د. عماد محمد مجاهد : بين صدقة السر وصدقة العلانية

في يوم 26 مارس، 2025 | بتوقيت 5:33 م

كتبت: شيرين محمد

يقول تعالي: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:271]
وسبب نزول الآية: لما نزل قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270] قالوا: يا رسول الله ، صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
فإن أظهرتم الصدقة فنعمَّ ما تفعلون؛ لتكونوا قدوة لغيركم، وإن أخفيتم الصدقة وأعطيتموها الفقراء فإن الله يكفر عنكم بذلك من سيئاتكم، والله خبير بالنية وراء إعلان الصدقة ووراء إخفاء الصدقة.
والتذييل في هذه الآية الكريمة يخدم قضية إبداء الصدقة وقضية إخفاء الصدقة، فالحق خبير بنية من أبدى الصدقة، فإن كان غنياً فعليه أن يبدي الصدقة حتى يحمي عرضه من وقوع الناس فيه؛ لأن الناس حين يعلمون بالغني فلابد أن يعلموا بإنفاق الغني، وإلا فقد يحسب الناس على الغني عطاء الله له، ولا يحسبون له النفقة في سبيل الله. لماذا؟ لأن الله يريد أن يحمي أعراض الناس من الناس .
أما إن كان الإنسان غير ظاهر الغنى فمن المستحسن أن يخفي الصدقة، وإن ظهرت الصدقة كما قلت ليتأسى الناس بك، وليس في ذهنك الرياء فهذا أيضا مطلوب، والحق يقول: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي إن الله يجازي على قدر نية العبد في الإبداء أو في الإخفاء.
أما قوله تعالى: { وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ }، فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية .
والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية، ولما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يرجع إليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ” .
فصدقة السر سببٌ من أسباب رضا الله عنك، روى الطبراني في الكبير عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء )، فاللهم أصلح سرنا وعلانيتنا وابعدنا عن الرياء وحبب إلينا الإخلاص في السر والعلن .

د .عماد محمد مجاهد
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف