《العالم اليوم》 تفتح ملف العصر النووى و《 خبراء》 : الطاقة النووية مستقبل مصر و قضية أمن قومي برؤية استراتيجية شاملة

محطة الضبعة النووية تعمل بأنظمة أمان ضد الهجمات و الحروب..

"روساتوم" قدمت مجموعات الوقود النووي من الجيل الخامس لتطوير التصنيع لوقود" اليورانيوم -البلوتونيوم" لمفاعلات VVER..

في يوم 2 يوليو، 2025 | بتوقيت 3:43 م

حوار: شيرين سامى

عبد الحميد الدسوقى :
العنصر البشرى والسلامة النووية حجر الزاوية فى مشروعات المحطات النووية

كريم الأدهم:
إعادة تدوير الوقود المستهلك يقلل الحاجة للتعدين والإثراء و يخفض التكاليف والتأثير البيئي

يسرى أبوشادى:
مفاعلات الضبعة بنيتها التحتية الرقمية محصنة ضد الهجمات السيبرانية والبرمجيات الخبيثة

=========
في زمن لم تعد فيه الطاقة مجرد محرك للتنمية، بل قضية أمن قومي ورؤية استراتيجية شاملة، تضع الدول الكبرى أوراقها على مائدة المستقبل نحو عصر الطاقة النووية. و تدخل مصر العصر النووي بالإرادة والعلم، من بوابة آمنة، مدروسة، وذات طابع تنموي شامل. و تنجح فى تحقيق حلم مصر النووى بتدشين مشروع محطة الضبعة النووية فهو ليس مجرد منشأة لتوليد الكهرباء، بل شهادة حضارية على قدرة الدولة المصرية على اقتحام الملفات التقنية الكبرى بثقة ووعي.

” العالم اليوم ” تفتح الملف، ليس فقط بهدف البحث عن إجابات تقنية، بل لرصد قراءة واعية لمستقبل الطاقة النووية في مصر..

تحديات الطاقة النووية

حول رؤية مسئول يقف في غرفة العمليات المركزية لواحد من أهم المشاريع في تاريخ الجمهورية الجديدة و هو مشروع محطة الضبعة النووية، نتحدث إلى أحد العقول التي تشارك في هذا الملف بالغ الحساسية، ألا و هو الدكتور عبد الحميد الدسوقي، مساعد رئيس هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء للمشروعات والدراسات، كأحد الأعمدة العلمية والإدارية التي تقف خلف هذا المشروع القومي. بسنوات من الخبرة، ومعرفة دقيقة بتفاصيل هذا القطاع، ورؤية تصنع المستقبل.
وبسؤاله عن التحديات الحقيقية التي تواجه تحويل الطاقة النووية إلى مصدر آمن ومستدام في الدول النامية، أكد أن الطاقة النووية تلعب دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إذ توفر طاقة نظيفة لا تنتج غازات دفيئة أثناء التشغيل، ما يحد من التلوث البيئي وتغيّر المناخ، ويُلبي احتياجات السكان المتزايدة للطاقة، ويساهم في إنتاج المياه النظيفة والهيدروجين الأخضر. مشيرا إلى أن هذا التحول يواجه تحديات عدة، أبرزها:
– ضرورة وجود إدارة عالية الكفاءة لإدارة مشروعات المحطات النووية.
– تأمين التمويل (المحلي والأجنبي) قبل بدء التنفيذ الفعلي لتجنب التكاليف الإضافية.
– استخدام تصاميم حديثة للمفاعلات لضمان أعلى درجات الأمان.
– التعاقد طويل الأمد لتوفير الوقود النووي.
– تجهيز مواقع تخزين النفايات النووية ذات الإشعاع العالي.
– توافر بنية تحتية نووية تساعد في تنفيذ المشاريع.
– وجود كوادر بشرية مؤهلة على أعلى مستوى.
و حول مدى اهمية قسم البحث والتطوير في روساتوم ، ومدى التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث في المشاريع البحثية. أكد أن البحث والتطوير جزء أساسي من استراتيجية روساتوم. حيث تطور روساتوم تصميم إنشاء تقنيات جديدة من أجيال المحطات النووية (من الجيل الأول مروراً بالجيل الثاني والثالث وصولاً إلى الجيل الثالث المطور III+)، بالإضافة إلى تطوير تقنيات جديدة للوقود النووي اللازم لتشغيل المحطات النووية، وكذلك تطوير تقنيات جديدة للحفاظ على النفايات النووية، خاصة الوقود المستهلك في المحطات النووية.
و أوضح ان روساتوم قدمت مؤخراً مجموعات الوقود النووي من الجيل الخامس TVS-5، مما يمكن من تصنيع حزم وقود VVER-1200 في وضع آلي بالكامل، وهو أمر ضروري لتطوير التصنيع على النطاق الصناعي لوقود اليورانيوم-البلوتونيوم لمفاعلات VVER.
من جهة أخرى، أكد ان قطاع البحث والتطوير يُعد أحد القطاعات المهمة لأي منظمة تعمل في مجال إنشاء وتشغيل وصيانة المحطات النووية قائلا :”يوجد قطاع للدراسات والتطوير في هيئة المحطات النووية باعتبارها المسؤولة عن إنشاء وتشغيل وصيانة المحطات النووية في جمهورية مصر العربية”.
و أضاف أن ،من مهام هذا القطاع إجراء دراسات تفصيلية وإبداء الآراء والمقترحات لكل جديد في مختلف مجالات محطات الطاقة النووية (التصميم، والإنشاء، والتشغيل، والصيانة).
و أوضح د.عبد الحميد الدسوقى أن هيئة المحطات النووية قد تعاونت مع العديد من مراكز البحوث المصرية في الدراسات المتعلقة بموقع المحطة النووية. كما وقعت الهيئة العديد من بروتوكولات التعاون مع الجامعات المصرية، على سبيل المثال: قسم الهندسة النووية والإشعاعية بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، وأكاديمية البحث العلمي، وتهدف هذه البروتوكولات إلى إجراء بحوث مشتركة في مختلف مجالات الطاقة النووية.
و شدد على أنه ،في أي مشروع نووي مهما كان طموحاً وكبيراً، تبقى السلامة النووية حجر الزاوية الذي لا يمكن لهذا المشروع أن يقوم إلا عليه. قائلا:”الأمر لا يتعلق فقط بإنتاج الطاقة، بل بضمان أن يتم ذلك في بيئة آمنة ومحكمة وخاضعة لأعلى معايير السلامة العالمية”

النفايات النووية

ونحو تناول أخر ، يسطع فى قلب هذه المنظومة، اسم الدكتور كريم الأدهم، أحد أبرز خبراء الطاقة النووية في مصر والعالم العربي، وصاحب مسيرة مهنية حافلة في مجال الأمان النووي، شغل خلالها منصب مدير مركز الأمان النووي.
و بسؤاله حول الآليات المستخدمة لتقليل النفايات النووية، وكيف تؤثر هذه الآليات على دورة الوقود النووي ، أوضح ان الدول والمنشآت النووية تعمل على تطوير آليات متقدمة لتقليل النفايات النووية الناتجة عن عمليات المفاعل وإدارة الوقود المستهلك. وتركز الجهود على تحسين كفاءة الوقود النووي من خلال تطوير مجموعات الوقود المتقدمة، مثل وقود الأكسيد المختلط (MOX)، الذي يتضمن إعادة استخدام البلوتونيوم واليورانيوم المنضب. موضحا أن هذا النهج يقلل من حجم النفايات المشعة عالية المستوى.كما يساهم إطالة فترة بقاء الوقود داخل المفاعل – من خلال تعزيز خصائصه الفيزيائية والكيميائية – في تقليل الحاجة إلى دورات إعادة تزويد متكررة، مما يؤثر إيجابياً على تقليل النفايات.
و أضاف ، انه بالتوازي مع ذلك تلعب تقنيات المفاعلات المتقدمة دوراً حيوياً في تقليل النفايات. كمفاعلات الجيل الرابع، مثل المفاعلات السريعة المبردة بالصوديوم ومفاعلات الملح المنصهر، و هى مصممة لتحقيق كفاءة أعلى في استخدام الوقود وحرق النفايات المشعة طويلة العمر، وتحويلها إلى عناصر أقل خطورة.
وفيما يتعلق بدورة الوقود النووي، أكد أن هذه الآليات تساهم في إطالة العمر المفيد للوقود وتقليل الاعتماد على اليورانيوم الطبيعي، مما يجعل الدورة النووية أكثر استدامة اقتصادياً وبيئياً. إضافة إلى ذلك، فإن إعادة تدوير الوقود المستهلك وإعادة دمجه في الدورة يقلل من الحاجة إلى التعدين والإثراء، مما يخفض التكاليف ويقلل من التأثير البيئي لهذه العمليات.
و شدد د.كريم الأدهم ، على أن الأمن النووي أيضاً عامل رئيسي في هذه المعادلة. حيث يتم تعزيز السلامة من خلال أنظمة مراقبة صارمة تمنع انتشار المواد النووية، بينما يتم تأمين مواقع التخزين والمعالجة ضد التهديدات الخارجية. كما أشار إلى أن ،التخزين الآمن في المستودعات الجيولوجية العميقة يضمن عزل النفايات الخطرة لآلاف السنين، بدعم من التطورات التكنولوجية مثل المواد النانوية لتحسين متانة حاويات التخزين.
موضحا أن عمليات محطة الطاقة النووية تنتج نفايات صلبة وسائلة وغازية. وفي الواقع، يتم إدارة النفايات النووية بشكل صحيح في الصناعة النووية (على عكس الصناعات الأخرى) والحجم صغير بشكل خاص.موضحا انه اعتماداً على التكنولوجيا المستخدمة في محطات الطاقة النووية، يتم تحويل النفايات السائلة إلى حالة صلبة، يتبعها تخزين النفايات المشعة الصلبة حتى دفنها النهائي.
و لفت د. كريم الأدهم إلى انه من حيث المبدأ، يجب أن تكون كمية هذه النفايات صغيرة. موضحا أن النفايات المشعة عالية المستوى الناتجة أثناء إعادة معالجة الوقود المستهلك، والتي تخضع للدفن، تمثل جزءاً صغيراً جداً (أقل من 1%) من إجمالي النفايات المشعة الناتجة في جميع مراحل دورة الوقود النووي.
وأضاف انه ،على مدار تاريخ إعادة تدوير الوقود النووي المستهلك في روسيا، من الممكن مقارنة حجم تلك النفايات بحجم كرة الجولف لكل شخص.
و اختتم حديثه قائلا :”أخيراً، يبقى العنصر البشري حجر زاوية في نجاح هذا النظام. مع التدريب المستمر للعاملين الذى يعزز الكفاءة التشغيلية ويقلل من الأخطاء البشرية، التي يمكن أن تساهم في خلاف ذلك في نفايات إضافية. وهذا يعزز ثقافة قوية للسلامة النووية ويضمن الاستدامة طويلة الأجل لهذه الصناعة الحيوية”.
 
محطة الضبعة النووية

على جانب أخر، نطرح رؤية أحد أعلام الطاقة النووية في مصر العالم الدكتور يسري أبو شادي أستاذ الطاقة النووية، وكبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا و بسؤاله حول ما الذى سيحدث لمحطة الضبعة النووية في مصر في حالة حدوث حرب عالمية أو حرب أهلية؟! أكد ان الإجابة على هذا السؤال بذات شقين:
أولاً، تُعد محطة الضبعة النووية من بين المنشآت الأولى التي توضع تحت أقصى تدابير الحماية نظراً لأهميتها الاستراتيجية كمكون من مكونات الأمن القومي.
ثانياً، مفاعل VVER-1200 الذي تبنته مصر مزود بأنظمة أمان نشطة متقدمة تعتمد على التصحيح التلقائي لأي إجراءات خاطئة من قبل العاملين، بالإضافة إلى تفعيل أنظمة حماية متعددة المستويات.
إضافة إلى أنظمة الأمان النشطة، حيث يوجد بأحدث أجيال المفاعلات النووية الجيل الثالث المطور ما يُسمى بالأنظمة السلبية التي تعمل بناءً على قوانين الطبيعة ولا تتطلب أي مصدر طاقة أو تدخل بشري أو نظام آلي.
و أوضح أن ،أنظمة الأمان السلبية تشمل مصيدة الوقود المنصهر، وهي أهم عنصر أمان في مفاعل الجيل الثالث المطور 1200. وتعمل على منع تسرب المواد المشعة مع الوقود المنصهر من قلب المفاعل إلى البيئة. وفي حالات الطوارئ، تسقط قضبان التحكم في قلب المفاعل تحت تأثير الجاذبية، مما يوقف التفاعل المتسلسل بسرعة.
و أوضح أن ،محطات الطاقة النووية المبنية باستخدام أحدث التكنولوجيا الروسية، يمكنها تحمل تصادمات الطائرات المباشرة والزلازل مع منع تسرب المواد المشعة إلى البيئة في الوقت نفسه. مشيرا إلى أن ،هذا التصميم المُختبر يوفر حماية قوية للغاية ضد معظم أشكال الهجوم التقليدي.
وحول مزايا المفاعل النووي الروسي VVER-1200 ، أكد أنه يمثل قفزة كبيرة في تكنولوجيا الطاقة النووية، كونه الجيل الأكثر تقدماً من سلسلة مفاعلات VVER، التي أثبتت كفاءتها منذ الثمانينيات. موضحا أن ،هذا التصميم الحديث يعد تطوير لمفاعل VVER-1000، الذي ينتج 1000 ميجاوات كهربائية.
و اشار إلى أن ، روسيا تعمل حالياً على توريد 39 وحدة مفاعل من أنواع وأحجام مختلفة عبر 10 دول، بما في ذلك الصين ومصر وتركيا والمجر والهند وبنجلاديش. أما بالنسبة لطراز VVER-1200، مثل محطة الضبعة النووية في مصر، فهناك حالياً ست وحدات تشغيلية (أربع في روسيا واثنتان في بيلاروسيا). أول مفاعل VVER-1200، نوفوفورونيج-2، تم ربطه بالشبكة في 2016، تبعه لينينجراد-2 في 2018، وبعد ذلك أربع وحدات إضافية في روسيا وبيلاروسيا.
و أشار د.يسرى أبو شادى إلى أن ،ما يميز هذا المفاعل حقاً هو سجل الأمان المثالي، حيث لم تُسجل أي حوادث أو تسريبات مشعة منذ بداية تشغيله الأول. ويُعزى هذا إلى تصميمه الهندسي الفريد، الذي يلتزم بأعلى معايير السلامة النووية، إلى جانب التحديثات المستمرة لأنظمة التشغيل والتحكم.
و لفت إلى أن ،كل مفاعل لديه قدرة إنتاجية تبلغ 1200 ميجاوات كهربائية، مما يعني أن إجمالي القدرة للوحدات الأربع في الضبعة ستصل إلى حوالي 4800 ميجاوات كهربائية. وبمجرد اكتمال المشروع بحلول عام 2030، ستمثل المحطة حوالي 13% من إجمالي توليد الكهرباء في البلاد.
و تابع : ان مفاعل VVER-1200 مصمم لتحمل الظروف القصوى، بما في ذلك الزلازل حتى 9.0 على مقياس ريختر، وموجات تسونامي، والأعاصير، والفيضانات الكبرى. كما أنه مُهندس لمقاومة التأثيرات الخارجية من الأجسام الكبيرة مثل الطائرات، ويتحمل التصادمات التي تنطوي على ما يصل إلى 400 طن بسرعة 200 متر في الثانية.
كما أوضح أن المفاعل يستخدم هيكل احتواء مزدوج: “غلاف خرساني داخلي مسبق الإجهاد مبطن بالفولاذ، وطبقة خارجية مصنوعة من خرسانة مسلحة خاصة بسُمك مجمع عدة أمتار” – مما يجعله منيعاً فعلياً أمام التهديدات أو القوى الخارجية.
وحول أنظمة التحكم في المفاعل أكد أنها تضمن سلامة تشغيلية كاملة. فهي مصممة خصيصاً للقضاء على مخاطر الخطأ البشري، سواء كان عرضياً أو مقصوداً. إضافة إلى ذلك، بنيته التحتية الرقمية محصنة ضد الهجمات السيبرانية والبرمجيات الخبيثة.
واكدد.يسرى أبو شادى فى ختام حديثه أنه ،من ناحية الأداء يتميز المفاعل بأعلى كفاءة حرارية في العالم، حيث ينتج 1200 ميجاوات كهربائية من 3200 ميجاوات حرارية. موضحا أن هذه الكفاءة العالية تسهل عملية تبريد المفاعل وتوفر ميزة حاسمة في السيناريوهات الطارئة لتعزيز السلامة أكثر، كما أن مفاعل VVER-1200 مجهز بأنظمة تبريد طوارئ للقلب قادرة على تقليل درجة حرارة قلب المفاعل بالكامل خلال 24 ساعة، مما يقلل بشكل كبير من مخاطر الحوادث الحرارية.