د. عبد الرحمن طه : السوق العقاري في سلطنة عُمان الجائزة الكبرى للمطورين

في يوم 30 نوفمبر، 2025 | بتوقيت 10:42 م

كتبت: شيرين محمد

اكد د. عبد الرحمن طه خبير اقتصادى يتجاوز السوق العقاري في سلطنة عُمان فكرة “النشاط العمراني” بمعناه التقليدي، لأنه يتحرك داخل شبكة جيو–اقتصادية أوسع بكثير تربط بين الموقع الجغرافي، حركة رؤوس الأموال الإقليمية، استقرار الاقتصاد الكلي، والتحولات الاستراتيجية في الخليج. فعُمان لا تعرض للمطورين مجرد أراضٍ أو تجمعات سكنية، بل تقدم مزيجًا استثنائيًا من الموقع والموارد والاستقرار والتشريعات يجعل الدخول إليها أشبه بالفوز بالجائزة الكبرى في خريطة التطوير العقاري العربي. والمنطلق الجوهري هو أن السلطنة تمتلك موقعًا جيو–اقتصاديًا فريدًا يضعها في قلب ممرات التجارة والطاقة بين آسيا والخليج وشرق إفريقيا، حيث تمر عبرها خطوط شحن ونقل استراتيجية تقلل تكاليف التشغيل وتفتح الباب أمام مشروعات لوجستية وصناعية مترابطة مع القطاع العقاري نفسه.

ويستمد السوق العُماني قوته من بنية اقتصادية حافظت على استقرار ملحوظ؛ فقد سجل الاقتصاد نموًا يقارب 3% في عام 2024، وانخفض الدين العام إلى حدود 30% من الناتج المحلي بعدما تجاوز 60% قبل خمس سنوات، وهو واحد من أسرع برامج الإصلاح المالي في الخليج. هذا الاستقرار مكّن السلطنة من ضخ استثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال عُماني في البنية التحتية ضمن رؤية “عُمان 2040”، التي لا تُعد خطة تنموية فقط، بل إطارًا يعيد تشكيل الجغرافيا العمرانية للبلاد عبر بناء مدن ذكية، وتطوير الساحل العُماني، وتوسيع المناطق الصناعية، وخلق طلب سكني وتجاري حقيقي طويل الأمد.

وتكتسب العقارات في عُمان ميزة جيو–اقتصادية قلّ أن توجد في منطقة الخليج: الطلب الحقيقي. فالسوق العُماني لا يقوم على المضاربات قصيرة الأجل التي ميزت أسواقًا أخرى، بل على احتياج فعلي للسكان والمقيمين والمستثمرين. بيانات 2024 تشير إلى أن قيمة التداولات العقارية تجاوزت 3.7 مليار ريال عُماني بزيادة 12%، ونما عدد السجلات العقارية الجديدة بنسبة 23%. هذه الأرقام لا تعكس نشاط بيع سريع، بل دورة طلب طويلة ترتبط بقطاعات العمل، التعليم، السياحة، والاستقرار السكني. ومع ارتفاع الطلب على السكن المتكامل بنسبة 27% خلال السنوات الخمس الماضية، أصبح السوق مهيئًا لمشروعات المدن المتكاملة التي تملك الشركات المصرية فيها خبرة تراكمية ضخمة.

وعلى المستوى الإقليمي، تلعب عُمان دور “السوق البديل” الذي يجذب رؤوس الأموال الخليجية الباحثة عن عوائد مستقرة ومخاطر أقل. فبينما تشهد أسواق معينة في الخليج دورات ارتفاع وانخفاض حادة، حافظت عُمان على عائد إيجاري بين 6% و8% في المشروعات المتوسطة والراقية، وهو أعلى من المتوسط الإقليمي. كما أن فتح التملك للأجانب وبرامج الإقامة الذهبية رفع عدد العقارات المباعة لغير العُمانيين بنسبة 38% خلال عامين فقط، وهو مؤشر على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن استقرار سياسي واقتصادي بعيد عن الذبذبات.

وتتعمق الأهمية الجيو–اقتصادية للسوق العُماني بالنظر إلى موقع السلطنة عند مدخل المحيط الهندي، وهي نقطة تتحكم في شرايين التجارة بين الهند وإفريقيا والخليج. هذا الموقع غير الخاضع لمضيق واحد مثل بعض الدول الأخرى يخلق بيئة آمنة لوجستيًا، مما يجعل المشروعات العقارية—خاصة الساحلية والسياحية—جزءًا من شبكة اقتصادية واسعة تشمل الموانئ والخدمات البحرية والشحن والتجارة. ومع توسع المنطقة الاقتصادية في الدقم وتحولها إلى مركز صناعي–لوجستي إقليمي، يصبح التطوير العقاري جزءًا من معادلة أوسع لخلق مدن صناعية وتجارية وسكنية مترابطة.

ومن هذا المنظور، يصبح دخول أي مطور عقاري إقليمي إلى عُمان ليس مجرد توسع جغرافي، بل دخولًا إلى منظومة جيو–اقتصادية كاملة تتقاطع فيها البنية التشريعية المستقرة، والنمو السكاني المتوازن، والموقع البحري المحوري، وتدفق الاستثمارات الخليجية، واستراتيجية 2040 التي تُعيد رسم خريطة التنمية. ولهذا فإن دخول مجموعة طلعت مصطفى وصبور وتطوير مصر للسوق العُماني لا يعادل صفقة عقارية، بل يمثل انتقالًا إلى مستوى جديد من المنافسة الإقليمية، لأن السلطنة اليوم واحدة من أهم النقاط الصاعدة في الخليج من حيث العائد، والاستقرار، والطلب الحقيقي، والقدرة على تمديد عمر الاستثمارات لسنوات طويلة دون مخاطرة عالية.
وبذلك يتضح أن السوق العُماني ليس مجرد فرصة، بل مكسب استراتيجي لأي مطور يفهم منطق الجيو–اقتصاد: أن الموقع أهم من المبنى، والاستقرار أقوى من الارتفاعات السريعة، والطلب الحقيقي أثمن من المضاربة. ومن هنا يأتي توصيفه بالجائزة الكبرى.