آفاقُ بناء قيمة مستدامة بالذكاء الاصطناعي المفتوح والقابل للتوسُّع

بقلم أنيربان موكيرجي، مدير هندسة الحلول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ريد هات

في يوم 8 أكتوبر، 2025 | بتوقيت 5:19 م

كتب: العالم اليوم

 مع ظهور تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وتحليلات البيانات، تعكف المؤسسات الخاصة والعامة حول العالم على إحداث تحول في طريقة عملها واتخاذ قراراتها وتقديم القيمة للعملاء في الزمن الفعلي. وفي هذا السباق نحو الاستفادة من الإمكانات الكاملة للأنظمة الذكية، لا يقتصر التميز على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، بل يشمل بناءه بشكل استراتيجي وآمن وبما يتوافق مع الأهداف التجارية طويلة المدى.

وهنا يبرز الذكاء الاصطناعي المفتوح والقابل للتوسع كعامل محوري؛ ففي حين أن خدمات الذكاء الاصطناعي الجاهزة والمستضافة على المنصات العامة والمبنية على نماذج ذات طبيعة خاصة تَعِدُ بتحقيق نتائج سريعة، إلا أنها غالباً ما تتجاهل عناصر التحكم طويلة المدى والامتثال والاستقلالية. لذلك فإن السؤال الحقيقي يتمحور حول من يملك التكنولوجيا، وليس كيفية استخدامها، على صعيد القيمة التجارية طويلة المدى والحوكمة والأمان. ويعد ذلك أمراً بالغ الأهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتسارع وتيرة التحول الرقمي، مدفوعاً بمبادرات طموحة تقودها الحكومات وتهدف إلى جعل المنطقة مركزاً عالمياً للابتكار.

من التطلعات الطموحة إلى الخطوات العملية

تستثمر منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي؛ فوفقاً لــــ“بي. دبليو. سي” (PwC فإن المنطقة في طريقها لتحقيق أكثر من 320 مليار دولار أمريكي من خلال استخدامالذكاء الاصطناعي بحلول العام 2030، حيث تتصدر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هذا المسار. وتسرّع الاستراتيجيات الوطنية وتيرة التحول الرقمي في جميع القطاعات، وهو ما يتجلى في طموح أبوظبي لتكون أول حكومة محلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في العالم خلال العامين القادمين بموجب استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية 2025-2027 إلى رؤية السعودية 2030.

وعلى الرغم من هذا الزخم، لا تزال العديد من الشركات في المنطقة في المراحل المبكرة إلى المتوسطة من اعتماد الذكاء الاصطناعي؛ فالعديد من الفرق التنفيذية في الشرق الأوسط حريصة على تبني الذكاء الاصطناعي، لكن أقسام تكنولوجيا المعلومات الداخلية غالباً ما تفتقر إلى الأدوات والأطر والمواهب اللازمة لاتخاذ هذه الخطوة بشكلٍ آمن وفعال. ونتيجة لذلك، تعتمد المؤسسات بشكل متزايد على الموردين الخارجيين، ما يعرضها لمخاطر مثل تكنولوجيا المعلومات الظلّية (Shadow IT) وخروقات البيانات وفقدان الاستقلالية الاستراتيجية.

فهم طبيعة الفجوة والعمل على معالجتها

تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي العامة أو المستضافة مزايا السرعة والراحة، إلا أن ذلك يترافق مع مقايضات كبيرة. وتستخدم هذه النماذج اليوم النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) ذات الطبيعة الخاصة مثل ChatGPT وGemini وClaude، أو يتم تدريبها على الإنترنت المفتوح، وليس على مجموعات البيانات الخاصة بالمؤسسات.

وبينما تبدو هذه النماذج متميزة في المهام العامة، إلا أنها غالباً ما تتعثر عند تطبيقها على حالات استخدام عالية التخصص أو خاضعة للتنظيم. والأهم من ذلك، يسبب تحميل البيانات التجارية السرية أو الحساسة إلى أنظمة الطرف الثالث مخاوف جدية بشأن الخصوصية والامتثال وسيادة البيانات، خاصة في قطاعات مثل الحكومة والرعاية الصحية والخدمات المصرفية والمالية. وتشمل أبرز المقايضات على هذا الصعيد:

1. أمن البيانات وتسرب الملكية الفكرية: إنَّ إرسال البيانات الخاصة إلى نماذج الطرف الثالث يعرض المعلومات الحساسة لخطر التسرب، كما أنَّ النماذج العامة يتم تدريبها على مجموعات بيانات عامة – وليس على بياناتٍ خاصةٍ بالمؤسسات – وهي توفر رؤية أو تحكماً محدوداً في مكان تدفق البيانات وكيفية استخدامها.
2. تحديات الامتثال والحوكمة: تتطلب البيئات التنظيمية مثل GDPR وHIPAA والتفويضات الخاصة بالقطاع ضوابط صارمة على موقع البيانات ومعالجتها والوصول إليها. وغالباً ما تعمل النماذج المستضافة في بيئات “الصندوق الأسود” التي لا يمكنها تلبية متطلبات التدقيق والامتثال.
3. قلة التخصيص: يتم تدريب النماذج الأساسية على مجموعات بياناتٍ عامة وشاملة. ويؤدي انعدام الوصول إلى قواعد المعرفة الداخلية وسجلات العملاء والبيانات الخاصة بمجال معين، إلى عمومية الاستجابة، مما يحد من جدوى استخدامها في سير العمل المؤسسي.

ولهذا السبب، وللتخفيف من هذه المخاطر وضمان استمرارية عملياتها في المستقبل، يجب على الشركات أن تدرك الحاجة إلى امتلاك البنية التحتية الخاصة بها للذكاء الاصطناعي، وأن تحول موقعها من “مستهلك للأدوات” إلى “باني للحلول”. ومن خلال تطوير حلول داخلية، يمكنها الحفاظ على السيطرة الكاملة على بياناتها، وتخصيص أنظمة الذكاء الاصطناعي لتعكس السياقات التجارية الخاصة بها، وضمان قابلية التوسع والحوكمة منذ البداية.

دور النماذج مفتوحة المصدر والذكاء الاصطناعي الخاص

بالنسبة للمؤسسات التي تتساءل من أين تبدأ، توفر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر أساساً قوياً وعملياً. وقد شهدت التقنيات مفتوحة المصدر “طفرةً في القدرات” خلال العامين الماضيين، فتفوقت نماذج مثل Llama وMistral وPhi-2 وQwenوDeepSeek وGranite وغيرها الكثير على النماذج ذات الطبيعة الخاصة في حالات الاستخدام المؤسسي. وعلى عكس المنصات ذات الطبيعة الخاصة، تقدم النماذج مفتوحة المصدر الشفافية والمرونة، وعائقاً أقل للدخول. وتوفر هذه المنظومة أساساً غنياً من الأدوات والنماذج والأطر التي تمكن المؤسسات من بناء حلول ذكاء اصطناعي مصممة خصيصاً لاحتياجاتها، دون قيود الارتباط ببائع معين أو البنى ذات الطبيعة الخاصة. وتمكن مرونة المصدر المفتوح المؤسسات من تجربة حلول الذكاء الاصطناعي والتكرار فيها وتوسيع نطاقها بطرق فعالة من حيث التكلفة ومتوافقة مع تفويضات الحوكمة والامتثال الداخلية.