التحول للطاقة المستدامة لتقليل الإنبعاثات

في يوم 27 أبريل، 2022 | بتوقيت 3:26 ص

كتب: بقلم / د.م محمد سليمان اليماني

الطاقة هي محرك الإقتصاد ، وهي في حياتنا لتضئ، وتسخّن وتبرد المنازل والمكاتب. كما أنها تنقل وتوصل الناس والبضائع. وهي تزود أنظمة المياه والصرف الصحي بالوقود. وتستخدم في العمليات الصناعية المختلفة وفي المراكز الرئيسية للاقتصاد المتنامي ، والطاقة المستدامة تعني خدمات الطاقة الحديثة، وتحسين كفاءة الطاقة، وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة (من الرياح ومساقط المياه ومن الشمس, ومن حركة الأمواج والمد والجزر أو من حرارة باطن الأرض ) وتعتبر الطاقة المستدامة شكل من أشكال الطاقة التي تلبي طلبنا من الطاقة اليوم دون تعريضها لخطر انتهاء صلاحيتها أو نضوبها مستقبلا ويمكن استخدامها مرارًا وتكرارًا ، ويجب تشجيع وتحفيز التوجه نحو الطاقة المستدامة على نطاق واسع لأنها لا تسبب أي ضرر للبيئة ، وتقلل الإنبعاثات والتلوث ، ومعها نتجنب أضرار الإحتباس الحراري .
التحول للطاقة المستدامة : بهدف الانتقال من استخدام الطاقة المشتقة أصلا من مصدر غني بالكربون مثل الفحم والنفط إلى استخدام طاقة مشتقة من مصادر قليلة الكربون مثل الغاز الطبيعي أو المصادر المتجددة . ان إنتاج واستخدام الطاقة يساهم بنحو ثلثي إلإنبعاثات في العالم ، ولقد أدرك قادة العالم ضرورة مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة مع الاستمرار في التصرف السريع والفعال ضد التغير المناخي والإحتباس الحراري ، ويمكننا تعريف التحول الفعال للطاقة على أنه [ تغيير] في الوقت المناسب نحو أنظمة طاقة أكثر شمولاً وأمانًا وبأسعار معقولة ومستدامة توفر حلولًا للتحديات العالمية المتعلقة بالطاقة ، مع خلق قيمة للأعمال والمجتمع .
لماذا نحتاج لتحوّل الطاقة ؟
مع تزايد الطلب على الطاقة ، وتوقع نضوب مصادر الوقود الأحفوري مستقبلا ، و السعي للحد من تزايد الإنبعاثات الضارة بالبيئة والتغيرات المناخية وتوفر مصادر الطاقة المتجددة وانخفاض تكلفتها والإلتزام بما صدر من قرارات دولية في باريس وجلاسكو فيما يخص المناخ ، بدات الجهود الدولية تتزايد نحو التحول للطاقة المستدامة..
نعلم أن من مخاطر الإنبعاثات حدوث تغييرات مناخية الناتجة عن ارتفاع حرارة الأرض الناجمة عن زيادة انبعاث غازات الاحتباس الحراري المعروفة بغازات الدفيئة إلى الجو، وأبرزها غاز ثاني اكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري المتمثل بالنفط والغاز والفحم. ومن مخاطر التغيرات المناخية حدوث كوارث ومخاطر بيئية تؤثر سلبا على البيئة والصحة العامة و الموارد الحيوية و الطبيعية، وتسبب الفيضانات والاعاصير وحالات البرد القارس و موجات الحر الشديدة والجفاف والتاثير على المحاصيل الزراعية و قيمتها ، و تكاثر أنواع ضارة من الحشرات و انقراض أنواع برية من الحيوان والنبات ، وأصبحت الحرائق المروعة والفيضانات والجفاف والعواصف هي الوضع الطبيعي الجديد على نحو متزايد ، ونلاحظ أن “التنوع البيولوجي ينهار، والصحاري تتمدّد، والمحيطات تصبح أدفأ وتختنق بالنفايات البلاستيكية ، و تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، و ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. وازدياد حرارة الغلاف الجوى للكرة الأرضية، مما يهدد بقاء البشرية حاضرا ومستقبلا
يشير انتقال الطاقة إلى تحول قطاع الطاقة العالمي من الأنظمة القائمة على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة واستهلاكها – بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والفحم – إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية ، ونظم كفاءة الطاقة والشبكات الذكية ، ولا تنعكس مزايا انتقال وتحول الطاقة على البيئة فقط ، بل إن تطوير مصادر الطاقة المتجددة وتحويل محطات الطاقة القديمة يساعدان الاقتصاد ويخلقان وظائف جديدة. ولكن التحول النموذجي الذي ينطوي عليه تحول الطاقة يوفر أيضًا فرصة كبيرة لتعزيز الرفاهية الاقتصادية ونمو العمالة و التنمية الاجتماعية للمجتمعات المعنية ودعم التوجه للمدن الذكية .. وسيكون استخدام الهيدروجين والوقود الاصطناعي، والتقنيات الكهربائية المباشرة، وأنواع الوقود الحيوي، وإدارة الكربون عوامل حاسمة في نجاح ذلك بالإضافة إلى نماذج الأعمال المبتكرة، والتغييرات الهيكيلية، والتكيف السلوكي.
ومن الجهود المصرية لمواجهة الإحتباس الحراري : نلاحظ أن قطاع الطاقة في مصر يشهد تحولا جذريًا من حيث الإنتقال التدريجي من الوقود التقليدي “الأحفوري” إلى الغاز الطبيعى، ثم الطاقة المتجددة، وإلى الطاقة النووية، ثم إلى “الهيدروجين الأخضر” وإنتاج واستخدام الميثانول الأخضر والأمونيا الخضراء وتسهيل استيراد السيارات الكهربائية بل والسعي لتصنيعها محليا، والتوسع فى محطات الغاز الطبيعى لتشجيع تحويل المركبات للعمل بالغاز بدلا من البنزين والسولار ، وتوليد الكهرباء بتكنولوجيا الضخ والتخزين وتنفيذ مشروع القطار الكهربائي واصدار السندات الخصراء ، وتستعد له مصر حاليًا لتنظيم قمة المناخ في شرم الشيخ نوفمبر 2022 وسبق ان اعتمدت حكومة مصر خطة طويلة الأجل للطاقة المتجددة (من الشمس والرياح) وحددت هدفاً يتمثل في تلبية 20% من الاحتياجات الكهربائية من مصادر للطاقة المتجددة بحلول عام 2022 وقد حققته بالفعل ، وتستهدف انتاج 43% طاقة متجددة عام 2035 مع استمرار العمل على الاستثمارات المستدامة في مجال الطاقة واجراءات تحسين كفاءة الطاقة ، وبدأت مصر في التحول نحو الاقتصاد الأخضر تنفيذا لرؤية مصر 2030 .
ومن جهود قطاع الكهرباء المصري : توزيع لمبات الليد الموفرة بدعم كبير بدءا من عام 2013 وحتى عام 2016 وذلك خلال شركات التوزيع التسعة ، وانشاء محطات الشمس والرياح لتوليد الكهرباء ، وتنفيذ حملات التوعية بترشيد استهلاك الكهرباء ، وانشاء مراكز التحكم واستخدام العدادت الذكية ومسبقة الدفع، والتعاون للتوسع في استخدام السيارات الكهربائية ، والسعي لإنشاء المحطة النووية ، والتعاقد لتنفيذ مشروع الضخ والتخزين المائي لتوليد الكهرباء ، والتعاقد لتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر ، والتعاون لتعزيز الصناعة المحلية لمكونات محطات الخلايا الشمسية الفوتوفولطية ومحطات الرياح ، وتصنيع لمبات الليد الموفرة محليا . الأمر الذي كان له اكبر الأثر لخفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون وخاصة مع تنفيذ وتشغيل مجمع بنبان الشمسي 1465 ميجاوات يسهم فى الحد من انبعاثات الكربون بنحو مليونى طن . وتنفيذ 121 محطة طاقة شمسية، في 15 محافظة بإجمالي قدرة مركبة 9.6 ميجاوات، وبإجمالي وفر في الطاقة 14.8 ميجا. و.س/ سنوياً، وتصل نسبة الخفض في نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى 9.3 طن/ سنوياً، وزيادة محطات الرياح وتشغيل محطات سيمنس عالية الكفاءة بغاز طبيعي وتحويل بعض وحدات التوليد الحرارية من دورة بسيطة ( بوقود احفوري) الى دورة مركبة ( بالبخار ) هذا علاوة على ان هيئة الطاقة المتجددة قد اعلنت مؤخرا عن مساهمتها فى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالى 10 مليون طن ، وتوفير 4.4 مليون طن بترول مكافئ ..كلها جهود جديرة بالإحترام نتطلع معها الى آفاق رحبة وفق رؤية مصر 2030 ، ليكتمل بناء جمهوريتنا الجديدة مع دعمنا جميعا للجهود التنموية غير المسبوقة والتي تشهدها مصر حاليا ..
ترشيد وكفاءة الطاقة : يهدف ترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة إلى الاستخدام الأمثل لمواردها دون المساس براحة مستخدميها أو انتاجياتهم ولا تعنى أساساً إبطاء التنمية ولكنه يعنى فى المقام الأول استخدام أكفأ للطاقة ..
الهيدروجين الأخضر : عبارة عن وقود خال من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء، وتشهد عمليات الإنتاج تحليل كهربي لفصل جزيئات الهيدروجين عن جزيئات الأكسجين في الماء، بواسطة الكهرباء التى يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة ( مثل محطات الرياح والمحطات الشمسية ) لإنتاج الهدروجين الأخضر من أجل استخدامه بشكل مثالي كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة، ليكون بديلا عن الوقود الأحفوري، الذي كان يتم استخراج الهيدروجين الرمادي او الأزرق منه ، و يمكن استخدامه كوقود نظيف ويدخل في صناعات عدة؛ منها الصلب والإسمنت والآليات الثقيلة وغيرها.
وقد بلغ إجمالي مشروعات الهيدروجين في المنطقة العربية 28 مشروعًا، بلغت حصة مصر منها 8 مشاريع لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق، واغلبها في منطقة العين السخنه، ومصر تنتج حاليا اكثر من 7000 ميجا وات من الطاقة المتجددة (شمسي ومائي ورياح) وقد وقعت بعض مذكرات التفاهم لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
الإقتصاد الأخضر : يُعرَّف الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة ، و هو الاقتصاد الصديق للبيئة ويقلل من نسبة الكربون ويوفر الطاقة ، ومعه يتحقق التكامل بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة وهى الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية من المهم تطويع الاقتصاد الأخضر مع الأولويات والظروف الوطنية، ويمثل الإقتصاد الأخضر طوق النجاة للدول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البيئةوالاقتصاد الأخضر له 6 قطاعات مختلفة منها المبانى الخضراء، والطاقة المتجددة، بكل ما فيها سواء الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، والنقل المستدام، وإدارة المياه وإدارة الأراضى وإدارة النفايات ..
وختاما نوصي بضرورة سن قوانين وتشريعات من شأنها تحسين الاستخدام وتطوير وتحفيز الإنتاج في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ، واستمرار التوعية و التدريب ومنح اعفاءات جمركية لمهمات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ، و تحفيز التصنيع المحلي ، ووضع خطط وتنفيذ مشروعات وابرام شراكات وتبادل خبرات عربيا وعالميا ، وضرورة متابعة تفعيل الإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة ( 2010 – 2030) مع استمرار ترشيد استهلاك الطاقة وتطبيق نظم كفاءة الطاقة ، وعلينا زيادة توليد الطاقة المتجددة وتقليل الأحفورية ..

رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة
[email protected]