د. محمد راشد: أسعار العقارات باتت انعكاساً مباشراً للتغيرات المناخية التي تتسارع عاماً بعد آخر

تغيّر المناخ… من تهديد بيئي إلى عامل اقتصادي مباشر

في يوم 9 ديسمبر، 2025 | بتوقيت 5:15 م

كتبت: شيرين محمد

أكد الدكتور محمد راشد، عضو غرفة صناعة التطوير العقاري بالاتحاد الأفرو آسيوي، وعضو المجلس التنفيذي للمجلس المصري للبناء الأخضر والمدن المستدامة، أن تغيّر المناخ لم يعد قضية بيئية فحسب، بل أصبح عاملاً اقتصادياً ضاغطاً يعيد تشكيل أسواق العقارات حول العالم. وأوضح أن ما يحدث في كاليفورنيا من حرائق، وفي أوروبا من فيضانات وجفاف، وفي مدن الشرق الأوسط الساحلية من مخاطر الغرق، يكشف بوضوح أن أسعار العقارات باتت انعكاساً مباشراً للتغيرات المناخية التي تتسارع عاماً بعد آخر، ومع تضاعف الخسائر المتوقعة خلال العقود المقبلة، يتجه المستثمرون والحكومات إلى قاعدة جديده وهي العقار القادر على مواجهة المناخ يربح، والمُعرّض للخطر يخسر.

كاليفورنيا… نموذج صارخ لضغط المناخ على السوق العقارية

وأوضح راشد أن كاليفورنيا علي سبيل المثال تقدّم نموذجاً واضحاً لتأثير المناخ على العقارات؛ حيث كشفت الدراسات أن المناطق القريبة من مواقع الحرائق شهدت انخفاضاً في الأسعار بنحو 2.2%. كما أدى انسحاب العديد من شركات التأمين وارتفاع الأقساط إلى مضاعفة الضغوط على السوق، في وقت تتوقع فيه تقديرات اقتصادية أن تفقد الولايات المتحدة ما يقرب من 1.47 تريليون دولار من قيمة المنازل بحلول منتصف القرن نتيجة تصاعد المخاطر المناخية، كما أشار راشد إلى أن القدرة على التأمين أصبحت اليوم عاملاً رئيسياً في تحديد القيمة السوقية للعقار، وهو ما جعل ما يُعرف بـ”مناطق الأمان” في الولاية أكثر جذباً للمشترين رغم ارتفاع أسعارها.

أوروبا… خسائر ممتدة بين الفيضانات والجفاف وتآكل السواحل

وأضاف راشد أن أوروبا تواجه واقعاً عقارياً جديداً بفعل الفيضانات والجفاف، حيث تشهد مناطق عديدة في ألمانيا والنمسا انخفاضاً في أسعار المنازل بنسب قد تصل إلى 45% في المناطق عالية المخاطر. كما تعاني إيطاليا من تراجع في أسعار العقارات ضمن المناطق المعرضة للفيضانات، بينما تواجه فرنسا ارتفاعاً كبيراً في مطالبات التأمين بسبب انكماش التربة. وأكد أن السواحل المتوسطية الأوروبية باتت مهددة بخسارة تصل إلى 21% من الناتج المحلي بنهاية القرن، ما يدفع الحكومات إلى إعادة رسم “خرائط عقارية” جديدة تفصل بين المناطق القابلة للاستثمار وتلك المهددة بيئياً.

الشرق الأوسط… تهديدات أكبر للإسكندرية ومدن الخليج

وذكر راشد إلى أن الشرق الأوسط يقف أمام مخاطر أكثر تعقيداً، بدءاً من الإسكندرية التي يتعرض ساحلها لتآكل سريع وصل إلى 3.5 متر سنوياً، ما تسبب في ارتفاع كبير في عدد المباني المنهارة. وتُظهر التحذيرات الدولية أن ارتفاع مستوى البحر قد يهدد أصولاً عقارية بمليارات الدولارات وسكاناً يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة ، وفي الخليج، تواجه العقارات الفاخرة تحديات مرتبطة بارتفاع مستوى البحر ودرجات الحرارة المرتفعة وتراجع الموارد المائية، ما يفرض تكاليف إضافية على مشاريع التطوير العقاري في الإمارات والسعودية.

العقارات المقاومة للمناخ… معيار القيمة الجديد

وأوضح راشد أن العالم يتجه نحو سوق جديدة للعقارات المقاومة للمناخ، حيث تزداد جاذبية المنازل المبنية بمواد صديقة للبيئة والمزوّدة بأنظمة حماية من الحرائق والفيضانات، وقد ارتفع الطلب في كاليفورنيا على المناطق الأقل عرضة للمخاطر، بينما أصبحت العقارات المرتفعة عن مستوى البحر أكثر قيمة في أوروبا، في حين تتسابق دول الشرق الأوسط لإدراج معايير الاستدامة في المشروعات الحديثة لتعزيز قدرتها الاستثمارية.

الأمن العقاري مرهون بالأمن المناخي

واختتم راشد بالتأكيد على أن العالم يشهد تحوّلاً جذرياً في نظرة المستثمرين للعقار، فالأمن العقاري بات مرتبطاً بالأمن المناخي، والمشروعات المقاومة للمخاطر أصبحت معيار القيمة الجديد، ومع توقع خسائر تريليونية بحلول منتصف القرن، فإن مستقبل الاستثمار العقاري في الشرق الأوسط والعالم يعتمد على سرعة الحكومات والمطورين في التكيف مع المتغيرات المناخية التي أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله.