التقرير الاقتصادى لبنك الكويت الوطنى : الإصلاحات الاقتصادية تساهم في الحفاظ على النمو والتعامل مع تداعيات الجائحة
في يوم 8 سبتمبر، 2021 | بتوقيت 4:40 م
كتبت: شيرين محمد
• تزايد الضغوط على الحساب الجاري، إلا ان الاحتياطيات الأجنبية ما زالت قوية والجنيه المصري حافظ على استقراره.
• توقع ثبات أسعار الفائدة خلال العام الجاري في ظل استقرار معدل التضخم ضمن النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري والبالغ 7% (± 2%).
• أي تهديدات محتملة ناجمة عن ظهور سلالات متحورة جديدة وتباطؤ تعافي الاقتصاد العالمي قد يؤثر سلباً على آفاق النمو.
كشف التقرير الاقتصادى الربعى الصادر عن قطاع البحوث ببنك الكويت الوطنى عن نجاح الاصلاحات الإقتصادية فى الحفاظ على معدلات نمو الاقتصاد المصرى والتعامل مع تداعيات جائحة كورونا ، حيث اكد التقرير ان الاقتصاد المصري حقق أداءاً أفضل مما كان متوقعاً على الرغم من تفشي جائحة كوفيد-19، وذلك بفضل تمكن السلطات المصرية من إدارة الازمة بفعالية ، إلا أن الاقتصاد المصري ما زال يرزح تحت الضغوط بسبب ظروف عدم اليقين المحيطة بالجائحة وإمكانية ظهور سلالات متحورة جديدة.
وأضاف التقرير انه بعد انخفاض حالات الإصابة خلال معظم فصل الصيف مقارنة بأعلى المستويات المسجلة التي بلغت 1,200 حالة في منتصف مايو، عادت الإصابات اليومية الجديدة للارتفاع مرة أخرى بعد اكتشاف الحالة الأولى من سلالة دلتا المتحورة في يوليو ، وبلغ إجمالي عدد الحالات المؤكدة نحو 290 ألف حالة وتجاوز العدد التراكمي للوفيات 16 ألف حالة وفاة في أغسطس. إلا أن نحو 3.2% فقط من السكان تم تلقيحهم بشكل كامل، بينما حصل 7.5 مليون شخص على جرعة واحدة على الأقل. ونتيجة لذلك، فرضت الحكومة إلزامية اللقاح على موظفي الحكومة وطلاب الجامعات والموظفين في المؤسسات التعليمية بداية من شهر أكتوبر.
استمرار تسارع وتيرة النمو الاقتصادي
يواصل الاقتصاد المصري التقدم في المسار السليم للتعافي من تداعيات الجائحة بصفة عامة وذلك بدعم من الإصلاحات الاقتصادية الجارية، إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً ملحوظاً بنسبة 7.7% على أساس سنوي في الربع الأخير من السنة المالية 2020/2021، المنتهية في يونيو الماضي، بعد أن انخفض بنسبة 1.7% خلال الفترة المماثلة من العام الماضي نتيجة للقيود المرتبطة بالجائحة. وبالتالي، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 3.3% للسنة المالية الكاملة (يوليو 2020 – يونيو 2021)، مقابل 3.6% في السنة السابقة بسبب ضعف النشاط الاقتصادي، خاصة في النصف الأول.
وفي هذا السياق، انخفض معدل البطالة هامشياً إلى 7.3% في الربع الثاني من عام 2021 مقابل 7.4% في الربع الرابع من عام 2020، وذلك بفضل إعادة فتح أنشطة الأعمال تدريجياً. وتتسق تلك البيانات حتى الآن مع أهداف خطة التنمية المستدامة متوسطة المدى (2018-2022) التي تهدف إلى خفض معدل البطالة إلى حوالي 7.3% بنهاية السنة المالية الحالية، مقابل مستويات الذروة التي وصلت إلى 9.6% في الربع الثاني من عام 2020. كما تهدف تلك الخطة أيضاً إلى خفض معدل النمو السكاني إلى حوالي 2% في السنة المالية 2021/2022 مقابل 2.56% في عام 2017 ومعدل الفقر إلى 28.5% مقابل 29.7% في العام الماضي.
ومن جهة أخرى، تراجع مؤشر مديري المشتريات إلى 49.1 في يوليو مقابل 49.9 في يونيو، فيما يعد أدنى قليلاً من مستوى 50 الذي يشير إلى “عدم التغيير”، إلا ان هناك تحسناً ملحوظاً مقارنة بالمستويات التي شهدناها خلال ذروة أزمة الجائحة (29.7 في أبريل) وأعلى من مستويات الربع السابق (48.7 في المتوسط في الربع الثاني من عام 2021).
ويعزى هذا الانخفاض الهامشي الذي سجله مؤشر مديري المشتريات في شهر يوليو إلى الحذر المستمر الذي انتاب قطاع أنشطة الأعمال في ظل استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بالجائحة، على الرغم من الانخفاض الحاد في حالات الإصابة الجديدة بالفيروس المسجلة في مصر خلال الشهر. ومن الجدير بالذكر أنه وعلى الرغم من إشارة تلك البيانات من حيث المبدأ إلى انكماش أنشطة القطاع الخاص، إلا أن تلك المستويات تتسق مع النمو القوي الذي سجله الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة الماضية. ومستقبلاً، ستستمر موجه تفاؤل قطاعات الأعمال تجاه آفاق النمو، إذ وصل مؤشر توقعات الإنتاج المستقبلي إلى 75.6 في يوليو مقابل 74.1 في يونيو.
ومع تخفيف التدابير الاحترازية مؤخراً وتسارع وتيرة برنامج طرح اللقاحات، توقع بنك الكويت الوطنى أن يواصل الاقتصاد تحسنه في الفترة القادمة. وقد يصل معدل النمو إلى نحو 5% على المدى المتوسط بفضل الاستفادة من التزام السلطات المستمر تجاه تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في غياب أي تهديد محتمل قد يفرضه ظهور سلالات متحورة من الفيروس أو تعرض الاقتصاد العالمي لانتكاسة جديدة.
تحسن أوضاع المالية العامة أكثر مما كان متوقعاً
وأشار التقرير الصادر عن بنك الكويت الوطنى عن تحسن وضع المالية العامة بفضل خفض الدعم وتحسن إدارة الدين العام. وتمكنت الحكومة من تحقيق فائض أولي (أي قبل سداد فوائد القروض) بنسبة 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020/2021، أي أعلى من المستوى المستهدف رسمياً البالغ 0.9% وتوقعات صندوق النقد البالغة 1%.
وتعكس تلك البيانات ارتفاع الإيرادات بنسبة 12% على أساس سنوي، متجاوزة معدل زيادة النفقات بنسبة 9%. ونتيجة لذلك، انخفض عجز الميزانية إلى 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020/2021 مقابل 8% قبل عام مسجلاً عجز أقل من المستهدف مبدئياً من قبل الحكومة البالغ 7.8%. وكان خفض تكاليف خدمة الدين إلى 36% من إجمالي النفقات خلال السنة المالية 2020/2021 مقابل 40% العام الماضي أحد أبرز العوامل الرئيسية التي ساهمت في تحقيق ذلك، بفضل الاستفادة من تغيير آجال استحقاق الديون وانخفاض أسعار الفائدة. وبالفعل نجحت الحكومة في إطالة آجال استحقاق الديون من أقل من 1.3 سنة قبل يونيو 2017 إلى 3.45 سنة في يونيو 2021.
ومثل الدول الأخرى، ارتفعت ديون مصر خلال الجائحة من 84.0% إلى 90.6% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020/2021 بسبب الارتفاع غير المتوقع في الإنفاق على الرعاية الصحية. إلا انه وعلى عكس معظم الدول الأخرى، انخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمستويات الذروة المسجلة قبل الجائحة والتي بلغت حينذاك 108% في السنة المالية 2016/2017. ومن المفترض أن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر مستقبلياً إلى حوالي 80% بنهاية يونيو 2022 مع محافظة الحكومة على التزامها بالإصلاحات المالية واستمرار النمو الاقتصادي. ويمكن أن يتقلص عجز الميزانية إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي قبل أن ينخفض إلى حوالي 6.5% في السنة المالية 2022/2023 بما يسمح بتوفير مستويات كافية من النفقات العامة لدعم النشاط الاقتصادي.
القطاع الخارجي يعاني من تدهور عائدات السياحة
أثرت الجائحة والقيود المفروضة على السفر الدولي على قطاع السياحة، مما أدى إلى اتساع فجوة عجز الحساب الجاري. إذ تضاعف العجز تقريباً في التسعة أشهر الأولى من السنة المالية 2020/2021 (يوليو – مارس) فيما يعزى بصفة رئيسية إلى انخفاض العائدات السياحية إلى 3.1 مليار دولار مقابل 9.6 مليار دولار العام الماضي.
إلا ان التحسن الذي شهدته مصر على صعيد صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات العاملين في الخارج وإيرادات قناة السويس ساهم في تحسين وضع ميزان المدفوعات بصفة عامة. إذ ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 47.3%، على أساس سنوي، في الربع الأول من عام 2021 مع نمو بنسبة 21.7%، على أساس سنوي، في إجمالي التدفقات إلى القطاع غير النفطي. كما واصلت تحويلات المصريين العاملين في الخارج اتجاهها التصاعدي، إذ ارتفعت بنسبة 13% لتصل إلى 28.5 مليار دولار خلال الأحد عشر شهراً الأولى من السنة المالية 2020/2021 (يوليو – مايو). هذا بالإضافة إلى ارتفاع عائدات قناة السويس بنسبة 11.2% على أساس سنوي خلال 8 أشهر (يناير – أغسطس) لتصل إلى 3.88 مليار دولار بفضل زيادة عدد السفن العابرة بنحو 15%. وقد يصل عجز الحساب الجاري إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020/2021 قبل أن يتحسن إلى حوالي 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة بالتزامن مع تلاشي تداعيات الجائحة.
ومن جهة أخرى، أدى تسارع وتيرة تدفقات رأس المال مؤخراً، ودعم صندوق النقد الدولي والاقتراض الخارجي إلى تعويض اتساع عجز الحساب الجاري، مما أدى إلى زيادة صافي الاحتياطيات الأجنبية التي ارتفعت إلى 40.6 مليار دولار في يوليو، بزيادة أكثر من 4 مليارات دولار مقارنة بأدنى مستوياتها المسجلة خلال الجائحة والتي بلغت 36 مليار دولار في مايو 2020. ومن المتوقع استمرار ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية، إذ خصص صندوق النقد الدولي ما يعادل 2.8 مليار دولار لمصر من مخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة لديه، إضافة إلى إصدار صكوك في النصف الأول من عام 2022.
كما ساهم التعافي التدريجي لمركز القطاع الخارجي على بقاء الجنيه المصري مستقراً على نطاق واسع مقابل الدولار الأمريكي وظل معدل تداول الدولار الأمريكي مستقراً عند مستوى 15.7 جنيه مصري في المتوسط خلال العام الحالي. ويعكس هذا الاستقرار تحسن أداء الاقتصاد الكلي بصفة عامة، ومعدلات الفائدة المرتفعة نسبياً، مما ساهم في الحفاظ على جاذبية العملة وترسيخ معنويات الثقة تجاه الإصلاحات الاقتصادية.
التضخم ما زال منخفضاً رغم تسارعه مؤخراً
بعد رفع تعرفة الكهرباء وأسعار السجائر مؤخراً، إلى جانب الزيادة المستمرة في تكاليف المواد الغذائية، ارتفعت أسعار المستهلك بأسرع وتيرة تشهدها منذ ديسمبر الماضي. وتسارع معدل التضخم للحضر إلى 5.4% في يوليو مقابل 4.6% في المتوسط على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2021، في ظل تزايد تكاليف المواد الغذائية والمشروبات – والتي تساهم بأكبر وزن نسبي لعنصر منفرد في سلة التضخم – بنسبة 4.8% على أساس سنوي مقابل 3.4% في يونيو. كما ارتفع معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني السلع المتقلبة، إلى 4.6% على أساس سنوي مقابل 3.8% في يونيو.
وخلال الأشهر المقبلة، من المتوقع أن ترتفع مستويات التضخم نظراً لإمكانية انعكاس ارتفاع أسعار الوقود مؤخراً بنهاية شهر يوليو على عناصر أخرى، كما قد ينعكس ذلك أيضاً على معدل التضخم الكلي للربع القادم. وقد يؤدي الإعلان الأخير عن امكانية رفع أسعار رغيف الخبز المدعوم إلى ارتفاع التضخم، وذلك على الرغم من عدم توافر تقديرات رسمية حتى الآن للتكاليف الجديدة.
وفي هذا السياق، أبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأخير في أغسطس عند مستويات عالية نسبياً (8.25-9.25%) للمرة السادسة على التوالي. ومع استمرار التضخم في حدود المستوى المستهدف البالغ 7% (± 2%)، من المستبعد أن يتخذ البنك المركزي أي إجراء هذا العام. كما لا توجد حاجة واضحة لرفع معدلات الفائدة في الوقت الحالي، نظراً لتحسن وتيرة النمو، وتزايد إمكانية رفع أسعار الفائدة العالمية والحاجة إلى الحفاظ على سعر فائدة حقيقي جذاب نسبياً (الفرق بين سعر الفائدة الاسمي ومعدل التضخم) لجذب تدفقات رأس المال.
قطاع البنوك ما يزال مرناً رغم الجائحة
يواصل القطاع المصرفي تحسين وضع السيولة وتعزيز ثقة المودعين بدعم من الاستجابة الملائمة للبنك المركزي خلال الجائحة. وقد بقيت نسبة القروض المتعثرة إلى إجمالي القروض منخفضة نسبياً عند 3.5% في الربع الأول من عام 2021 مقابل 3.6% في الربع الرابع من عام 2020 وعند 4.1% في الربع الأول من عام 2020.
وإلى جانب الجهود الحكومية لتقديم قروض ميسرة للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة، أطلق البنك المركزي مبادرة للتمويل العقاري يتم بموجبها تخصيص مبلغ 100 مليار جنيه مصري (6.4 مليار دولار) لتمويل شراء الوحدات السكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل بسعر عائد متناقص 3% لمدة تصل إلى 30 عاماً. من جهة أخرى، استمر الائتمان المحلي في تسجيل معدلات نمو مرتفعة بنسبة 11.6% وذلك على الرغم من تباطؤ وتيرة النمو مقارنة بالمستويات القياسية المسجلة بعد أن بدأت الانعكاسات الإيجابية للإجراءات الحكومية لتشجيع الإقراض في التلاشي. ومستقبلياً، من المتوقع أن يبقى نمو الائتمان قويا بدعم من التعافي التدريجي للاقتصاد والتوجيهات الواضحة التي توفرها السياسة النقدية المستقرة والمتسقة.
التحديات مستمرة وتتطلب جهودا متواصلة
نجحت مصر في إرساء أسس اقتصادية أكثر مرونة وتوازناً مما مكنها من إدارة ازمة تفشي جائحة كوفيد-19 دون تعطيل نشط الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية أو التأثير بشكل كبير على النمو. إلا ان حالة عدم اليقين بشأن تعافي الاقتصاد العالمي وإمكانية ظهور موجات جديدة من حالات الإصابة بالفيروس تعتبر من أبرز المخاطر الرئيسية المحيطة بآفاق النمو على المدى القريب. وفي ذات الوقت، يعتبر ارتفاع مستويات الدين العام والاحتياجات التمويلية الهائلة من العوامل الرئيسية التي قد تجعل مصر عرضة للصدمات الخارجية على المديين المتوسط والطويل. في غضون ذلك، يجب على الحكومة مواصلة الإصلاحات الهيكلية لتمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في دفع عجلة النمو، والحد من الفقر، وخلق فرص عمل مستدامة.