” العالم اليوم ” ترصد ملامح خلق سوق محلى للهيدروجين الأخضر .. بين الدوافع و المكاسب و التحديات

- تكلفة إنتاج الكيلوجرام بإستخدام تقنية التحليل الكهربائي ستنخفض إلى ما بين 0.70 / 0.90 دولار

- توقعات بنمو الطلب على الهيدروجين الأخضر وصولا لحوالي 530 مليون طن بحلول 2050

في يوم 28 يوليو، 2021 | بتوقيت 9:12 ص

كتبت: شيرين سامى

– يتطلب استثمارات ضخمة لتلبية الطلب على التصدير تقدر بحوالى 2.1 تريليون دولار

– قرب مصر من أسواق الإستهلاك و إلتزامها بأن تكون ضمن أول قارة محايدة للكربون في العالم

– حجم سوق التصديق قد يصل ل 300 مليار دولار بما يوفر نحو 400 ألف فرصة عمل

– يلائم مخططات التنمية المستدامة لمساهمته فى صناعة السيارات الكهربائية التى تعمل بخلايا الوقود

– مواجهة التحديات الناتجة عن حداثة الصناعة وقلة الخبرات الدولية

————————————-

أثار دخول الهيدروجين الأخضر لسوق الطاقة العالمي ضجة ، حيث أننا أمام حقبة جديدة من الطاقة النظيفة و المتجددة ، و التى تنمو تدريجيا ، حيث وصل الإنتاج العالمي لمشاريع الهيدروجين الأخضر إلى 60 جيجا وات في عام 2020، بما يعادل إنتاج نحو 187.5 مليون خلية شمسية و25 ألف توربين رياح، ويكفي لإضاءة 6.6 مليار مصباح ليد.
و فى ذات السياق ساهمت جائحة فيروس كورونا في تسريع الاتجاه نحو التخلي عن الكربون مع تقليل الطلب على الهيدروكربونات بشكل كبير، فضلًا عن انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، بما ينذر بالنمو في قطاع الهيدروجين الأخضر خلال العقود المقبلة.

توطين

و فى هذا الصدر اصدر المركز المصرى للفكر و الدراسات الإستراتيجية ، دراسة ، رصد من خلالها دوافع الاتجاه للهيدروجين الأخضر ، و المميزات و التحديات ، و دوره فى فتح مجالات جديدة للاستثمار .
و ذكرت الدراسة ، أن مصر خطت أولى خطواتها نحو توطين صناعة الهيدروجين الأخضر؛ إذ شهد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ، مراسم توقيع اتفاقية بين وزارات الكهرباء والبترول والقوات البحرية مع شركة “ديمي” البلجيكية للبدء في الدراسات الخاصة بمشروع إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر ، سبقها التوقيع على اتفاق نوايا مع شركة سيمنز الألمانية ، للبدء في مناقشات ودراسات لتنفيذ مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بمصر ، بالإضافة إلى اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرؤساء التنفيذيين لشركات “ديمي” لأعمال التكريك وميناء “أنتويرب” و”فلوكسي” لبحث الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

تغيرات مناخية

و أفادت ان الهيدروجين الأخضر يتفق مع الجهود العالمية لمعالجة التغيرات المناخية ومكافحة الاحتباس الحراري وحماية البيئة، لكونه يعتمد على إزالة الكربون وتقليص نسبته في الهواء ، لكنه في الوقت ذاته، يحتوي على ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها رطل الوقود الأحفوري، ما يوسع قطاعات استخداماته لتشمل الطائرات، والسفن، والشاحنات التي تقطع مسافات طويلة، والصناعات الثقيلة، التي تواجه مشكلات في استغلال طاقة الشمس والرياح، نظرا للكم الهائل من الطاقة الذي تحتاجه ويتعدى القدرات الحالية لهذه الأنواع ، و فى هذا الشأن ، فقد استجابت استراتيجية مصر للطاقـة المتكاملـة والمسـتدامة حتـى عـام 2035 للجهود العالمية للحد من انبعاثات الكربون عبر إحلال مصادر الطاقة المتجددة محل التقليدية، لتبلغ نسبتها ضمن مزيج الطاقة الكهربائية 20% عام 2022، وترتفع إلى 37% عام 2030، ثم إلى 42% عام 2035، وبالتالي يُمكن أن ينضم الهيدروجين الأخضر لمزيج الطاقة المتجددة المصرية.

مميزات

و اشارت الدراسة إلى مميزات الهيدروجين الأخضر حيث أنه متعدد الاستخدامات ، و يمكن استخدامه في كل من الحالة الغازية والسائلة، وتحويله إلى وقود أو كهرباء، ويتم إنتاجه ونقله في أي مكان وتخزينه لفترات طويلة من الزمن؛ إذ يُمكن تخزينه في خطوط أنابيب الغاز الموجودة حاليًا لتزويد المنازل بالطاقة ، علاوة على ذلك، يُمكن تشغيل أي شيء يستخدم الكهرباء بواسطة الهيدروجين الأخضر عند استخدامه مع خلايا الوقود التي لا تحتاج إلى إعادة شحنها طالما أنها تحتوي على وقود الهيدروجين، على عكس البطاريات.

تحديات

على الجانب الأخر ، ألقت الدراسة الضوء على التحديات التى تواجه الهيدروجين الأخضر ، حيث انه قابل للاشتعال، ولكن نظرًا لخفته – أخف بحوالي 57 مرة من أبخرة البنزين – يُمكن أن ينتشر في الغلاف الجوي بسرعة، ما يشكل ميزة أمان.

هذا بالإضافة إلى أن تكلفة إنتاجه مازالت مرتفعة ، بالنظر إلى أن حصة الكهرباء تمثل 50% من تكاليف التشغيل لعمليات التحليل الكهربائي PEM، لكن مع التوسع في محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستنخفض تكاليف تلك العملية ، و لمواجهة هذا التحدى ، فقد أطلق سبعة من أكبر مطوري مشاريع الهيدروجين الأخضر مبادرة “Green Hydrogen Catapult” تهدف لخفض تكلفة إنتاجه إلى أقل من 2 دولار/كجم ، وتقدر شركة “Strategy &” أن تكلفة إنتاج كيلوجرام من الهيدروجين الأخضر باستخدام تقنية التحليل الكهربائي ستنخفض إلى ما بين 0.70 و0.90 دولار بحلول 2050.

و أضافت الدراسة ، ان من بين التحديات أيضًا الحاجة إلى استثمارات ضخمة؛ إذ تقدر تلك اللازمة لتلبية الطلب على تصدير الهيدروجين الأخضر في عام 2050 بحوالي 2.1 تريليون دولار، موزعة كالتالي:
1 تريليون دولار لبناء قدرة مخصصة للطاقة المتجددة، و900 مليار دولار لإنشاء مرافق تحويل وتصدير الهيدروجين، و200 مليار دولار لتطوير مرافق التحليل الكهربائي للمياه.

تصدير

و أشارت الدراسة ، إلى تعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للطاقة ، حيث تتمتع بفرص كبيرة للاستفادة من أسواق تصدير الطاقة المتجددة وخدمة الطلب المستقبلي على الطاقة الخالية من الكربون، نظرًا لمواردها الوفيرة من الطاقة المتجددة، فضلاً عن قربها من الأسواق الاستهلاك الرئيسية، مثل الاتحاد الأوروبي، في ظل التزام المفوضية الأوروبية بإزالة الكربون بالكامل من اقتصاد الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050 ، لتكون أول قارة محايدة الكربون في العالم، وهو ما لن يتحقق بالإنتاج الداخلي فقط، وستحتاج أوروبا في الغالب إلى الاستعانة بمصادر خارجية سيكون في مقدمتها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

و ذكرت الدراسة ، أن مصر تسعى لحجز مقعدها مبكرًا في سوق تصدير الهيدروجين الأخضر والاستفادة من مزاياه الاقتصادية، خاصة إذ علمنا أن نمو الطلب على الهيدروجين الأخضر من المتوقع أن يصل إلى حوالي 530 مليون طن ، ويحتمل أن يزيح ما يقرب من 10.4 مليار برميل من النفط المكافئ (37% من إنتاج النفط العالمي قبل جائحة كورونا) بحلول عام 2050، ما يعني أن حجم سوق التصديق قد يصل 300 مليار دولار بحلول نفس العام، بما يوفر نحو 400 ألف فرصة عمل ، وبالفعل تزايد الطلب على الهيدروجين بوتيرة ثابتة على مدى العقود الأربعة الماضية ووصل إلى 62 مليون طن في عام 2018، أي أكثر من ثلاثة أضعاف مستواه في عام 1980.

استثمار

و اكدت الدراسة على أن مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر تفتح فرصًا جديدة لجذب الاستثمارات الخارجية والداخلية وفتح مجالات جديدة أمام مستثمري القطاع الخاص للمشاركة في المشاريع ذات الربحية المرتفعة؛ ففي فبراير 2020، التقى وفد من شركة جنرال إلكتريك مع وزير الكهرباء لعرض إطلاق مشاريع الطاقة المتجددة في مصر باستخدام الهيدروجين، في محاولة للاستفادة من الطلب على أحدث الاتجاهات التكنولوجية المبتكرة في مصادر الطاقة المتجددة.
كما أعلن ممثلو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لوزير الكهرباء، خلال زيارتهم في فبراير 2020 أيضًا، أنهم على استعداد للاستثمار في الهيدروجين الأخضر في مصر. علاوة على ذلك، ناقش السفير الفرنسي بالقاهرة ستيفان روماتيه، ومدير فرع الوكالة الفرنسية للتنمية بمصر فابيو جرازي، مع وزير الكهرباء فرص الاستثمار والتعاون في إنتاج الكهرباء من الهيدروجين الأخضر.

سيارات خلايا الوقود

و أشارت الدراسة إلى ملائمة الهيدروجين الأخضر مع مخططات التنمية المستدامة ، لإمكانية مساهمته في تنويع قطاع صناعة السيارات الكهربائية عبر صنع سيارات تعمل بخلايا الوقود التي يتم شحنها عن طريق ملء الخزان بالهيدروجين وتحويله إلى كهرباء من خلال خلايا الوقود، وتكون في هذه الحالة أكثر فاعلية من حيث التكلفة من تلك التي تعمل ببطاريات الليثيوم، وتجد سوقها في البلدان التي ترتفع فيها أسعار الكهرباء، فضلًا عن أن السيارات بتلك التقنية لا تحتاج سوى دقائق لشحنها بعكس البطاريات التي تحتاج لساعات.

مواجهة التحديات

و حول سبل مواجهة التحديات ، اكدت الدراسة أن الأمر لا يتعلق بدولة بعينها وإنما ترتبط تلك التحديات بحداثة الصناعة وقلة الخبرات الدولية بشأنها، و فيما يخص أبرز التحديات التي يُمكن أن تواجه مصر وسُبل التغلب عليها فتتمثل فى 4 نقاط و هى كالتالى :
• بناء إطار تشريعي لتنظيم عمليات إنتاج وتخزين ونقل الهيدروجين، وتحديد ضوابط وطرق الاستثمار في هذا القطاع.
• طرق النقل والتصدير حيث يتطلب نقل الهيدروجين الأخضر توافر شاحنات صهاريج سائلة منخفضة الحرارة أو خطوط أنابيب مخصصة أو مقطورات أنبوبية تحمل الهيدروجين الغازي ،وتتمثل البدائل في :
– استخدام البنية التحتية للغاز الطبيعي.
– تحويل الهيدروجين الأخضر إلى أمونيا وتصديره عبر سفن شحن مخصصة ثم تحويله مرة أخرى إلى هيدروجين عند الوصول.
• خلق سوق محلي وعالمي للهيدروجين الأخضر من خلال حل أمثل و هو :
– مزجه في شبكات الغاز الحالية لزيادة الطلب .
– ضرورة الاتجاه إلى إبرام اتفاقيات توريد مع أسواق التصدير الرئيسية.
• ارتفاع تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر وتخزينه ونقله، ويُمكن التغلب على هذا التحدي من خلال :
– فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية والخاصة في هذا القطاع، والتعاون مع جهات التمويل العالمية.

سوق الإنتاج

و آختتمت الدراسة الصادرة عن المركز المصرى للفكر و الدراسات الإستراتيجية ، بالتأكيد على إمتلاك مصر فرصا واعدة للانخراط في سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر العالمي، مدعومة بمقومات داخلية من توافر مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح ،و وجود مساحات واسعة من الأراضي اللازمة لإقامة المشروعات المرتبطة بها، وامتلاك آلاف الكيلو مترات من الشواطئ، فضلًا عن توافر الإرادة السياسية، بما يعزز مكانتها على خريطة الطاقة المتجددة العالمية ودورها كمركز إقليمي لتداول الطاقة.