دكتور محمد عبد العال : سيناريوهات إبداعية قد تُعيد رسم خريطة الديون المصرية
في يوم 29 ديسمبر، 2025 | بتوقيت 10:50 م

كتبت: شيرين محمد
اكد الدكتور محمد عبد العال الخبير المصرفى والاقتصادى تلقى الشارع المصرى مفاجئة سارة فعلا ، حينما ألقى دولة رئيس وزراء مصر الدكتور مصطفى مدبولي “سهما ” سبب حراكاً واسعاً ، وقوة دفع جديدة للتوقعات الاقتصادية بحديثه عن مفاجأة تخص خفض الدين الخارجي إلى مستويات غير مسبوقة. فما هي الهندسة المالية “خارج الصندوق” التي قد تلجأ إليها الحكومة لتفكيك وتقليص هذا الحجم من الديون الخارجية المتوارثة على مدى عقود ؟
إذا كان دولة رئيس الوزراء يتحدث عن خفض “خلال أيام” و”بمستويات غير مسبوقة”، فهذا يعني أننا ربما نكون أمام إجراء أو قرار “محاسبي ومالى واقتصادى وسياسى وقانوني” تم الانتهاء من دراسته والاقتناع بمكاسبه و التفاوض عليه بالفعل مع أطرافه .
والآن حان وقت إعلانه ، ليظهر على أرض الواقع فوراً .وبناء
على هذا القيد الزمنى الضيق جدا ، دعنا نتعرض باختصار لصور وآليات تصفية او تقليص الديون الشائعة التى تنطبق على حالتنا وعلى معظم الدول التى مرت بمثل ظروفنا و التي قد تفسر كيف ينخفض الدين في فترات قصيرة جدا ؟
يتكون هيكل الدين الخارجى المصرى – وفقا لتقدير مبنى على آخر الأرقام المتاحة من عدة جهات بحثية – ، من مجموعة من المصادر وبالتالى سوف يختلف حتما سيناريو التعامل وفقا لدرجة وامكانية وتكلفة الفكاك منه .
وفيما يلى نستعرض بإيجاز كل نوع من تلك الأنواع ومن ثم نحاول مجرد الإقتراب من الحلول التى يمكن ان تلجأ اليها الحكومة لتقليص تلك الديون ساعية إلى عودتها إلى نسبتها المستهدفة :
اولا :- إعادة شراء السندات الدولارية
تمثل السندات الدولية (اليوروبوندز، السندات الخضراء، وسندات الساموراي والباندا) نسبة ضخمة من حجم الدين الخارجى تقترب من 30 إلى 35 مليار دولار. اى بنسبة تقدر بين ٢٠ ٪ الى ٢٢٪ من اجمالى حجم الدين الخارجى . ميزة هذه الكتلة أنها “سائلة”، وهي الأنسب لسيناريو “إعادة الشراء بخصم” من الأسواق العالمية و قد تلجأ الحكومة استثنائياً لاستخدام جزء محسوب من سيولتها الاحتياطية الدولارية لإعادة شراء جزئ من سنداتها الدولية المتداولة في الخارج بأسعار أقل من قيمتها الاسمية. هذه الآلية تتيح للدولة إعدام جزء من ديونها بتكلفة تقل بنسبة 20% أو 30% عن القيمة الحقيقية للدين، مما يوفر مليارات الدولارات .
ثانياً :- إعدام الديون المتبادلة
هذا السيناريو هو الوحيد الذي يتم فيه شطب الدين فوراً ، فقد تكون هناك اتفاقية “مقاصة” كبرى على سبيل المثال، إذا كانت هناك دولة دائنة لمصر، وفي نفس الوقت ترغب في الاستحواذ على أصول تم تقييمها والانتهاء من إجراءاتها قانونياً (مثل صفقة “رأس بناس” أو حصص في شركات كبرى) .وبعد التوقيع التوقيع، يسقط الرقم من خانة “الديون الخارجية” ويتحول لخانة “الاستثمارات الأجنبية”. هذا لا يحتاج لسنوات، بل يحتاج فقط لقرار سياسي وقانوني جاهز للإعلان ، يظل هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً وينطبق أيضا حال تحويل “ارصدة” الودائع الخليجية المتبقية طرف البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة. هذا التحرك لا يخفض رقم الدين فحسب، بل يحول الالتزامات المالية إلى مشروعات إنتاجية تخلق آلاف الوظائف وتدعم التشغيل، وهو ما يمثل “ضربة مزدوجة” لصالح الاقتصاد الكلى .
ثالثا :-الدين مقابل المناخ
تلك فكرة إبداعية ومقايضة ذكية ، وكانت مصر قد بدأت بتطبيقها على نطاق ضيق ويمكن التوسع فيها ، وتبرز “مبادلة الديون بالعمل المناخي”. وبموجبها يتم الاتفاق مع الدول الدائنة (خاصة الأوروبية) على شطب جزء من الديون مقابل إنفاق قيمتها بالجنيه المصري داخل مصر على مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية. ، والنتيجةً هى التخلص من دين بالدولار، وتحفيز نمو أخضر محلياً.
رابعاً :- الديون الثنائية
تمثل حوالي 15-18 مليار دولار. وبنسبة مقدرة نحو من ١٠٪ الى ١٢٪ ، وتستخدم غالباً لتمويل مشروعات محددة، هذه القروض لا يمكن شراؤها من السوق، بل تحتاج إلى “اتفاقيات سياسية” لمبادلتها بأصول أو العمل المناخي وهنا يأتي دور الصين كمثال بارز ، حيث الصين، تمتلك كتلة كبيرة من الديون المرتبطة ، بالبنية التحتية المصرية، قد تفتح الباب لمفاجأة من نوع خاص و تحويل جزء من هذه الديون إلى حصص ملكية في مناطق لوجستية أو موانئ استراتيجية ضمن طريق الحرير. هذا التوجه يضمن استدامة المشروعات ويخفف الضغط عن الموازنة العامة ..
خامساً :- جدولة الديون فى اطار من التفاهم السياسى الدولى
على غرار ما حدث في نادي باريس عام 1991، قد تنجح الدبلوماسية المصرية في تحويل “الثمن الاقتصادي” الذي تدفعه الدولة جراء الاضطرابات الإقليمية (مثل حرب غزة وتأثيرها على قناة السويس) إلى اتفاق دولي لإعادة جدولة الديون بشروط ميسرة جداً أو شطب أجزاء منها كدعم لاستقرارها وتعويضا عن خسائرها الكبيرة ،، وهذا ليس عيبا أدبياً او اقتصاديا فهكذا يتم تعويض الدول التى عانت من صدمات خارجية لا ذنب لها فيها رغم مساهمتها الايجابية فى تثبيت دعائم السلام الاقليمى والعالمى
.
سادسا :- ديون المؤسسات الدولية
تشمل قروض صندوق النقد الدولى ، بنك الاستثمار الاوروبى ، ..الخ ، وتقدر نسبتها إلى حجم الدين الخارجى ب ٣٣٪ إلى ٣٠٪ . مثل تلك القروض هى الأصعب، فهي لا تُشطب ولا تُباع بخصم، بل تُسدد في مواعيدها، لكن ميزتها أن فوائدها هي الأقل عالمياً .
ويمكن ان نضيف على الديون الدولية المديونيات الأخرى كالتسهيلات الإتمانية قصيرة الاجل والديون التجارية والقروض البنكية، وتلك دائماً ما يتصدى لها الجهاز المصرفى بما يملكه من صافى أصول النقد الاجنبى لديه .
سابعاً :- تصدير العقار بالدولار
أشار رئيس الوزراء سابقاً إلى هذا الملف، والعلاج المنتظر قد يساهم فيه فكرة ربط بيع العقارات للأجانب بتسوية ديون خارجية معينة أو عبر آلية تضمن تدفقاً دولارياً ضخماً يخصص حصرياً لـ “صندوق سداد الديون”.
المفاجأة ، التي يتحدث عنها رئيس الوزراء من المرجح أن تكون خليطاً بين “مبادلة ديون بأصول” و”اتفاقيات تمويل ميسرة جداً” لإعادة هيكلة الديون قصيرة الأجل وتحويلها إلى طويلة الأجل أو شطبها مقابل استثمار. إن ذلك بالطبع سينتج عنه خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى مستوياتها الطبيعية السابقة اى فى حدود ٤٠ ٪ وهذا يتطلب إما خفض “البسط” (رقم الدين نفسه) أو زيادة ضخمة في “المقام” (النمو الاقتصادي)، ويبدو أن الحكومة تعمل تعمل على الاثنين معاً.
إن خفض الدين ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق هدف أسمى يشعر به المواطن؛ فكل دولار يتم توفيره من “أقساط الديون” هو دولار يمكن توجيهه لدعم التعليم، الصحة، وزيادة الدخول الحقيقية. المفاجأة الحقيقية لن تكون في “شطب الرقم” فحسب، بل في قدرة هذه الخطوات على كبح التضخم وتحويل الاقتصاد من وضعية “سداد الفواتير” إلى وضعية “الإنتاج والتشغيل”







