د. اسماعيل عبد الجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الاسبق ل ” العالم اليوم” : تطوير صناعة الاسمدة وتنويع مصادر الطاقة المستخدمة بالمصانع ..ضرورة

ازمتنا الحقيقية فى تواضع كفاءة الاستخدام بالحيازات الصغيرة التي تتجاوز 5 مليون فدان

نمو متوقع بقيمة سوق الاسمدة العالمية من 202 مليار دولار 2023 الي 285 مليار دولار بحلول 2032... الاستخدامات العشوائية" كارثة "ولابد من رفع كفاءه الاستخدام فى ضوء برامج إرشادية متكاملة

في يوم 2 يوليو، 2024 | بتوقيت 6:42 ص

كتب: مني البديوي

 

رغم عودتها للانتاج الا ان ما حدث من توقف مفاجيء لاول مرة لكبري المصانع المنتجة للأسمدة منتصف الاسبوع الماضي الواحدة تلو الاخري والتي بدات بمصانع شركة أبوقير للأسمدة ثم تبعها سيدي كرير للبتروكيماويات ثم “موبكو ” نتيجة توقف إمدادات الغاز خلق العديد من الجدل والتساؤلات حول تلك الصناعة الهامة ومدي قدرتها علي الوفاء بالطلب الحالي والمستقبلي وما اذا كانت إمدادات الغاز يمكن ان تمثل عثرة في الانتاج خلال الفترة المقبلة وما اذا كان هناك ازمة بالفعل متوقعة بالنسبة لانتاج السماد وتوافره يجب التصدي لها باتخاذ عدد من الآليات والإجراءات الضرورية ..

وفي هذا الصدد اوضح الدكتور اسماعيل عبد الجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الاسبق ورئيس المكتب الزراعي المصري الاسبق بواشنطن ان صناعة الاسمدة تستهلك اليوم نحو 1.2% من موارد الطاقة المتاحة في العالم وانه من الناحية النظرية يمكن تقليل الاستهلاك العالمي للطاقة في صناعة الأسمدة بنسبة 40% تقريبًا وانبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 60% من خلال تطبيق التكنولوجيا الجديدة وهذا أمر إيجابي في ضوء الاستبدال المستمر للتكنولوجيا القديمة على مدى العقود القادمة.

واضاف في حواره مع ” العالم اليوم” إن استهلاك الطاقة النوعي في صناعة الأسمدة في أوروبا الغربية أقل بحوالي 15% من المتوسط ​​العالمي ، مشددا علي ضرورة الاهتمام بتطوير صناعة الاسمدة فى مصر وتنويع مصادر الطاقة المستخدمة بها للتغلب على تحديات ارتفاع اسعارها وعدم استقرار سعر الصرف وقيود الدعم على نسبه الصادرات المسموح بها .

وطالب بضرورة الاستفادة من دروس غيرنا من الدول ، لافتا بذلك الي الولايات المتحدة الامريكية حينما اغلقت ما يقرب من نصف منشآت تصنيع الأمونيا لديها بسبب ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي في الفترة من 1999 إلى 2008 بينما شهدت صناعة تصنيع الأمونيا في الولايات المتحدة ولادة جديدة في السنوات الأخيرة بفضل نهضة الغاز الصخري وهو مايؤكد اهميه الاستعانة بمجموعة متنوعة من خيارات الطاقة.

واضاف انه بالرغم من تحديات تكلفة انتاج الاسمدة الا ان توقعات نموها متزايدا حيث تقدر قيمة سوق الأسمدة العالمية بنحو 202 مليار دولار في عام 2023، مع توقع ارتفاعها إلى 285 مليار دولار بحلول عام 2032 مما يعكس معدل نمو سنوي مركب يبلغ 3.30٪ من عام 2023 إلى عام 2032 .

واكد ان ازمه الاسمدة كغيرها من ازماتنا الاقتصادية هى ناتج اهتمامنا بجانب العرض ” وفره الاسمدة” واغفالنا جانب الطلب “كفاءه الاستخدام ” وان ازمتنا الحقيقية فى تواضع ” كفاءة الاستخدام ” للأسمدة المدعمة فى الحيازات الصغيرة التى يتجاوز اجمالى مساحتها 5 مليون فدانا .

واستطرد : ان ظاهرة الاستخدامات العشوائية للأسمدة” كارثة “شائعة حينما يضطر صغار المزارعين إلى استخدام جرعات أقل من الأسمدة بسب غلاءها بينما يبالغ آخرون فى الاسراف نتيجة افتقادهم الدعم الفنى الواجب مثل التحليل الكيماوى للتربه والنبات لتقدير الاحتياجات الغذائية الفعلية بدلا من الاسراف الذي يضاعف تكلفة الانتاج بدون عائد مقابل لذلك لابد من رفع كفاءه الاستخدام فى ضوء برامج إرشادية متكاملة .

وشدد عبد الجليل انه يجب ان نصارح انفسنا بحقيقة تراجع خصوبة الاراضى الزراعيه فى الدلتا بعد بناء السد العالى مما انعكس على انخفاض تدريجى فى الإنتاجية فيما يصطلح عليه علميا ” بالتصحر”، مؤكدا ان الأمر لم يكن مفاجأة حيث توقعته الدراسات التى سبقت انشاء السد العالى حينما تم تقدير حجم الطمى الذى سوف يتراكم فى بحيره ناصر بنحو 30 مليار متر مكعب خلال 120 سنة من عمر السد بما قد يسمح فى المستقبل البعيد استخراج الطمى وتجفيفه كمخصب عضوى مضاف لتربة الصحراء الفقيرة لتحسين خواصها وخصوبتها .

وتابع : انه قد تم آنذاك حساب الفاقد فى خصوبة اراضى الدلتا نتيجه غياب رواسب الطمى وتأثرها السلبى المتوقع على خصوبة الأراضى الزراعية بها و تم تقدير الدعم الحكومى اللأزم لتعويض الطمى المفقود بأضافه اسمدة معدنية بنحو 2 مليون جنيها آنذاك وهى تكلفه زهيدة لو قورنت بتكاليف انشاء السد ( 490 مليون جنيها ) وفوائده العديدة ، مشيرا الي ان القيمة التقديرية قد ارتفعت لتعويض فاقد خصوبة الطمى من 2 مليون جنيها فى السبعينات الى 30 مليار جنيها حاليا تقدمها الحكومه لدعم الفلاح الصغير بالأسمده الآزوتية .

وقال ان هذه هى القصة التاريخية المختصرة لتعاظم استهلاك الاسمدة المعدنية فى الاراضى الزراعية بالدلتا التى تعانى حاليا التصحر ، لافتا الي انه كانت هناك محاولات للأستفاده من رواسب الطمى ببحيره السد العالى منذ اكتمال بناءه وتشغيله فى يناير 1971 نتيجه تراكمها سنويا لتصنع دلتا فى شكل مثلث قاعدته بالسودان وقمته بمصر حيث يقدر متوسط الترسيب السنوى للطمى العالق بمياه النيل فى المائه كيلومتر السابقة لحدودنا مع السودان بنحو 80 مليون طن وهو ما يمثل نحو 15% فقط من كمية الترسيب داخل الأراضى السودانية أى أن مصر تملك حاليا فى قاع نيلها كنز متجدد يقدر بحوالى 3.6 مليار طن من الطمى الغنى بمعظم العناصر المعدنية ومنها رقائق ذهب .

واضاف انه استكمالا لمسعى استثمار كنز الطمى فى قاع البحيرة والخوار الفرعية تم تكليفه فى عام 2003 بدراسه مقترح مشروع مقدم من احد رجال الاعمال المصريين المقيمين باليابان لرفع ترسيبات الطمى من ترعه ناصر الى حوافه بهدف تجفيفه هوائياً وإعادة تعبئته بعد إضافة مخلفات عضوية لها فى عبوات بهدف تسويقها كمحسن ومخصب للأراضى الصحراوية الفقيره ، لافتا الي انه قد تنافست آنذاك على تنفيذ المشروع شركات يابانية وروسية وهولندية حينما ابرزت دراسات الجدوى الأولية عائده الاقتصادى العالى الذى تراجع كثيرا حاليا للأسف بعد انشاء سد النهضة واحتجازه للطمى .

وشدد عبد الجليل علي ان الأسمدة تعد من أهم العناصر لتأمين إنتاج غذائي كافٍي لمواجهة الزيادة السكانية المتصاعدة وبالأخص لان متوسط انتاجيه الحبوب اعلى بالأراضى المخصبة عن غيرها من غير المخصبه ، مؤكدا ان صغار المزارعين يضطرون إلى استخدام كميات أقل من الأسمدة بسب غلاءها بينما يبالغ آخرون فى الاسراف نتيجه افتقادهم الدعم الفنى الواجب مثل التحليل الكيماوى للتربة والنبات لتقدير الاحتياجات الغذائية الفعلية بدلا من الاسراف بجرعات غير مطلوبة تضاعف التكلفة دون عائد وتمثل ظاهرة الإضافة العشوائية للأسمدة الجانب الاعظم لأكثر من 70 % من المزارع صغيره الحيازات ( حوالى 5 مليون فدانا ) .

واوضح ان مساحة الأراضي الزراعية في مصر تبلغ نحو 9.6 مليون فدان وتصل احتياجاتها إلى 4 ملايين طن من السماد الآزوتي سنوياً بواقع 2.2 مليون طن في الموسم الصيفي و1.8 مليون طن خلال الموسم الشتوي.

واضاف انه بينما يطالب صغار المزارعين الحكومة بزيادة دعم الاسمدة فان المنتجين يطالبون بخفضه لتقليص الفجوة بين الأسعار المحلية ” 225 دولارا ” والعالمية ” 850 دولارا “. مما يعكس تضارب المصالح بين الطرفين ، مشيرا الي ان تقليص حجم الدعم الحكومي والذي يصل الي 30 مليار جنيه سنويا سيكون في صالح شركات الانتاج التى تبيع 55% من إنتاجها في السوق المحلية بالأسعار المحددة من الحكومة .

وقال انه بينما يكابد صغار المزارعين غلاء اسعار الاسمدة الآزوتية فان منتجي الاسمدة يصرخون من ان كل دولار زيادة في سعر الغاز ترفع تكلفة الانتاج لشركات الأسمدة بنحو 900 مليون جنيه !!

واوضح ان هناك شكوى ايضا صادرة عن دراسة للجنتي “الزراعة والري” و”البيئة والطاقة” بمجلس الشيوخ تفيد بأن العجز في توريد الأسمدة الآزوتية من المصانع إلى الجمعيات التعاونية الزراعية يبلغ نحو 1.8 مليون طن مقابل 4 ملايين طن تحتاج إليها الأراضي الزراعية في مصر سنوياً بما يحد قدرة القطاع الزراعى على النمو .