الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية… خطوة استراتيجية لتعزيز الثقة مع مجتمع الأعمال
في يوم 1 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 12:39 م

يمثل إعلان وزارة المالية عن قرب إطلاق الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية تحولًا مهمًا في سياسات إدارة المنظومة الضريبية في مصر، إذ تهدف الدولة من خلال هذه الحزمة إلى ترسيخ شراكة حقيقية مع مجتمع الأعمال، عبر إجراءات أكثر كفاءة وشفافية تسهّل رد ضريبة القيمة المضافة وتسرّعها، بما ينعكس مباشرة على قدرة الشركات على التوسع والاستثمار.
هذه الخطوة تأتي في وقت تعمل فيه الحكومة على تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري إقليميًا ودوليًا، وجذب المزيد من الاستثمارات، بما يتماشى مع أهداف النمو الاقتصادي التي توقع صندوق النقد الدولي أن تصل إلى 3.8٪ خلال العام المالي 2024/2025.
الأثر المباشر على مجتمع الأعمال
تُعد الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية نقلة نوعية في العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، إذ تستهدف تحسين التدفقات النقدية للشركات عبر تسريع رد ضريبة القيمة المضافة وتبسيط الإجراءات الضريبية.
في السابق، كانت الشركات تعاني من طول فترة رد الضريبة، والتي كانت قد تمتد إلى ثلاثة أو ستة أشهر أو أكثر، ما كان يشكّل ضغطًا على السيولة التشغيلية ويؤثر في خطط التوسع والنمو.
أما مع الحزمة الثانية، فمن المتوقع أن تنخفض مدة رد الضريبة إلى ثلاثين حتى خمسة وأربعين يومًا فقط، وهو ما يمنح مجتمع الأعمال فرصة لإعادة توجيه موارده المالية نحو توسيع الإنتاج، وزيادة التوظيف، وتعزيز القدرة التصديرية.
كما أن التحول الرقمي للمنظومة الضريبية سيؤدي إلى تقليص الإجراءات البيروقراطية المعقدة، وتوفير بيئة عمل أكثر شفافية وسهولة، وهو ما سيعزز قدرة الشركات المصرية على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية.
نتائج الحزمة الأولى… مؤشرات نجاح واضحة
أثبتت الحزمة الأولى التي أطلقتها الحكومة العام الماضي نجاحًا كبيرًا، وهو ما يدعم التطلعات المرتبطة بالحزمة الثانية:
• تسوية أكثر من 37 ألف نزاع ضريبي بين الممولين ومصلحة الضرائب.
• تقديم 650 ألف إقرار ضريبي جديد أو معدل طوعيًا، أسفر عن تحصيل 77.9 مليار جنيه.
• استفادة 104 آلاف مشروع صغير ومتوسط من الحوافز الضريبية.
• تحقيق نمو في الإيرادات الضريبية بنسبة 35٪ دون فرض أي أعباء جديدة على الشركات أو الأفراد.
هذه الأرقام تؤكد أن مجتمع الأعمال يتجاوب بشكل إيجابي عندما تكون السياسات الحكومية واضحة، عادلة، وسهلة التطبيق.
موقع مصر بين الأسواق الإقليمية
توجه مصر نحو تقليص فترة رد ضريبة القيمة المضافة إلى ما بين 30 و45 يومًا يضعها في موقع تنافسي قوي مقارنة بالأسواق الإقليمية:
• الإمارات: تعتمد آلية الرد السريع خلال 21 يومًا، مما جعلها من أبرز وجهات الاستثمار في المنطقة.
• المغرب: طورت نظامًا إلكترونيًا لتتبع طلبات رد الضريبة، قلّص فترة الانتظار إلى نحو شهرين فقط.
• تركيا: تطبق نظام الرد التلقائي للشركات المصدّرة، مما يسرّع تدفقاتها النقدية ويعزز قدرتها على التوسع.
إن تحقيق مصر لفترة رد قصيرة يرفع من جاذبيتها الاستثمارية ويقربها من المعايير الدولية المعمول بها في الأسواق المتقدمة.
دروس من التجارب الدولية
تستفيد مصر من تجارب دول أخرى طورت أنظمتها الضريبية لتحقيق نتائج أكثر كفاءة:
• الهند: بعد تطبيق نظام VAT في عام 2005، طورت بنيتها التحتية الرقمية حتى أصبحت 95٪ من طلبات رد الضريبة تُنجز في أقل من 30 يومًا.
• نيجيريا: اعتمدت آلية تسمح للشركات بخصم الضريبة المتأخرة من التزاماتها الأخرى في حال تجاوزت فترة الرد 30 يومًا، وهو ما عزز الثقة في منظومتها الضريبية.
هذه النماذج الناجحة تقدم لمصر خريطة طريق لتحقيق أهداف الحزمة الثانية بكفاءة أكبر.
رؤية المؤسسات الدولية
تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن مصر تسير في مسار إصلاحي ناجح يهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وتحفيز الاستثمار، بينما أكد البنك الدولي أن تسريع رد ضريبة القيمة المضافة سيكون من بين العوامل الأساسية في تحفيز تنافسية الصادرات المصرية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
خاتمة
إطلاق الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية ليس مجرد إجراء مالي، بل خطوة استراتيجية تعكس تغييرًا في فلسفة العلاقة بين الدولة ومجتمع الأعمال.
فمن خلال تبسيط الإجراءات، وتسريع رد الضريبة، وتعزيز الشفافية، تفتح مصر أبوابًا جديدة أمام مجتمع الأعمال المحلي والدولي لاستثمار الفرص المتاحة، والمساهمة في تحقيق نمو اقتصادي مستدام يواكب تطلعات المستقبل.
الرسالة واضحة: مصر تتحرك بخطوات واثقة نحو بيئة أعمال أكثر كفاءة، والفرصة الآن أمام مجتمع الأعمال لتعزيز استثماراته واستغلال الدعم الحكومي بالشكل الأمثل.







