الخياط يكتب : تحديات وفرص دمج الطاقات المتجددة

في يوم 28 أغسطس، 2025 | بتوقيت 7:58 ص

كتب: بقلم🖋 د.محمد مصطفى الخياط

تنشغل فضاءات ورش العمل ومؤتمرات الطاقة في الآونة الأخيرة بآليات دمج مشروعات الطاقة المتجددة؛ طاقة شمسية، وطاقة رياح، في منظومات الطاقة الوطنية عامة، والطاقة الكهربائية خاصة بالدول المختلفة، وذلك في ظلِّ ما تحقق من إنجازات عالمية بنهاية عام 2024؛ إضافة 582 جيجاوات، الأمر الذي دعا الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أيرينا IRENA، أن تطلق عليه “عام الأرقام القياسية”، وإن كانت الأهداف التي أقرها مؤتمر الأطراف (COP 28) في دبي بدولة الإمارات العربية نوفمبر 2023 لا تزال بعيدة، من حيث رفع القدرات المركبة من المصادر المتجددة إلى ثلاثة أضعافها بحلول عام 2030، أي حوالي 11 ألف جيجاوات، تجنُّبًا لتجاوز درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.
في هذا الإطار يتبلور مفهوم الاندماج كمنهج حياة، بدلاً من قَصرِهِ على مجال الطاقة، ومن ثم يأتي التكامل بين عناصر ومكونات منظومة الطاقة تعظيمًا للموارد المتاحة في كل دولة؛ متجددة كانت أو غير متجددة. الأمر الذي من شأنه حصر وتقييم تلك الموارد وتحديد المتاحة منها والاحتياطيات، وكذلك الفهم الكامل لدور كل منها، بحيث يتولى القائمون على تخطيط الطاقة غزل نسيج متنوع ومتجانس يغطي الاحتياجات المختلفة من الطاقة بجودة عالية وتكاليف يسيرة.
في هذا الإطار يبرز دور الذكاء الاصطناعي وما يقدمه من أدوات تمكن من تعظيم القيمة المضافة للموارد المتجددة والتي يُنظر لها على أنها مصادر متغيرة، يرتبط إنتاجها بمستوى توافر المورد الطبيعي؛ فالخلايا الشمسية Photovoltaic يمكنها إنتاج كهرباء، وتستطيع المركزات الشمسية Concentrated Solar Power, CSP انتاج طاقة حرارية للأغراض المختلفة، على مدار ساعات النهار، وَفقَ مستويات الإشعاع الشمسي، وكذلك يتغير إنتاج توربينات الرياح مع اختلاف سرعات الرياح.
من ثم، تقدم برامج التنبؤ المستقبلي -والتي تتراوح عادة من يوم إلى ثلاثة أيام- صورة واضحة عن كل من سرعات الرياح والإشعاع الشمسي على مدار الساعة، مما ينعكس مباشرة في تعظيم الإنتاجية؛ مثال ذلك ترحيل توقيتات الصيانة الدورية للتوربينات إلى أوقات انخفاض سرعة الرياح، تحديد قدرات المحطات الحرارية، ولتكن التوربينات الغازية -اللازمة لتعويض الانخفاض في إنتاجية محطات الطاقة المتجددة- من ثمَّ فإن دمج نظم الذكاء الاصطناعي مع نظم التنبؤ يرفع من دقتها.
في ذات الصدد، توفر تقنيات تخزين الطاقة آلية ناجعة لدمج الطاقات المتجددة في منظومة إنتاج الكهرباء تتيح استخدام الطاقة الكهربائية المخزنة في بطاريات في أوقات الذروة وارتفاع الطلب.
الجدير بالذكر، أن أسعار البطاريات مثل ليثيوم-أيون وريدوكس Redox قد انخفضت بأكثر من 90% خلال العشر سنوات الماضية، مما جعلها بديلاً جذابًا سواء بدمجها مع مشروعات الخلايا الشمسية، أو إنشاء مجمعات بطارياتBattery Energy Storage System BESS تسمح باستقرار التغذية من الموارد المتجددة وبناء شبكة تتمتع بالمرونة Resilience  والقدرة على الصمود، وتعزيز الكفاءة، ليس هذا وحسب، بل إنها –تخزين الطاقة- تحول المصادر المتجددة المتقطعة إلى مصادر قابلة للإمداد بالطاقة عند الطلب Dispatchable Sources، شريطة مراعاة ضمان جودة المكونات واستيفائها المعايير القياسية للجودة.
ومع زيادة الاعتماد على نظم المعلومات وربط المحطات بنظم متابعة وتحكم عن بعد SCADA، يصبح استخدام برامج حماية ضد الفيروسات أمرًا حتميًا، وذلك لضمان التشغيل الآمن لتلك النظم، ولعل الكثيرين يتذكرون اختراق إسرائيل لشبكة أجهزة بيجر حزب الله في سبتمبر 2024 مما خَلَفَ إصابات فادحة على نطاقات جغرافية واسعة، ومن قبلها استهداف أجهزة الطرد المركزي بمفاعل نطنز الإيراني في يونيو 2010.
إن دمج الطاقات المتجددة في منظومة الطاقة الوطنية ليس غاية تقنية فحسب، بل هو مشروع متكامل يتطلب إدارة ذكية للموارد، وتخطيطًا طويل المدى، وحمايةً للبنية التحتية.
وإذا كانت السنوات الأخيرة قد أثبتت القدرة العالمية على تحقيق أرقام قياسية من حيث القدرات المتجددة المضافة سنويًا، فإن قياس النجاح يكون بقدرة الدول على دمج تلك القدرات داخل منظومات وطنية متكاملة وآمنة، تُلبي احتياجات الحاضر وتؤسس لمستقبل طاقة أكثر استدامة.
 
د.محمد مصطفى الخياط
[email protected]