجيهات وسلوك القيادة تمثل 70% من قوة التأثير على ثقافة المؤسسة، بينما تمثل العوامل الأخرى، كبرامج التدريب والمشاركة النسبة المتبقية.
وعلى الرغم من أن الابتكار يمثل أولوية قيادية حيوية، إلا أن العقبة الأساس تتمثل في أن الاستثمارات تتركز على أحدث وأهم التقنيات بدون رؤية واضحة لما ستعود به هذه التقنيات على المؤسسة.
وشهدت دراسة حديثة لمؤشر التحول الرقمي من شركة دل تكنولوجيز، قيام 80% من قادة شركات عالمية مشاركة في الدراسة بتتبع بعض برامج التحول الرقمي في مؤسساتهم بشكل سريع، وتمكنوا في غضون بضعة أشهر من إنجاز ما كان يستغرق إنجازه في العادة عدة سنوات. كما كشفت الدراسة أن التحميل الزائد للبيانات وعدم القدرة على استخلاص الرؤى من البيانات هو من المعوقات الرئيسية أمام التحول الرقمي.
وهكذا فإن التعجيل بالابتكار في سياق الاستجابة للتطورات المزعزعة في القطاع أو للتنافس مع الآخرين هو أمر غير مجدٍ، إذ يجب أن يرتبط برؤية المؤسسة، وتعكس طبيعة استجابة المؤسسة للتطورات المزعزعة مدى التزامها بتحقيق رؤيتها تلك. ويمكن للابتكار أن يمثل اختبارًا حقيقيًا لهذه الاستجابة، وبالطبع فإن هذه المسؤولية تقع على عاتق الفريق الإداري.
تبقى التكنولوجيا عامل التمكين الأهم
سيكون للتكنولوجيا دور أكبر من مجرد توفير الدعم مع الانتقال إلى مرحلة ما بعد التعافي من الجائحة والبدء بحقبة جديدة. وقد بات من المؤكد أن أداء الشركات التي تستثمر في الابتكار خلال أوقات الأزمات سيتفوق على الشركات الأخرى في فترة التعافي. ويمكن لقادة هذه الشركات تحقيق زيادة في إنتاجية مؤسساتهم من خلال الاستثمار في تقنيات جديدة، ليضمنوا لأنفسهم التقدم عن أولئك الذين يتأخرون في تبني هذه التقنيات.
وسوف تساهم التكنولوجيا في الانتقال بنا إلى آفاق جديدة، وسوف تساعدنا في تغيير كل شيء من حولنا، بدءًا بالطريقة التي نعيش بها، مرورًا بكيفية تواصلنا مع بعضنا البعض، ووصولًا إلى كيفية اهتمامنا بصحتنا. كما ستغير التكنولوجيا شكل العلاقة بين المواطنين والحكومات، وستعمل على تخصيص التعلم المختلط في المدارس، والارتقاء بمستويات رعاية المرضى. وستقدم الشركات في هذا المجال خدمات مبتكرة لتوفر للمستهلكين تجارب لا يستطيعون الآن حتى تصورها، وذلك بفضل السرعات الفائقة لشبكات الجيل الخامس، والرؤى التي تقوم على الذكاء الاصطناعي، والقدرات الهائلة للحوسبة الطرفية.
وستعمل التكنولوجيا على تسريع أجندة التعافي الاقتصادي ودعم مقترحات وبرامج جديدة ومبتكرة تتمحور حول احتياجات المستهلكين وتركز على الإصلاح بشكل يقود إلى إحداث تأثير عميق. إلا أن هذا كله يتطلب أن نفكر بطريقة مختلفة تمامًا وأن نستخدم الأدوات الرقمية بالشكل الأمثل، وعلاوة على كل ذلك، فإنه يتطلب قادة شجعان قادرين على توجيه الدفة في مسار مختلف وأكثر تناغمًا وانسجامًا مع احتياجات العالم.
وهنا لا بد لنا أن نؤكد على أن هذا القائد المبتكر ذو التطلعات المستقبلية، هو ما يرغب بوجوده كل صاحب مؤسسة. فالقائد القادر على ربط الابتكار برؤية الشركة سيتمكن من إحداث الابتكار على صعيد المؤسسة التي يقودها وحتى على مستوى القطاع ككل. فالمستقبل هو ملك الذين يسعون للابتكار وترك أثر حقيقي على الأجيال القادمة، والوقت الذي نعيشه اليوم هو أفضل وقت للتحلي بالجرأة اللازمة وتسريع عجلة التعافي، وتحقيق المرونة على المدى الطويل من خلال الابتكار القائم على التكنولوجيا.