الهيئة الشرعية للمصرف المتحد : نحو صيرفة إسلامية شاملة

في يوم 16 مارس، 2025 | بتوقيت 2:39 م

كتبت: شيرين محمد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد …
ومن يحاول أن يفهم الشريعة على أنها قوانين مجردة ومعالجات لإصلاح طوائف المجتمع وتنظيم معاملاتهم من غير أن يربطها بالإسلام فلن يفهمها على وجهها الصحيح لأن الفهم السليم هو ما قام على رد الفروع إلى أصولها والنتائج إلى مقدماتها والأحكام إلى غاياتها من غير تعسف أو تحريف أو تعطيل.
وإذا كانت حكمة الله قد اقتضت أن يترك لنا مساحة كبيرة نجتهد فيها لأنفسنا ولمعاملاتنا، وأجاز أن يتعدد فيها الصواب وفقاً لمصالح الأمة وكانت معالم هذه الحكمة واضحة غاية ما يكون الوضوح عندما قال الله تعالى في كتابه الكريم : ” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ”سورة آل عمران :الآية ( 7 ) .
فكان التشريع الإسلامي يدور بين المحكم والمتشابه الذي ينبغي أن نستهدي في فهمه إلى أصول وقواعد، حيث نرده إلى المحكمات ونبحث من خلاله عن المصلحة.
ولم يختلف أحد على أن عالمية الإسلام وشموله أفضى إلى تغير الأحكام بتغير المكان والزمان والاحوال فلا يعقل أبداً أن يثبت الحكم على اختلاف الأزمنة والأمكنة فلم يقل أحد أن الشريعة جامدة ليس فيها سعة أو مرونة أو أنها تقف عند زمن واحد وفكر واحد بل إن هناك العديد من الأحكام التي أقر الفقه صراحة بلا مواربة بتغيرها بتغير الزمان، ومن أمثلة تغير الأحكام بتغير الزمان تضمين سيدنا علي رضي الله عنهالصناع إذا هلك ما تحت أيديهم من متاع ( أي تحميلهم المسئولية التعويضية عن الذي تلف تحت أيديهم من متاع دون أن يكون هناك خطأ راجع إليهم ) وذلك خلاف ما كان مُتبعاً من قبل ولما سئل علي رضي الله عنه في ذلك قال : “لا يُصلح الناس إلا ذاك” وذلك لما طرأ على الناس وخوفاً من ضياع الحقوق والاموال التي تحت يد الصناع.
وأيضاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن حبس ضالة الإبل ، كانت الإبل تضل من أصحابها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن الأمانة كانت مستطرقة في المجتمع بين جل الناس فكانوا يتركونها تأكل من المراعي وتشرب من الآبار إلى أن يبحث عنها صاحبها فيجدها؛ لذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن حبس ضالة الإبل حتى يأتي صاحبها فيعرفها ويأخذها، وظل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه على ذلك واستمر الحال في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذات الحكم ، ولما جاء زمن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فرأى تغير طباع الناس وأخلاقهم فأمر بحبس ضالة الإبل حتى يأتي صاحبها فيعرفها،ومما لا ينازع فيه أحد أن عصرنا حدثت فيه تغيرات ضخمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأصبح للعصر ضروراته وحاجاته وتلك الضرورات والحاجات ينبغي أن تفرض على الفقيه الاتجاه إلى مراعاة الواقع والاجتهاد له في الأحكام الفرعية سواء في العبادات أو المعاملات،هذه الضرورات هي التي جعلت علماء العصر لا يبطلون بيع المصحف لحاجة الناس إلى شرائه رغم نص كثير من الفقهاء ـ كالحنابلة والمالكية ـ على كراهة بيعه وتحريمه في بعض الاحيان.
وإذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية هي أعلى المصادر الأصلية في الفقه الإسلامي فإن المصالح المرسلة من أعلى المصادر التابعة،والاستصلاح في أصول الفقه هو بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة،وهي كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على اعتبارها ولم يرد فيه نص على إلغائها فهي تدخل في عموم المصالح التي تتجلى في اجتلاب المنافع واجتنابالمضار تلك المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها، وقد قال تعالى:” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ “سورة البقرة :الآية (185 ).
وختاماً فإن مبادئ الشريعة في مجال المعاملات والتي ورد بشأنها من آياتقرآنيةوأحاديث نبوية فضلاً عما ورد في سير الخلفاء الراشدين، والفقهاءنجملها فيما يلي:
• الطبيعة ملك لله تعالي وهي عطاء منه سبحانه للبشر منحهم حق الانتفاع بها وحرم عليهم افسادها وتدميرها.
• لكل انسان ان يعمل وينتج تحصيلاً للرزق من كافة وجوهه المشروعة
• الملكية الخاصة مشروعة وكذلك الملكية العامة وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها.
• الربح في الاستثمار يتحدد وفق اليات السوق والمخاطر التي يتحملها المستثمر.
• المشاركة في الأرباح والخسائر أقرب للعدالة بين المتشاركين.
• الأصل في المعاملات الاباحة، والاصل عند الاختلاف هو التيسير.
• وجوب الوفاء بشروط العقود من جميع الأطراف مع صحة العقد وخلوه من الغرر.
• لا يجوز العقاب في المعاملات المالية الا مع العمد أو الإهمال وضياع الحقوق.
• لفقراء الأمة حق مقرر في مال اغنيائها تنظمه الزكاة وهو حق لا يجوز تعطيله ولا منعه ولا الترخيص فيه من قبل أي عالم او حاكم ضمانا لسلامة الاقتصاد الاسلامي وترشيداً له.
• حرم الإسلام الاحتكار والربا والغش والتدليس والغرر والجهالةوكل ما يفضي الي منازعات بين افراد المجتمع سواء المسلمين أوغير المسلمين.
وتعتمد الهيئة الشرعية للمصرف المتحد في فتاواها وقراراتها على هذه المبادئ الاسلامية سالفة الذكر والحقوق الاقتصادية للإنسان في الاسلام التي اقرتها الشريعة، وهو يواطئ التسارع الكبير والتنافس الشديد في مجالات الصيرفة الاسلامية في مصر والعالم، وفى نهاية سلسلة مقالات الهيئة الشرعية للمصرف المتحد نتوجه بالدعاء الى الله ان يحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء، وان يعم الخير والازدهار على سائر العباد.