إعادة هيكلة السوق الكهربائية- الحوكمة الرشيدة وأفضل الممارسات
يعتبر سوق الكهرباء جزءًا حيويًا من البنية التحتية لأي دولة، إذ يدعم التنمية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، والتقدم التكنولوجي وقاطرة الصناعة، وتعد إعادة هيكلة السوق الكهربائية والحوكمة الرشيدة أمرًا ضروريًا لضمان استدامة وموثوقية وكفاءة إمدادات الكهرباء وتقليل المخاطر، وتستعرض هذه المقالة الشاملة الجوانب الرئيسية لإعادة هيكلة السوق الكهربائية، ونبذه تاريخية على الجهود السابقة لاعادة الهيكلة التنظيمية واصلاح الهياكل المالية وهيكلة التعريفة واستعراض مبادئ الحوكمة الرشيدة، وأفضل الممارسات التي يمكن اعتمادها لتحسين أداء القطاع. وفضلت عدم ذكر اسماء لقيادات الكهرباء السابقين او الحاليين لما بذلوه من اجتهادات محفوفة بالمخاطر او من فضلوا تسيير المرفق دون عمل تغييرات هيكلية كبيرة حفاظا على استقرار النظام الموروث بكل مافيه من تحديات واعباء حتى تنفجر فى يد اخر مسئول وهو ما تسعى الدولة المصرية لاصلاحه ويكلفها الكثير.
نبذة تاريخية
اعادة الهيكلة ليس تعبيرا جديدا على مرفق الكهرباء وشهد سوق الكهرباء تغييرات كبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، مدفوعة بالاعتبارات السياسية والتنظيمية والتطورات التكنولوجية، والحاجة إلى تحسين الكفاءة والموثوقية.
وبالاشارة الى القانون رقم 18 لسنة 1998 بخصوص شركات توزيع الكهرباء ومحطات التوليد وشبكات النقل وتعديل بعض أحكام القانون رقم 12 لسنة 1976 بإنشاء هيئة كهرباء مصر وكذلك بالاشارة الى قانون رقم 164 لسنة 2000 بتحويل هيئة كهرباء مصر إلى شركة مساهمة مصرية تسمى ” الشركة القابضة لكهرباء مصر “وتكون لها الشخصية الإعتبارية وتعتبر من أشخاص القانون الخاص”، وبالتالى تم إعادة هيكلة شركات الكهرباء وإنشاء عدد 6 شركات إنتاج وشركة نقل الكهرباء و9 شركات توزيع الكهرباء تابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر ونقل كافة الاعباء المالية والقروض السابقة على هيئة كهرباء مصر منذ ثلاثين عام الى الكيان الجديد الشركة القابضة لكهرباء مصر، وبدأت رحلة الديون والقروض لتسديد الالتزامات حيث العوائد المالية لا تكفى لاسباب عديدة منها عدم معادلة سعر بيع تعريفة الكهرباء مع التكلفة بل وثبات التعريفة لمدة إثنى عشر عاما خلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2004 بالرغم من زيادة أسعار المهمات ، الأجور ، تكاليف التشغيل والصيانة ، والزيادة المضطردة فى الطلب على الطاقة وعلى الرغم من مراسلات وزارة الكهرباء الى مجلس الوزراء لتعديل سعر التعريفة ليتماشى مع التكلفة.
وبعد اعادة الهيكلة الاولى مع انشاء القابضة لكهرباء مصركانت هناك فرصة ايضا بعد ثورة يونيو 2013 لاعادة الهيكلة التنظيمية وفتح السوق لشركات القطاع الخاص وصدر القانون 87 لعام 2015 فى هذا الشأن الا انه تم التأجيل لتزداد اعباء الديون وكذلك تعقيد التشابكات المالية رغم التفهم لضرورة تحسين هيكلة تعريفة الكهرباء وتنفيذ الخطة لتقليل الدعم والانتهاء منه فى 2022 الا ان التغييرات الاقتصادية العالمية نسفت اى تحسين ممكن.
لقداصبح امرا ملحا لاستدامة الشركات ان يحدث تغييرا تنظيميا واستراتيجيا فى إعادة هيكلة السوق بشكل عام بمشاركات من القطاع الخاص تغيير التفكير النمطى فى ادارة مرفق الكهرباء لتعزيز المنافسة، وجذب الاستثمار، وتحسين تقديم الخدمات، من خلال الحوكمة الرشيدة للشركات وبما يحقق مصلحة جميع الأطراف المعنية.
إعادة هيكلة السوق الكهربائية
أهداف إعادة الهيكلة:
تشمل الأهداف الرئيسية لإعادة هيكلة سوق الكهرباء:
• زيادة الكفاءة: تعزيز المنافسة لخفض التكاليف وتحسين جودة الخدمة.
• تحسين الموثوقية: ضمان استقرار واستمرارية إمدادات الكهرباء.
• جذب الاستثمار: خلق بيئة ملائمة للاستثمار الخاص والأجنبي.
• تشجيع الابتكار: تعزيز التطورات التكنولوجية واعتماد مصادر الطاقة المتجددة.
• معايير الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية: تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتشجيع الطاقة النظيفة.
نماذج إعادة الهيكلة:
تم اعتماد عدة نماذج لإعادة هيكلة سوق الكهرباء على مستوى العالم:
• النموذج الاحتكارى وهو النموذج التقليدي حيث تسيطر جهة واحدة على التوليد والنقل والتوزيع وهو الوضع الراهن لمرفق الكهرباء وما الت اليه حاليا.
• الفصل: فصل وظائف التوليد والنقل والتوزيع لتعزيز المنافسة وجذب الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص وتحرير السوق وتحقيق المنافسة بالجملة والتجزئة و السماح للعديد من شركات الكهرباء بالتعاقد ببيع الطاقة الكهربائية للموزعين اوالمستهلكين مباشرة مع دفع تعريفة النقل والتوزيع.
خطوات إعادة الهيكلة:
تتضمن عملية إعادة الهيكلة عدة خطوات رئيسية:
• الإصلاح التشريعي والتنظيمي: سن القوانين واللوائح لإنشاء إطار عمل سوق تنافسي حيث القانون 87 لسنة 2015 ولائحته التنفيذية يعتبر قاعدة اساسية للتنفيذ.
• الفصل والخصخصة: فصل مكونات السوق ودعوة احد الشركات المالية العالمية لتقييم كل مكون وطبقا للاسعار العادلة ومن ثم العرض بالمشاركة او البيع للمستثمرين.
• تصميم السوق: إنشاء أسواق الجملة والتجزئة، بما في ذلك آليات تجارة وتسعير الكهرباء.
• الإشراف التنظيمي: إنشاء هيئات تنظيمية مستقلة لمراقبة وتنفيذ قواعد السوق.
• جهاز تنظيم المرفق وحماية المستهلك: ضمان حماية حقوق المستهلكين من الممارسات غير العادلة وضمان وصولهم إلى خدمة موثوقة.
الحوكمة الرشيدة في السوق الكهربائية:
مبادئ الحوكمة الرشيدة:
تشير الحوكمة الرشيدة إلى النظام الذي يدير الشركات من مجالس ادارة ومديرين تنفيذين:
• المساءلة: ضمان أن الإدارة ممثلة فى المدير التنفيذى مسؤول أمام مجلس الادارة وأن المجلس مسؤول أمام المساهمين.
• الشفافية: تقديم معلومات مالية وتشغيلية دقيقة ومراجعات فنية ومالية وتجارية وفي الوقت المناسب.
• العدالة: معاملة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المساهمين والموظفين والعملاء، بشكل عادل.
• المسؤولية: ضمان أن الشركات تتصرف بمسؤولية تجاه البيئة والمجتمع.
أهمية الحوكمة الرشيدة:
تعتبر الحوكمة الرشيدة ضرورية لـعدة اسباب على سبيل المثال لا الحصر:
• جذب الاستثمار: توفير الثقة للمستثمرين من خلال ممارسات شفافة ومسؤولة.
• تحسين الأداء: تحسين عملية اتخاذ القرارات والكفاءة التشغيلية.
• تقليل المخاطر: تقليل احتمالية الفشل المالي والتشغيلي.
• بناء الثقة: بناء الثقة مع الأطراف المعنية، بما في ذلك الجهات التنظيمية والعملاء والمجتمع.
هياكل وممارسات الحوكمة الفعالة:
تشمل هياكل وممارسات الحوكمة الفعالة في سوق الكهرباء:
• تشكيل المجلس: ضمان مجلس ادارة متنوع ومستقل يتمتع بالخبرة ذات الصلة.
• لجان التدقيق والمراجعة: إنشاء لجان للإشراف على التقارير المالية والضوابط الداخلية.
• إدارة المخاطر: تنفيذ أطرعمل قوية لإدارة المخاطر بطريقة علمية وطبقا للمعايير العالمية .
• مشاركة الأطراف المعنية: التفاعل النشط مع الأطراف المعنية لفهم ومعالجة المخاوف.
• السلوك الأخلاقي: تعزيز ثقافة السلوك الأخلاقي والنزاهة.
3.4 فصل الأدوار: رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي
إحدى أفضل الممارسات في الحوكمة الرشيدة هي فصل أدوار رئيس مجلس الإدارة عن الرئيس التنفيذي حيث يضمن هذا الفصل توازن القوى ويعزز قدرة المجلس على تقديم الإشراف الفعال على الإدارة بدلا من الوضع الحالى ان رئيس مجلس الادارة هو المدير التنفيذى (العضو المنتدب) والذ يقوم باختيار وتعيين الاعضاء وبالتالى لا يستطيع اعضاء المجلس بمحاسبة المدير التنفيذى الذى قام بتعيينهم.
• رئيس مجلس الإدارة: المسؤول عن قيادة المجلس، وتحديد جدول أعماله، وضمان فعاليته. يعمل رئيس المجلس كحلقة وصل بين المجلس والإدارة، ويقدم الدعم والتوجيه للرئيس التنفيذي علما بان مجلس الادارة مسئول امام المساهمين.
• (العضو المنتدب) الرئيس التنفيذي (CEO): المسؤول عن الإدارة اليومية للشركة، وتنفيذ استراتيجية المجلس، وتحقيق أهداف الشركة ويقدم الرئيس التنفيذي تقارير للمجلس ويكون مسؤولاً عن أداء الشركة.
فوائد فصل الأدوار:
• تحسين الإشراف: يمكن للمجلس التقييم والإشراف بأكثر فعالية على أداء الرئيس التنفيذي والادارة التنفيذية.
• توازن القوى: يمنع تركيز السلطة في يد فرد واحد (وهو الوضع الراهن)، مما يقلل من خطر فشل الحوكمة.
• تعزيز الاستقلالية: يكون المجلس أكثر احتمالاً للتصرف باستقلالية بما يحقق مصلحة الشركة وأطرافها المعنية.
أفضل الممارسات في سوق الكهرباء:
أفضل الممارسات البيئية:
• دمج الطاقة المتجددة: تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح وغيرها.
• برامج كفاءة الطاقة: تنفيذ برامج لتحسين كفاءة الطاقة في المنازل والشركات والمصانع.
• تقليل الانبعاثات: تبني تدابير لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من التأثير البيئي لتوليد الكهرباء.
أفضل الممارسات الاجتماعية والحكومية:
• حقوق المستهلك: حماية حقوق المستهلكين وضمان وصول الكهرباء إليهم بطريقة ميسرة وموثوقة.
• مشاركة المجتمع: التفاعل مع المجتمعات المحلية والأطراف المعنية لبناء الدعم للمشاريع والمبادرات.
• المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR): تشجيع المرافق على تنفيذ مبادرات المسؤولية الاجتماعية التي تفيد المجتمع والبيئة.
دراسات حالة وتجارب عالمية: الولايات المتحدة:
نفذت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من نماذج إعادة الهيكلة في مختلف الولايات، مع نجاح ملحوظ في تعزيز المنافسة ودمج الطاقة المتجددة.
الاتحاد الأوروبي:
طور الاتحاد الأوروبي إطارًا تنظيميًا شاملاً لإنشاء سوق كهرباء موحد، مما يعزز التجارة عبر الحدود وتكامل الشبكات.
الدول النامية:
قامت دول مثل الهند والبرازيل بجهود إعادة هيكلة كبيرة لتحسين الموثوقية وجذب الاستثمار وتوسيع الوصول إلى الكهرباء.
الخاتمة
تعد إعادة هيكلة سوق الكهرباء واعتماد أفضل ممارسات الحوكمة الرشيدة أمرًا ضروريًا لضمان إمدادات كهرباء مستدامة وموثوقة وفعالة وتتطلب الانتباه الشديد للتخطيط السليم والتنفيذ لتقليل المخاطر لخلق بيئة تنافسية لتقديم افضل جودة تغذية ومناسبة السعر العادل وخفض الدعم وتخارج الجزء الحكومى من الادارة والاحتفاظ بالمراقبة والتنظيم وبالتالى جذب الاستثمارات وزيادة عوائد البيع ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعلم من الدروس المستفادة من التجارب العالمية المشابهة .
د.م. محمد سليم
استشارى الطاقة وعضو المجلس العربى للطاقة المستدامة
[email protected]