د.على عبد النبى : التعاون النووي “المصري الروسي” نموذج لشراكة استراتيجية تبني قدرات وطنية وتفتح آفاقًا تنموية جديدة
في يوم 28 نوفمبر، 2025 | بتوقيت 11:15 م

كتب: العالم اليوم
تقدم الأعمال بمشروع الضبعة وإنشاء قنوات إمداد وتصريف مياه التبريد من وإلي البحر..
تصنيع الطبقة الثانية للجدار الداخلي من هيكل وعاء الاحتواء للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة محليا ..
مركز تدريب مُخصص ومُجهز بأجهزة محاكاة كاملة وقاعات دراسية لتدريب الكوادر المصرية على عمليات تشغيل وصيانة وحدات محطة الضبعة النووية..
يتجاوز عدد العمالة 30 ألف عامل مصرى بمشروع الضبعة ..
=======
يمثل مشروع محطة الضبعة النووية أحد أهم المشروعات القومية في تاريخ مصر الحديث، ليس فقط لكونه المشروع النووي الأول من نوعه في البلاد، بل لأنه يجسد نموذجًا متكاملًا للتعاون الدولي ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات الوطنية. فمن خلال الشراكة المصرية–الروسية، شهد المشروع تقدمًا غير مسبوق في مجالات البناء والتدريب والتصنيع المحلي، إلى جانب تأسيس بنية تحتية علمية وصناعية تمتد آثارها لعقود مقبلة.
في هذا الحوار، يستعرض الخبير النووى الدكتور على عبد النبى نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا، ملامح هذا التعاون، وأبرز نجاحاته، وكيف يسهم في تطوير الكوادر المصرية، ودوره كنموذج دولي في مشروعات البنية التحتية الكبرى، إضافة إلى رؤى مستقبلية حول كيفية تعظيم الاستفادة من هذه التجربة الاستراتيجية.
إلى نص الحوار ..
■ من واقع خبرتكم الطويلة، ما أبرز الأمثلة الملموسة التي تعكس نجاح التعاون المصري–الروسي في مشروع الضبعة حتى الآن؟
هناك إنجازات ضخمة تمت في موقع الضبعة النووي، تعكس مدي التنسيق الوثيق بين الكوادر الروسية والمصرية، والالتزام بالجداول الزمنية، والتطوير الملحوظ في المشاركة المحلية. من أبرز أمثلة النجاح في مشروع الضبعة النووي، التقدم المطرد في أعمال البناء في جميع وحدات الطاقة النووية الأربعة، وإنشاء مركز تدريب متخصص للعمال المصريين، والتصنيع المحلي للمكونات الرئيسية لهيكل وعاء الاحتواء الداخلي، وتوفير اتفاقية لتوريد الوقود النووي وإدارة الوقود المحترق الخارج من قلب المفاعل.
علي مستوي البناء والبنية التحتية في الموقع فقد أدت الجهود المنسقة بين الكوادر الروسية والمصرية، إلى بدء أعمال البناء والتركيب على نطاق واسع في جميع وحدات الطاقة النووية الأربعة في موقع الضبعة. وهناك تطوير في البنية التحتية، نشاهده في تقدم الأعمال بشكل جيد في إنشاء قنوات إمداد وتصريف مياه التبريد من وإلي البحر.
أما علي مستوي تصنيع المكونات الرئيسية محليا، فقد تم تصنيع الطبقة الثانية للجدار الداخلي من هيكل وعاء الاحتواء للوحدة النووية الأولى محليا في موقع الضبعة، وهي خطوة مهمة في الاستفادة من القدرات المحلية.
في مجال الموارد البشرية والتدريب، فهناك مشاركة واسعة للقوى العاملة المصرية، حيث يعمل في تنفيذ المشروع حاليا أكثر من 24 ألف شخص يوميا، غالبيتهم من المصريين، مما يسهم في تطوير المهارات المحلية وخلق فرص العمل. وهناك مركز تدريب مُخصص ومُجهز بأجهزة محاكاة كاملة وقاعات دراسية، لتدريب الكوادر المصرية على عمليات تشغيل وصيانة وحدات محطة الضبعة النووية. ويتلقى حوالي 200 من الكوادر المصرية تدريبا في روسيا لدعم التشغيل الآمن والفعال للمحطة.
ونود أن نذكر أن هناك اتفاقيات تكميلية رئيسية وملاحق تعاقدية تم توقيعها لتسهيل بناء المحطة وإكمالها. حيث تم التوقيع علي الاتفاق التكميلي الحكومي بشأن بناء المحطة النووية ونظم الحماية المادية ذات الصلة، أي أنظمة أمن متطورة، حيث يشمل المشروع تصميم وتركيب أنظمة أمن متطورة، تضمن سلامة المحطة وفقا لمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
■ كيف أثرت الشراكة مع الجانب الروسي على رفع كفاءة الكوادر المصرية ؟
ساهمت شراكة مشروع الضبعة النووي مع روسيا في تحسين كفاءة الكوادر المصرية بشكل ملحوظ من خلال التدريب المكثف في الموقع، بما في ذلك استخدام أجهزة المحاكاة والمعدات المتخصصة في مركز تدريب مخصص، ومن خلال إشراك الشركات المحلية في أعمال البناء والتركيب لتعزيز الخبرات المحلية. وقد أدى هذا النهج إلى تطوير الكفاءات المحلية وخلق فرص عمل جديدة، مما ساهم في بناء قوة عاملة أكثر مهارة وجاهزة لتلبية أعلى المعايير العالمية لتشغيل مفاعلات الجيل الثالث المطور المتقدمة في المحطة.
كما ساهمت الشراكة في توفير بيئة تعليمية واقعية لآلاف العمال، فهناك برامج تدريبية مطورة، في مركز التدريب الجديد والمتطور في موقع محطة الضبعة النووية، والمُجهز بورش عمل وأجهزة محاكاة كاملة الحجم ومجموعة شاملة من المعدات الحرارية والميكانيكية والكهربائية. حيث تلتزم برامج التدريب بمعايير الصناعة النووية الروسية والمتطلبات الوطنية المصرية الخاصة، مما يضمن كفاءة القوى العاملة في تشغيل التكنولوجيا المتقدمة للمحطة. وهذا المركز يقوم بتقييم دقيق للمهارات، فهو يعمل أيضًا كمركز اختبار لتقييم مهارات وكفاءات الموظفين الجدد والحاليين، مما يضمن استيفائهم للمعايير العالية اللازمة لتشغيل آمن وفعال للمحطة.
كما ساهمت شراكة مصر مع روسيا في مشروع الضبعة النووي في تحسين كفاءة الكوادر المصرية، من خلال تنمية المهارات وتطوير الكفاءات المصرية من خلال إشراكهم في مرحلتي البناء والتركيب، مما يزيد من كفاءتهم في الهندسة المعقدة وإدارة المشاريع.
مشاركة العمالة المصرية في مشروع الضبعة النووي تعني أن هذا المشروع قد خلق فرص عمل جديدة تعد بآلاف الوظائف الجديدة، لا سيما في شركات المقاولات من الباطن، مما ساهم في نمو القوى العاملة المصرية.
هنا نأتي لأهم نقطة من وجهة نظري، وهي نقل التكنولوجيا، حيث تسهل هذه الشراكة لنقل التكنولوجيا ونقل الخبرات، مما يسمح للشركات المصرية بتعلم وتطبيق أفضل الممارسات من الشركة الروسية التي تقوم بتنفيذ المشروع. وخاصة وأن التركيز على تكنولوجيا المفاعلات المتقدمة، مفاعلات الجيل الثالث المطور، والمجهزة بأنظمة أمان متطورة جدا طبقا لأحدث معايير الأمان. فهناك فرصة لإتقان الأنظمة الجديدة، حيث يتلقى المهندسون والفنيون المصريون تدريبات صارمة، محليا وخارجيا، لإتقان تشغيل هذه المفاعلات المتطورة، وتعزيز الأمن التشغيلي والموثوقية العالية.
■ هل هناك مشروعات أو ممارسات محددة في الضبعة يمكن أن تصبح نموذجًا يُحتذى به للتعاون الدولي في مشروعات البنية التحتية الكبرى؟
يعتبر مشروع محطة الضبعة النووية أحد المشرعات العملاقة علي مستوي العالم، وتحديدا من حيث حجمه المادي، فموقع البناء ضخم، ويتجاوز عدد العمالة أثناء تنفيذ المشروع 30 ألف عامل في ذروته، مما يبرز حجم المشروع، ويعتبر مشروعا رائدا لمصر والقارة الأفريقية. كما أن المشروع يستخدم مفاعلات الجيل الثالث +، ملبيا بذلك متطلبات ما بعد فوكوشيما التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يجعله نموذجا يحتذى به في مجال التكنولوجيا النووية المتقدمة.
كما أن مشروع الضبعة النووي، يمتلك القدرة على أن يكون نموذجا يحتذى به للتعاون الدولي في مجال البنية التحتية الرئيسية، للأسباب التالية:
●المشروع يعتمد على اتفاقية حكومية دولية شاملة متينة بين روسيا ومصر، تحدد شراكة طويلة الأمد في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتشكل إطارا أساسيا للتعاون الدولي؛
●تقوم روسيا بنقل التكنولوجيا والخبرة في المفاعلات النووية VVER-1200 المتطورة إلى الكوادر المصرية، وتُقدم مساعدة شاملة في تدريب الكوادر على تشغيل وصيانة المحطة، وهو جانب بالغ الأهمية لبناء القدرات في الدول النامية، كما أن دعم فترة التشغيل طويل الأمد، يُقدم نهجا شاملا يُمكن أن يُلهم جهود البنية التحتية الدولية المستقبلية؛
● حزمة تمويل من روسيا، لتمويل المشروع، ويضمن شراكة مالية مهيكلة يمكن أن تشكل نموذجا لمشاريع أخرى واسعة النطاق تتطلب استثمارا أوليا كبيرا.
●نطاق واسع للمشروع، لا يقتصر على البناء فحسب، بل يمتدّ الاتفاق إلى ما هو أبعد من مرحلة الإنشاء ليشمل توريد الوقود النووي طوال دورة حياة المحطة، ودعم منشأة تخزين جاف للوقود المستهلَك، مما يظهر التزاما باستدامة المشروع على المدى الطويل؛
● يُعزّز المشروع التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر، و يُعزّز استقلالها في مجال الطاقة. يُصبح مشروع الضبعة نموذجًا يُحتذى به للدول الأفريقية الأخرى التي تتطلع إلى تطوير قطاعات الطاقة النووية الخاصة بها؛
● كما يهدف المشروع إلى توفير فوائد اقتصادية كبيرة من خلال خلق فرص عمل وتعزيز التكنولوجيا الصناعية في مصر، والتي يمكن أن تشكل نموذجا لمبادرات مماثلة في دول أخرى؛
●موافقة الجانب الروسي علي طلب الجانب المصري ميزات تصميمية محددة، مثل قدرة وعاء الاحتواء علي تحمل اصطدام طائرة وزنها 400 طن وتسير بسرعة 150 متر/الثانية، ومقاومة الزلازل وأنظمة متقدمة للتخلص من الحرارة، مما يوضح كيف يمكن للتعاون الدولي أن يدمج احتياجات الدولة المستفيدة والظروف المحلية في تصميم المشروع النووي.
■ من وجهة نظركم، كيف تضمن مصر الاستفادة القصوى من هذه التجربة على المدى الطويل، بما يتجاوز تشغيل المحطة إلى بناء قاعدة معرفية وصناعية قوية؟
تقوم مصر بتعظيم الفوائد طويلة المدى من مشروع الضبعة النووي من خلال تعزيز الخبرة التكنولوجية المحلية من خلال التدريب الشامل والبحث والتطوير المحلي، والاستفادة من المشروع لتطوير البنية التحتية والاقتصادية في المنطقة المحيطة، ودمج المشروع في استراتيجية وطنية للدبلوماسية النووية وبناء القدرات الإقليمية، مع وجود حلول فعالة وطويلة الأجل لإدارة النفايات. وبناء المعرفة والقدرات الصناعية من خلال:
●تطوير كوادر عاملة ماهرة، من خلال تنفيذ برامج تدريبية شاملة للمهندسين والفنيين المصريين في المراكز المحلية والدولية لضمان السيادة التكنولوجية والحد من الاعتماد على الخبراء الأجانب لتشغيل وصيانة المحطة؛
●تعزيز البحث والتطوير وتوسيع نطاق التعليم والتدريب المتخصص، بمعني إطلاق مبادرات بحث وتطوير فعالة، مع إمكانية الاعتماد على مفاعلات الأبحاث الحالية مثل مفاعل إنشاص، لتطوير تكنولوجيات وخبرات نووية متقدمة، ويعزز ذلك وجود مركز تدريب ميداني مزود بأجهزة محاكاة كاملة النطاق وهى موجودة بالفعل لإنشاء خط إمداد من المهنيين المهرة للصناعة النووية على المدى الطويل؛
● إنشاء سلاسل توريد محلية، من خلال تشجيع المشاركة المحلية في مرحلة تنفيذ المشروع واعمال الصيانة، والانتقال من عقد تسليم المفتاح إلى تعزيز قاعدة صناعية محلية للقطاع النووي؛
●تعزيز النمو الإقليمي، من خلال الاستثمار في الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية في منطقة الضبعة، مما يخلق فرص عمل طويلة الأجل ويدعم النمو الاقتصادي في التجارة والزراعة والسياحة.
●وضع مصر كنموذج يحتذى به للدول الأفريقية الأخرى المهتمة بالطاقة النووية، وتسهيل تبادل المعرفة وترسيخ مكانتها كقائدة في مجال التطوير النووي الإقليمي، أي من خلال قيمة مصر الاستراتيجية والدبلوماسية، تستطيع قيادة الدبلوماسية النووية في أفريقيا؛
●تعزيز استقلالية مصر في مجال الطاقة، أي تعزيز أمن الطاقة المصري، الذي يتطلب تنويع مصادر الطاقة في مصر، لضمان توافق مشروع محطة الضبعة النووي مع الاستراتيجية الوطنية الأوسع لمصر الخاصة بالتنمية المستدامة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة؛
●الاستفادة من مشروع الضبعة النووي للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والمساهمة في تحقيق أهداف مصر المناخية والجهود العالمية للتخفيف من آثار تغير المناخ.







