التمييز بين الحل والعقوبة في تركيب العدادات الكودية
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع الكهرباء في مصر، كان من الضروري اتخاذ خطوات جادة لمعالجة مشكلة الفقد في الشبكة ومنع الاستيلاء على الكهرباء بطرق غير قانونية. ومن أبرز هذه الخطوات كان توجيه دولة رئيس مجلس الوزراء وقرار السيد الدكتور الوزير بفتح باب تركيب العدادات الكودية كبديل عادل لنظام الممارسة التقديرية.
كان نظام الممارسة التقديرية يعتمد على تقدير استهلاك الكهرباء بشكل غير دقيق، مما يؤدي إلى محاباة أو تقدير جزافي. لذا، الهدف من تركيب العدادات الكودية هو تحسين كفاءة استهلاك الكهرباء والحد من الخسائر الناتجة عن الفقد، بالإضافة إلى تحقيق محاسبة دقيقة على الاستهلاك دون الاعتماد على التقدير الجزافي.
العدادات الكودية تُعتبر خطوة هامة نحو تحقيق العدالة والشفافية في نظام توزيع الكهرباء، حيث توفر وسيلة فعالة لقياس الاستهلاك بدقة وتقلل من فرص الاستيلاء غير القانوني على الكهرباء.
أهمية التمييز بين الحل والعقوبة
من المهم التمييز بين وضع الحلول التي تهدف إلى تحسين النظام الكهربائي وبين العقوبات التي تفرض للردع ومعاقبة المخالفين، وفي حالة تركيب العدادات الكودية، القرار كان يهدف إلى تسهيل وتحفيز المواطنين على تركيب العدادات كوسيلة لضمان الشفافية والدقة في احتساب استهلاك الكهرباء، والتغلب على نسب الفقد التي كانت تحدث بسبب الوصلات غير القانونية.
الخطوات التنفيذية لتركيب العدادات الكودية
• فتح باب التقديم: تم فتح باب التقديم لتركيب العدادات الكودية كحل للمشاكل السابقة التي كانت تواجهها الشركات والمواطنين.
• إلغاء نظام الممارسة: تم إلغاء نظام الممارسة الذي كان يعتمد على تقديرات عشوائية للاستهلاك، مما كان يؤدي إلى عدم دقة في تقدير كميات الطاقة المستهلكة والقيمة المالية العائدة بعد خصم الحوافز للجهات القائمة عليها.
• تحفيز المواطنين: تم تحفيز المواطنين على تركيب العدادات الكودية لضمان دقة الفواتير وتحقيق عدالة في الاستهلاك.
الخلط بين العقوبة والإجراءات التنفيذية
أحد أبرز المشاكل التي تبدو فى الافق بعد تطبيق هذا القرار هو الخلط بين العقوبة والحل اثناء الإجراءات التنفيذية، فعند توجيه دولة رئيس مجلس الوزراء قرارًا بمعاقبة سارق التيار الكهربائي بمحاسبته بسعر التكلفة، بدأت شركات التوزيع في تطبيق هذا القرار على جميع من يركب عداد كودي لأول مرة، وذلك بمحاسبته بسعر التكلفة 214.5 قرشًا طبقا للقرار الوزارى وعن استهلاك لمدة 12 شهرًا وباستخدام من 8 إلى 12 ساعة يوميًا طبقا للائحة التجارية بشركات التوزيع.
وهذا الإجراء يخلق عبئًا كبيرًا على المواطنين الراغبين في تركيب العدادات الكودية لأول مرة، حيث أصبحوا يُحاسبون بسعر التكلفة بشكل غير مستحق على طاقة لم يستهلكوها اصلا، وبأرقام عالية وخاصة للاماكن الجديدة والتى لم يسبق الاقامة فيها وبالتالى لا تعكس استهلاكهم الفعلي، وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى إحجام الكثيرين عن تركيب العدادات الكودية، وبالتالي يفشل الحل الذي تم اقتراحه أساسًا لمعالجة المشكلة.
التفرقة بين طلبات التركيب والعقوبات
من الضروري التفريق بين طلبات تركيب العدادات الكودية لأول مرة وبين العقوبات الموجهة إلى من يتورط في سرقة التيار الكهربائي أو استخدام وصلات غير قانونية بعد تركيب العداد الكودي أو القانوني. فالأول يجب أن يكون مشجعًا وميسرًا لتحسين النظام، في حين أن العقوبات يجب أن تكون رادعة وقاسية لمن ارتكب المخالفة لضمان الالتزام بالقوانين.
مثال توضيحي لحساب العقوبة
لحساب قيمة العقوبة بسعر 214.5 قرش/ك.و.س لاستهلاك شقة قدرتها 10 ك.و لفترتين زمنيتين مختلفتين (8 ساعات و12 ساعة يوميًا) لمدة عام كامل، يمكننا الاعتماد على الصيغة التالية:
قيمة العقوبة= القدرة×عدد الساعات×عدد الأيام في الشهر ×سعر الكيلووات ساعة x 12
الحالة الأولى (8 ساعات يوميًا):
قيمة العقوبة = 61,7 الف جنيه مصري
الحالة الثانية (12 ساعة يوميًا):
قيمة العقوبة = 92,6 الف جنيه مصري
واترك القرار هنا بعد التوضيح هل يعقل ان يقوم مواطن يسداد هذه القيمة من اجل تركيب عداد كودى ويساهم فى حل المشكلة بطريقة عادلة؟
الخلاصة
توضح الأرقام المذكورة العبء المالي الكبير الذي قد يتحمله المواطن في حالة تطبيق العقوبة بهذه الطريقة ليساهم فى الحل !! مما قد يؤدي إلى إحجام الكثيرين عن تركيب العدادات الكودية.
لذا، بات من الضرورى توضيح الامور ولا تترك للافتراضات ويجب على الجهات المعنية مراجعة تطبيقات القرارات الصادرة وتفريقها بوضوح بين الحلول التي تهدف إلى تحسين النظام الكهربائي وتلك التي تهدف إلى معاقبة المخالفين. تطبيق سعر التكلفة على من يركب عداد كودي لأول مرة يجب أن يعاد النظر فيه لضمان عدم إحجام المواطنين عن المشاركة في هذا الحل، وتحقيق العدالة والشفافية في قطاع الكهرباء وهذا لا يمنع من تطبيق العقوبة لمن يخالف بعد تركيب العداد الكودى اول مرة او العداد القانونى.
د.م. محمد سليم سالمان
استشارى الطاقة المتجددة
[email protected]