د.اسماعيل عبد الجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الاسبق ل ” العالم اليوم”: التنمية بسيناء  تختلف تماما  عن المناطق الاخري ومراعاة ” الخصوصية”… كلمة السر لتحقيق الانطلاقة المنشودة

” خصوصية تنمية سيناء فى تحويل مزاياها النسبية الى فرص استثمارية …ف عبقرية الموقع الجغرافى ميزها ب “خصوصية” تنفرد بها عن دلتا وادى النيل وهو ما يجب مراعاته فى تنميتها الاقتصادية “…. بتلك العبارات المختصرة التي ركزت علي تكرار كلمة “الخصوصية” باعتبارها الممر الأمن والاساسي الذي يجب مراعاته لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية في سيناء تحدث العالم الكبير أو كما يلقب ابو الصحراء الدكتور اسماعيل عبد الجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الاسبق في حواره مع ” العالم اليوم ” ،  مؤكدا ان ” الخصوصية”  فى سيناء تتمثل في تعدد مزاياها النسبية نتيجة التباين الكبير فى طبيعتها الجيولوجية من وديان منبسطة الى جبال شاهقة الى كثبان زاحفة وتكوينات جيولوجية لا مثيل لها ونظام بيئي متكامل و انه بالرغم من تلك الحقيقة فأننا لم ننجح حتى الان فى استثمار تلك المزايا النسبية و الربانية  بتحويلها الى قدرات اقتصادية تناقسية جاذبة لأستثمار يوفر فرص العمل ويحقق الاستقرار والتوطين فى سيناء التى لا يتجاوز نسبه سكانها 1 % من اجمالى تعداد مصر !!.
واكد ان موارد سيناء قادرة على استيعاب الزياده السكانية وتكدسها فى دلتا وادى النيل بمتوسط 117 مواطن لكل كيلو متر مربع بينما يناظره 11 مواطنا بشمال سيناء و10 فى جنوبها !!.
وتساءل هل يعقل ان نترك فراغ سيناء السكانى مطمعا  حينما لا يتجاوز عدد سكانها نحو نصف مليون مواطنا فى شمالها وجنوبها على كامل مساحتها التى تبلغ نحو 61 ألف كيلومتر مربع ( 6% من اجمالى مساحه مصر ) وهى تقارب ذات المساحه المأهولة بأكثر من  117 مليون مصرى فى الشريط الضيق بوادي النيل والدلتا !!.
وشدد علي ان رؤيتنا التنموية  لايجب ان تغفل “خصوصية” التركيبة السكانية لسيناء التى تجمع بين نموذج المجتمع البدوي  والمجتمع الحضرى ، لافتا الي ان  هناك حقيقة لايمكن تجاهلها بأننا لم نحسن حتى الان استثمار عناصر القوة فى التركيبة السكانية لسيناء بأتاحة فرص المشاركة لها فى تخطيط وتنفيذ واداره مشروعات التنمية وهو مايضمن استداماتها والحفاظ عليها .
وقال عبد الجليل ان سيناء شهدت خلال العشر سنوات الماضية مخططا لتنميتها من مرحلتين  الاولى تضمنت تشييد مرافق البنية الاساسية الرابطة بين شطرى الوطن من المعابر والانفاق والطرق والسكك الحديديه فى الدلتا وسيناء وغيرها بقيمه اجمالية 660 مليار جنيها ، وان الحكومة أعلنت  مؤخرا عن بدء ” مرحله ثانية ” لأستكمال سابقتها بقيمه تقديرية 400 مليار جنيها دون ايضاح تفاصيل المشروعات المستهدفة بها!.
 ولفت الي  القرار الجمهورى رقـم 114 لسنـة 2024 بنقل تخصيص بعض المساحات بمنطقتي رابعة وبئر العبد ناحية وسط وشمال سيناء من جهاز مشروعات الخدمة الوطنية الى ” جهاز مستقبل مصر” ، مشددا علي ضرورة الالتزام بمراعاة “خصوصية” محددات التنمية المستدامة بسيناء التى تختلف تماما عن نظيرتها بالصحراء الغربية وبالأخص فيما يتعلق بأستخدامات المياه الجوفية.
 واستطرد : ان  هناك  تفاوت فى درجه ملوحة المياه الجوفية في سيناء نتيجه السحب الجائر من عدسة المياه الحلوة بطلمبات ديزل اوبنزين وانه لذا يعد استخدام خلايا الطاقة الشمسية فى رفع المياه الجوفية شرطا للحفاظ على جودتها وخفض تكلفه استهلاك الطاقة.
واضاف ان جهاز مستقبل مصر يملك الامكانات والتسهيلات الكفيلة بأدخال صناعة الخلايا الشمسية بسيناء التى يتوفر بها اهم مكونات الصناعه من الرمال البيضاء .
وقال ان المحدد الثانى للتنمية بسيناء يفرضه موقعها الجغرافى بين ذراعى البحر الاحمر بساحل ممتد طوله 610 كيلومترا وبقاعدة مثلث على البحر المتوسط بطول 200 كيلومترا  ، مشددا انه علي الرغم من اتساع هذه المسطحات المائيه الا انها تفتقر الى استثمارات الاقتصاد الازرق  حيث  لم يتم استثمار مزاياها النسبية فى الصيد البحرى بمياهنا الاقليمية والاقتصاديه بما يتناسب مع المسطح المائى ومحتواه من تنوع الاسماك .
واكد ان الاستثمار فى الصيد البحرى يمكن ان يؤهلنا الى زيادة مواردنا السمكية بما لا يقل عن 20%  من حجم الإنتاج السمكى المتاح حاليا فور توفير الكوادر البشرية الفنية ومراكب الصيد المجهزه وفقا لمتطلبات المنظمة البحرية العالمية IMO  .
وطالب بضرورة الحفاظ على التوازن البيئى فى المشروعات القائمة لتطوير بحيرة البردويل ” 160 الف فدانا “، محذرا من تكريك بحيره البردويل لأعماق كبيرة وكيف ان ذلك سوف تكون له نتائج سلبية فى الاخلال بالتوازن البيئى لصالح سيادة القشريات ” “الجمبرى “على حساب غياب او تناقص صادراتنا من  اسماك الدنيس والقاروس الفاخرة وهو مايستلزم التدقيق والمراجعة مع المراكز العلمية المتخصصة .
وشدد علي اهمية الاستزراع السمكى التكاملى بالمناطق الصحراوية لتعظيم العائد من وحدة المياه بالجمع بين استخدام المياه الجوفية فى تربية الاسماك ورى الزراعات الفاكهة والخضر كمنفعة مزدوجة .
وفيما يتعلق بالمحدد الثالث لتحقيق التنمية بسيناء اوضح عبد الجليل انه يتمثل في الارتباط بين التوطين والتنمية حيث تتمتع المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية بمعدلات امطار تصل احيانا الى حد السيول التى تروى وادى الازارق والعمر بسيناء بالرغم من محاولات اعاقة تدفقها نحونا بالجاذبية الارضية .
واقترح تنفيذ الدراسات الخاصة بأنشاء ثلاث مجتمعات بطول الحدود من رفح” شمالاً حتى منفذ العوجة الحدودى بطول 50 كم وبعرض 5 كم بما يعادل حوالى 60 الف فدانا بحيث تبلغ مساحة كل مجتمع من المجتمعات الثلاث المقترحة نحو 20 الف فدانا تتنوع فى انشطتها بين الانتاج الزراعى والحيوانى والصناعى .
واضاف انه يجب اقامه مزرعة رعوية من حصاد الأمطار واستكمال ريها من المياه الجوفية فى وسط وشرق سيناء بأقامه سدود تحويلية لمياهنا الجوفيه واديى الجرافى والجيفى التى تصب فى صحراء النقب الإسرائيلية  (حوالى نصف مليار متر مكعب سنويا) .
وقال انه قد تم انشاء 18 تجمعا تنمويا زراعيا بشمال ووسط سيناء لأستصلاح واستزراع نحو 11 الف فدنا تروى من 286 بئرا جوفيا وتم طرح نصف المساحة على المنتفعين من ابناء سيناء والدلتا وجارى استكمال الطرح  ، لافتا الي ان  الحكومة استثمرت  نحو 390 مليون جنيها فى انشاء 3 مراكز خدمية فى المثيلة والحسنة وسهل القاع لتقديم كافه الخدمات الارشادية ومستلزمات الانتاج والتحاليل المعملية والخدمات البيطرية تحت اشراف مركز بحوث الصحراء.
واقترح عبد الجليل تنفيذ دراسات سابقة لشق قناة بطول 2 كيلومتر وعمق 6 متر عند وادي أبو سويير جنوب غرب طلعة البدن بهدف ربط المجري الحالي لوادي العريش بمجراه القديم  ، مشيرا الي ان القناة المقترحة سوف تقلل من مخاطر السيول المدمرة علي مدينة العريش  وتزيد أستفادة المجتمع من الأمطار الموسمية بدلا من فقدان ملايين الأمتار المكعبة من المياه العذبة في البحر ، كما ان تحويل مسار السيول سوف يساهم في زيادة تغذية مياه الامطار للخزان الجوفي والذي يؤهل ارتفاع منسوب المياه الجوفية و يساعد علي تجدد الخزان وامكانية إنشاء تنمية زراعية مستدامة توفر العديد من فرص العمل والتوطين .
وقال ان  فكرة تعمير سيناء وشغل فراغها السكانى بدأت  بمشروع قومى طموح للرئيس السادات لتوصيل مياه النيل إلى سيناء في عام 1979 تحت مسمى “مشروع زمزم الجديد” و تقدمت الحكومة الى البنك الدولى بملف المشروع متضمنا تفاصيله الفنية متعددة الانشطة الزراعية والصناعية والتعدينية ..وغيرها من الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التى تضمنت فقرة عن هدف طموح لتوطين 3 مليون مواطن بسيناء وهى الفقره التى يبدو انها كانت السبب الخفى لرفض البنك تمويل المشروع !! .
وتابع : ان الحكومة اتجهت  آنذاك الى تمويل عربى من الكويت لأنشاء ترعه الشيخ جابر ومحطات الرفع لزراعه نحو 400 الف فدانا ولأسباب عديدة تعرض المشروع القومى لتحديات فى غياب ارادة سياسية حقيقية انعكست على تباطؤ التنفيذ بشكل لم يحقق الهدف الطموح لتوطين 3 مليون مصرى بسيناء  ليبقى ” فراغها ” مطمعا مستداما.