الهيئة الشرعية للمصرف المتحد : نحو صيرفة إسلامية متطورة
في يوم 2 مارس، 2025 | بتوقيت 4:17 م

كتبت: شيرين محمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد…
جعل الله عز وجل من أهم سنن الكون التطور والتغير المستمر، بل دعا سبحانه إلى التغيير نحو الأفضل ووعدهم بموافقة مرادهم فقال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” سورة الرعد: الآية (11)، وفي المقابل ذم الله اقواماً اكتفوا بما وصل إليه أجيال سابقة بدعوى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، ولقد صورهم الله في أكثر من موضع في كتابه العزيز ومنها قوله تعالى : ” بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ” سورة الزخرف: الآية ( 22 )،والتطور سمت بشري حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ” مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا” (رواه ابن ماجة في السنن).
وإن من أوجب ما يناله التطوير الأمور المرتبطة بمعيشة الناس وحياتهم؛ ومنها المعاملات المالية المعاصرة والمستحدثة وتمثلها في عصرنا الحاضر المعاملات المصرفية والعقود البنكية، ولعل نموذج الصيرفة الإسلامية القائم وما شهده من تطور على مدار ستين عاماً يرمى بظلاله على الأساليب الحديثة لتطوير الصيرفة الإسلامية، ومقوماته المهنية، وحدوده الشرعية، وبغيته النهائية، واختبار القدرة على تطبيق التطوير المطلوب في كافة نواحيه القانونية والشرعية وأنظمة الحاسب الالي وتوافر المهارات البشرية التي ستدفع بهذا التطوير نحو التنفيذ الجيد.
والإعداد الجيد لتنفيذ التطوير مطلباً شرعياً أصيلاً لا غنى عنه في جميع مراحله، ولقد ذكر الحق سبحانه في القرآن الكريم منبهاً لضرورة الاعداد الجيد فقال تعالى: ” وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ” سورة التوبة: الآية (46)، وقال عز وجل: ” أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” سورة الملك: الآية (22).
وتعتمد الصيرفة الإسلامية في تطويرها على ثلاث مقومات أساسية هي العلم، والخبرة، والاجتهاد الفقهي.
أما العلم فهو أساس التقدم، وعمود التطوير الراسخ؛ لاشتماله على المنهج العقلي في التفكير وطرح البدائل والمفاضلة بينها، وليس المقصود بالعلم في هذا المجال، العلم الشرعي وحسب بل هو أحد أوجه العلم المطلوبة في تطوير الصيرفة الإسلامية، ويلازمه فيها مجالات علمية متعددة كعلوم الاقتصاد والتجارة والبنوك، وعلوم أخرى مساندة لهما كعلم الإدارة والحاسب الالي والتكنولوجيا والأمن المعلوماتي وغيرها، وكل هذه العلوم وغيرها التي تدخل في خدمة الانسان وتطور من حياته دون إحداث إفساد أو تشويه، جميعها حبب إليها الشرع ورغب في تعلمها فقال جل شأنه: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” سورة المجادلة: الآية (11) ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ “(رواه ابن ماجة في السنن).
وأما العنصر الثاني من عناصر التطوير فهو الخبرة؛ والفارق بين العلم والخبرة كالفارق بين الفقيه والمفتي فالأول مدرك لطبيعة العلوم وتصنيفها وأحكامها، والآخر يدرك الواقع ومجالات التطبيق فضلاً عن سابق علم بفنون العلم وتصنيفاته، والحاجة لكليهما في التطوير بقدر المجال المراد تطويره، والصيرفة الإسلامية في تطويرها يجب ان تكون ميزاناً بين أهل العلم وأهل الخبرة؛ لأن طغيان أهل العلم قد يصيب المعالجة أثناء التطوير بشيء من الجمود فيضيق الواسع، والمبالغة في علو شأن الخبراء يعظم من شئون إدارة المال فيأتي في يعض الأحيان على حساب القيود الشرعية.
إن الالمام بصناعة المصرفية الإسلامية يتطلب نوعاً نادراً من الخبرات المتراكمة والخبير، يستطيع تولى صعاب الأمور بل ويتصدر لها في ثقة وقدرة على التطوير، ولنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مثالاً على ذلك حين سأل الملك أن يوليه على مصر ليجتاز الأزمة الاقتصادية التي مرت بها وذكر ربنا سبحانه ما دار بين يوسف عليه السلام وملك مصر فقال تعالى: ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” سورة يوسف: الآية(55)
وأخيراً فإن العنصر الثالث لتطوير الصيرفة الإسلامية يدور حول الاجتهادات الفقهية للنوازل والمعاملات المستحدثة للوقوف على طبيعة المعاملة واستنباط الاحكام الشرعية وضوابط العمل بها في ضوء مقاصد الشريعة واستناداً الى قياس العلماء المجتهدين أصحاب الفهم والبحث عن المخارج الشرعية للمحرمات دون الوقوع فيها، ولهذا أنشئت هيئات الرقابة الشرعية والمجامع الفقهية المختلفة، قال تعالى: ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ” سورة النحل: الآية (43).
إن العمل على تطوير نموذج الصيرفة الإسلامية عملٌ يستحق بذل الجهد لتوسيع دائرة الخبرات العلمية والاجتهادات الفقهية المشاركة في عمليات التطوير، وإعداد كوادر بشرية قادرة على مواكبة معطيات العصر وإيجاد الحلول المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.