أرباح العاملين في مصر: الحقيقة الغائبة في تقييم الاستثمار
في يوم 25 يونيو، 2025 | بتوقيت 11:32 ص

كتب: تامر نصير
بقلم تامر نصير …شريك الصرائب
المحاسبون القانونيون المصريون
عضو الجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعما
في الوقت الذي يركّز فيه المستثمرون على الأرباح الصافية، والتدفقات النقدية، ونسب العائد، يغيب عن ذهن الكثيرين عنصر محوري يميّز السوق المصري عن غيره: نظام توزيعات الأرباح الإلزامية على العاملين.
ربما يظنه البعض مجرد “تكلفة إضافية”، أو “ميزة اجتماعية”، لكن الحقيقة أنه عنصر هيكلي يجب أن يُدمج بدقة في كل نموذج مالي وتحليل جدوى لأي شركة مصرية.
هذا النظام ليس اختيارياً ولا رمزياً، بل هو مستند دستوري وتشريعي ملزم، يُعيد تعريف مفهوم “صافي الربح” في السياق المحل.
أولاً: ما الذي يجب أن يعرفه المستثمر؟
ينص قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 صراحة على أن العاملين لهم نصيب لا يقل عن 10% من الأرباح القابلة للتوزيع، بشرط ألا يتجاوز هذا النصيب إجمالي الأجور السنوية.
هذا يعني ببساطة أن هناك اقتطاعًا إلزاميًا من الأرباح قبل أن تصل للمساهمين. وليس ذلك فحسب، بل إن أي فائض عن هذا السقف يذهب إلى صناديق خدمات العاملين، وليس إلى الأرباح المحتجزة أو التوزيع على الشركاء.
فهل تتخيل كم من المستثمرين يُقيّمون السهم ويحسبون ربحية السهم (EPS) دون إدخال هذا العنصر الجوهري؟! النتيجة: تقييم مضلل واستثمار مبني على فرضيات خاطئة.
ثانياً: نظام منصف… لكن له ثمن
لا خلاف على أن النظام يُجسّد فلسفة العدالة الاجتماعية، ويعزز الولاء والإنتاجية داخل الشركات، لكن هذا لا ينفي تكلفته المالية المباشرة.
إذ أن هذه التوزيعات تمثّل:
• خصمًا على صافي الربح القابل للتوزيع
• ضغطًا على السيولة النقدية
• قيدًا على الأرباح المحتجزة وبالتالي على فرص التوسع الذاتي
• وأثرًا على نسب التقييم مثل P/E وROE وEV/EBITDA
ناهيك عن أن هذه التوزيعات لا تُعفى ضريبيًا للشركات، فهي ليست مصروفًا يُخصم من الوعاء الضريبي، بل تُوزع من الأرباح بعد الضريبة. وفي المقابل، فإن العاملين لا يدفعون ضرائب على هذه الحصة (وفق المادة 13 من قانون الضريبة على الدخل)، وهو عنصر إيجابي يعزز من جدواها الاجتماعية.
ثالثاً: ما الذي يجب على المستثمر الذكي فعله؟
في بيئة استثمارية مثل مصر، من لا يفهم القواعد القانونية الحاكمة، لا يجب أن يغامر برأسماله. المطلوب ببساطة:
• دمج حصص العاملين في النماذج المالية باعتبارها تدفقًا نقديًا إلزاميًا
• تحليل فاتورة الأجور بدقة، كونها تؤثر على سقف ما يمكن توزيعه
• مراجعة سياسات توزيع الأرباح السابقة للشركة محل الاستثمار
• إعادة ضبط توقعات العائد على السهم بناءً على هذا العنصر
وبالنسبة لمن يسعى إلى الشفافية، فإن سؤالًا بسيطًا خلال العناية الواجبة قد يُجنبك استثمارًا مكلفًا: كيف تحسب الشركة حصة العاملين في الأرباح؟ وهل تحترم السقف القانوني؟
رابعًا: من عبء إلى فرصة
رغم الطابع الإلزامي، يمكن لنظام مشاركة الأرباح أن يتحول من عبء إلى أداة استراتيجية إذا ما دمجته الشركات في خطط التحفيز والإنتاجية.
فهو يخلق شعورًا بالملكية لدى العاملين، ويعزز العلاقة بين الأداء والمكافأة، خاصة إذا رُبط بمؤشرات محددة.
كما يمكن البناء عليه لتصميم برامج حوافز شاملة تشمل مكافآت الأداء وخطط أسهم (إذا سمح القانون بذلك)، بما يُعيد مواءمة المصالح بين العاملين والمساهمين
إذا كنت مستثمرًا يتطلع إلى السوق المصري، فاعلم أن قانون الأرباح على العاملين ليس بندًا هامشيًا في ذيل القوائم المالية.
إنه عنصر جوهري، قانوني، نقدي، واستراتيجي.
تجاهله خطأ فادح.
واحتواؤه في التحليل… هو ما يصنع الفرق بين مستثمر ناجح وآخر مخدوع.