الهيئة الشرعية للمصرف المتحد : نحو صيرفة إسلامية تنافسية

في يوم 23 مارس، 2025 | بتوقيت 3:09 م

كتبت: شيرين محمد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد…
إن استخدام التقدم التكنولوجي في الاعمال المصرفية تُعد أحد أهم عناصر التنافس في العصر الحديث، و الأخذ بالأساليب العلمية والتكنولوجية في غاية الأهمية سواء للمشروعات الإنتاجية أو الخدمية و بالأحرى المؤسسات المالية وخاصة البنوك خصوصاً تلك التي ترغب في المحافظة على مركزها التنافسي في السوق المصرفي ، فتعمل على إدخال التقنيات الحديثة لتزيد من الجودة كماً وكيفاً ، فتحقق معدلات أعلى بالربح وتخفض من تكلفة النفقات، أما الخدمات الرقمية في البنوك الإسلامية كحال البنوك عامةً واحدة من البواعث الدافعة للفرد على استثمار أمواله فيه ، لاسيما إذا ما عرف حداثة الأنظمة والتطبيقات التي يستخدمها البنك.
ولأن البنوك الإسلامية تهتم دوماً بالتأصيل للمعاملات من الناحية الشرعية فإن الامر يرجع بنا الى قاعدة فقهية مشتهرة عند الفقهاء هي أن: ” الأصل في المعاملات الإباحة حتى يقوم دليل التحريم ” وهي على خلاف العبادات حيث إن الأصل فيها التوقف؛ وإزاء هذا فإن الإنسان حرٌ في إنشاء ما يشاء من العقود وما يرى فيه مصلحة وما يحقق رغبتهما ومنها عقد البيع الإلكتروني، ما لم ترد أدلة على تحريمه، قال تعالى: ” وَقَدْفَصَّلَ لَكُم مَاحَرَّمَ عَلَيْكُمْ” سورة الانعام:الآية (119).
وحقيقة الخدمة الرقمية إنها عملية بيع أو إجارة أو وكالة في سلعة؛ أو خدمة؛ أو منفعة،ولا يتم تبادل السلعة أو الخدمة الابعد تسديد المشتري ثمنها عن طريق الخصم من رصيد الحساب لدى البنك،او حسب طريقة الدفع المتعاقد عليها. وعقد البيع الإلكتروني يكون واقعا على عين الشيء أو منفعته أو واقعا على الخدمة، وحكم التعاقد على ذلك يختلف بعضها عن بعض بسبب اختلاف تأصيلها الشرعي وتكييفها الفقهي، واقتضى ذلك بيان الأمر على وجه التفصيل الآتي:
(1) فمن المحتمل ان تكون السلعة موجودة وحاضرة وقت العقد، وغالبا ما تكون من السلع الرقمية، فالعقد في هذه الحالة عقد بيع مطلق، لأن البيع عبارة عن مبادلة مال بمال.
(2) وقد تكون السلعة غائبة وقت العقد إلاّ أنّه ستكون موجودة وحاضرة فيما بعد في المستقبل وغالبا ما تكون من السلع العينية وبعض أصحاب المشاريع التجارية يعملون وسطاء ليس لهم سلع يمتلكونها في أيديهم أصلا، أو أن السلع من المنفعة أو العمل وليس من الضروري أن تكون موجودة وقت العقد، لكنها مضمونة الوجود، ولا يدخل في بيع المعدوم. فإذا كان الأمر على هذه الحالة، فتكون لهذه الحالة ثلاث صور:
(‌أ) الصورة الاولى العقد يشبه فيها عقد السلم إذا كان سلعة عينية، لأن السلعة غائبة ولضرورة تسليم الثمن في مجلس العقد والسلعة متراخية في التسليم، وهو جائز لدخوله في البيع بشكل عام في قوله تعالى: ” وَأَحَلَ اللَّهُ الْبَيْعَ ” سورة البقرة: الآية (275) كما أن السلم جائزٌ ايضاً بتخصيص حديث النبي صلي الله عليه وسلم: ” مَن أسْلَفَ في شيءٍ، فَليسلف فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ،ووَزْنٍ مَعْلُومٍ،إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ ” ( رواه البخاري ).
(‌ب) الصورة الثانية يعتبر العقد عقد إجارة إذا كان قائم على منفعة، لأن الإجارة عبارة عن عقد معاوضة على تمليك منفعة في مقابل عوض معلوم ، والإجارة متعارف على شرعيتها لقوله تعالى : ” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَاأُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ” سورةالقصص : الآيات(26 ، 27 ).
(‌ج) الصورة الثالثة يكون العقد فيها عبارة عن بيع الخدمة، والخدمة لا تكون إلاّ إذا كانت متعلقة بالجهود البشرية سواء أكانت جسدية أم فكرية. فإذا كان العقد بهذه الصورة فهي من الإجارة على الأعمال ، وهى أحد أنواع الاجارة المجازة شرعاً وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ” احتجم وأعطى الحجام أجره ” ( متفق عليه ).
وعليه فإن اتفاقية الخدمات الرقمية لا تنفك عن كونها إما عقد بيع أوسلم أوعقد إجارةأوعقد وكالة ، فإذا كان الأمر كذلك فالعقد مختلط بسبب كونه مزيجا بين عقود متعددة، يسودها هدف واحد، فتصبح عقدا واحدا، كعقد الاشتراك في محفظة الهاتف الذي يدور بين عقد الإجارة وعقد الوكالة ، إذ إنّه عقد إيجار بالنسبة إلى المنافع المشتركة ، حيث يقوم به رجال المصلحة لتوصيل المشترك بغيره من المشتركين وعقد الوكالة عن العميل في السداد وابرام الاتفاق مع مؤدى الخدمة والخصم من الحساب قيمة الخدمة ومصاريف الوكالة في ذات الوقت او في وقت لاحق والوكالة مشروعة في ذلك لعموم قول الحق سبحانه وتعالى : ” فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىطَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ ” سورة الكهف : الآية (19).
وقد تتعدد صور الخدمات الرقمية أكثر من ذلك، فيفرد لكل صورة منها بحثاً مستقلاً في مدى شرعيتها، كما قد تتعدد البدائل الفقهية من وجهة نظر العلماء مثل الحوالة والكفالة والسمسرة وغيرها.