د.حسين منصور مؤسس الهيئة القومية لسلامة الغذاء والرئيس الاسبق للهيئة ل ” العالم اليوم”: المواصفات القياسية”غير إلزامية” للغذاء ..ولا يجوز إلزام المنتجين بتطبيقها دون نشرها رسميا
في يوم 27 مايو، 2025 | بتوقيت 6:28 ص

كتب: مني البديوي
“وفقًا لدستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 2014 والمعدل في 2019 فإن النشر في الجريدة الرسمية يُعد شرطًا جوهريًا لنفاذ التشريعات حيث تنص المادة “225 “من الدستور على أنه:”لا تُنشر القوانين إلا في الجريدة الرسمية ويعمل بها من اليوم التالي لتاريخ نشرها ما لم يُحدد موعد آخر لذلك….وبالتالي لا يجوز تنفيذ أي قانون أو قرار تنظيمي قبل نشره رسميًا. .ويُعد النشر في الجريدة الرسمية ضمانًا لعلانية النصوص القانونية وتمكين جميع المخاطَبين بها سواء كانوا جهات تنفيذية أو أفرادًا أو أصحاب مصلحة من الاطلاع عليها…كما يُحقق مبدأ الشفافية ويمنع تطبيق القوانين بشكل انتقائي أو مفاجئ…وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذا المبدأ في حكمها في القضية رقم 36 لسنة 18 قضائية “دستورية” حيث قضت بأن نفاذ القاعدة القانونية مشروط بتحقق أمرين مترابطين اولهما نشرها في الجريدة الرسمية ، والثاني: انقضاء المدة المقررة لبدء سريانها..ومن ثم فإن غياب أي من هذين الشرطين يفقد التشريع صفته الإلزامية ويجعله غير قابل للتطبيق…” …بهذه العبارات التي نقلت جانب قانوني هام وإجراءات مهمة تسبق تنفيذ أي قرار أو قانون وربما يغفل الكثيرين عنها تحدث الدكتور حسين منصور مؤسس الهيئة القومية لسلامة الغذاء والرئيس الاسبق للهيئة
وعضو مجلس بحوث الزراعة والغذاء باكاديمية البحث العلمي في حواره مع ” العالم اليوم” تعليقا علي احد القضايا التي لازالت تثير لغط واسع رغم حسمها بالتعديلات الجديدة المرتقبة بقانون سلامة الغذاء رقم 1 لسنة 2017 والتي تعلقت بمدي إلزامية المواصفات القياسية بالنسبة للغذاء ، لافتا الي مشاركته مؤخرا باجتماع لجنة الصناعة بمجلس النواب والتي شهدت مناقشة التعديلات الجديدة المقرر الحاقها بقانون سلامة الغذاء وكيف انه قد تم إثارة كون المواصفات إلزامية أو غير إلزامية وبعد المناقشة وافق النواب بالاغلبية علي تطبيق الدستور والتشريعات وعدم إلزامية المواصفات.
وشدد علي انه لا يجوز إلزام المنتجين بالمواصفات القياسية دون نشرها رسميًا وانه إذا صدر قرار بإلزام الإنتاج طبقًا لمواصفة قياسية معينة فإن النص الكامل للمواصفة الواجب الالتزام بها يجب أن يُنشر في الجريدة الرسمية أو الوقائع المصرية ، مدللا علي ذلك بالقرار رقم 130 لسنة 2005 بشأن الالتزام بالمواصفات القياسية المصرية وكيف انه لا يمكن تنفيذه إلا إذا نُشرت نصوص المواصفات محل الإلزام وان الاكتفاء بالإشارة إلى رقم المواصفة دون نشرها يجعل القرار فاقدًا للصفة الإلزامية من الناحية القانونية.
واكد منصور انه يجب التمييز بين مفهومين أساسيين الاول سلامة الغذاء وهي مسألة سيادية تتعلق بحماية صحة الإنسان وتعد من مسؤوليات الدولة وتختص بها الهيئة القومية لسلامة الغذاء بموجب القانون رقم 1 لسنة 2017 وتكون والمعايير المرتبطة بها إلزامية وتصدر عن الهيئة بقرارات رسمية تُنشر في الجريدة الرسمية ولا تُدرج هذه المعايير على بطاقات المنتجات لكنها ملزمة قانونًا ، والثاني المواصفات القياسية و تتعلق بجودة المنتج ومدى توافقه مع تفضيلات المستهلك. وهي بطبيعتها غير إلزامية ما لم يعلن المنتج طوعًا التزامه بها، فإذا أدرج المنتج على العبوة أنها مطابقة لمواصفة معينة فإن ذلك يُعد التزامًا تعاقديًا ويُصبح ملزمًا له وأي مخالفة تُعد نوعًا من الغش التجاري ولهذا السبب غالبًا ما تُعد المواصفات القياسية من اختصاص القطاع الخاص أو الهيئات التي تضم ممثلين عنه على خلاف الجهات الحكومية المسؤولة عن سلامة الغذاء.
وتعليقا علي العلاقة بين الإلزام الوطني بالمعايير وبين التزامات مصر الدولية خاصة في إطار منظمة التجارة العالمية، اوضح منصور ان مصر قامت بالموافقة على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية من خلال التصديق على الاتفاقات الواردة في الوثيقة الختامية لجولة أوروجواي الموقعة في مراكش بتاريخ 15 أبريل 1994 وقد صدر بشأن ذلك القانون رقم 72 لسنة 1995 تحت مظلة اتفاقية الحواجز الفنية أمام التجارة، لافتا الي ان هناك تفرقة واضحة بين القواعد الفنية وهي ملزمة قانونًا وتحدد خصائص المنتج أو العمليات أو أساليب الإنتاج وتُعد جزءًا من منظومة التشريع الملزم ، والمواصفات القياسية وهي غير ملزمة في الأصل وتُستخدم كمرجعية إرشادية لتحسين الجودة
بالتالي، فإن نشر القرارات المتعلقة بسلامة الغذاء في الجريدة الرسمية إلى جانب إخطار منظمة التجارة العالمية بها يُعد التزامًا قانونيًا ودوليًا في آن واحد ويضمن لمصر احترام تعهداتها الدولية دون الإخلال بسيادتها التشريعية.
وحول مدى احترام الهيئة القومية لسلامة الغذاء لهذه الأطر الدستورية والدولية، قال منصور انه خلال فترة توليه رئاسة مجلس إدارة الهيئة تم إصدار قرارات ملزمة تتعلق بسلامة الغذاء وقد تم نشر جميع هذه القرارات في الجريدة الرسمية التزامًا بنصوص الدستور- على الرغم من التكلفة المالية العالية التي تخطت في بعض الحالات 8 ملايين جنيه للقرار الواحد – ، كما تم إخطار منظمة التجارة العالمية بجميع هذه الإجراءات طبقًا لما تفرضه اتفاقية الحواجز الفنية ولم تتلق مصر أي اعتراض من أي دولة عضو على هذه القرارات مما يدل على اتساقها مع المعايير الدولية والشفافية في التطبيق.
وبسؤاله عن اختلاف العلاقة بين مفهومي “سلامة الغذاء” و”جودة الغذاء” في القطاع الغذائي عنها في القطاعات الصناعية الأخرى، اوضح الدكتور حسين منصور ان العلاقة بين سلامة الغذاء وجودته تختلف عن نظيرتها في باقي القطاعات الصناعية من حيث الطبيعة القانونية والجهة المسؤولة ومدى الإلزامية ، لافتا الي ان الطبيعة القانونية والوظيفية في القطاع الصناعي غير الغذائي كثيرا ما تكون معايير السلامة والجودة متداخلة ومترابطة إذ تعد جودة المنتج من المعايير المؤثرة علي سلامته ” مثل جودة الخامات أو الدقة الهندسية في الأجهزة الكهربائية” ، أما في القطاع الغذائي فهناك فصل واضح بين سلامة الغذاء ” أي خلوه من الملوثات والسموم والمخاطر الصحية ” وجودته ” أي خصائصه الحسية والفيزيائية مثل الطعم والرائحة والقوام والتعبئة…الخ “.
واستطرد : ان الجهة المسؤولة في المنتجات الصناعية قد تتولى جهة واحدة أو هيئات المواصفات والرقابة علي الجانبين معا ، أما في الغذاء فسلامة الغذاء مسؤلية سيادية للدولة تمارسها جهات حكومية متخصصة ” كالهيئة القومية لسلامة الغذاء في مصر” ، ببنما الجودة غالبا ما تكون مسؤولية القطاع الخاص أو هيئات المواصفات الوطنية وينظر إليها باعتبارها ” ميزة سوقية” لا ” شرطا قانونيا” ما لم يتم الإعلان عنها طوعا.
وتابع : ان سلامة الغذاء إلزامية دائما
بغض النظر عن رغبة المنتج وتشمل الأغذية المعباة وغير المعباة ويتم إصدار قواعدها بقرارات رسمية تنشر وتطبق دون استثناء بينما الجودة اختيارية ما لم يعلن المنتج التزامه بها فمثلا إذا أعلن احد المنتجين ان منتجه مطابق لمواصفة قياسية معينة فإن ذلك يعد التزاما تعاقديا وأي مخالفة تعد غشا تجاريا .
وبالنسبة للتواصل مع المستهلك اوضح منصور انه في المنتجات الصناعية عادة ما يتم توضيح كل من مؤشرات السلامة والجودة علي العبوة او دليل الاستخدام، أما في الغذاء فمعايير السلامة لا تذكر علي البطاقة الغذائية لانها إلزاميةعامة ولا تخص منتج بعينه وتظهر فقط مؤشرات الجودة التي اختار المنتج الإفصاح عنها مثل ” خالي من الجلوتين” أو ” مطابق للمواصفة الأوروبية “.
وأشار إلي الخصوصية البيولوجية للغذاء ، موضحا ان الأغذية هي منتجات بيولوجية متغيرة بطبيعتها مثل ” اللبن واللحم والخضار ” وبالتالي فإن التحكم في سلامتها يتطلب أدوات رقابية متخصصة تختلف عن الفحوصات الصناعية بينما في المنتجات الصناعية الخطر غالبا يكون ميكانيكيا أو فيزيائيا ويمكن التحكم به بمعايير ثابتة نسبيا .
وأكد منصور ان العلاقة بين الجودة والسلامة في القطاع الغذائي أكثر تعقيدًا وتمايزًا عنها في غيره من القطاعات ، فسلامة الغذاء تمثل حدًا أدنى إلزاميًا لا يمكن التنازل عنه وهي مسؤولية الدولة، بينما الجودة تمثل “قيمة مضافة” يُسوق لها المنتج اختياريًا، ويُسأل عنها فقط إذا ألزم نفسه بها.
واضاف ان هذا التمايز ضروري للحفاظ على صحة المستهلك من جهة وتنظيم المنافسة السوقية العادلة من جهة أخرى.