التداعيات الاقتصادية المحتملة للتصعيد الايرانى الاسرائيلى
تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعداً كبيرا في الأحداث، مع تصاعد الاضطرابات والتوترات الجيوسياسية في الفترة الأخيرة، وآخرها الهجوم الإيراني على إسرائيل، رداً على الغارة التي استهدفت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، وما يرتبط به من سيناريوهات قادمة بشأن تداعيات ذلك الصراع على كافة المنظومات .
وكانت منظمة التجارة العالمية في أحدث تقاريرها، قد حذرت من مخاطر تعطل التجارة بسبب التوتر الجيوسياسي وتزايد الحمائية وتفاقم أزمة الشرق الأوسط حيث أدت الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر إلى تغيير في مسار التجارة بين أوروبا وآسيا.
تشير تقديرات المنظمة إلى أن تجارة السلع العالمية من المتوقع أن تتعافى هذا العام، لكن بشكل أبطأ مما كان متوقعا في السابق، في أعقاب تراجعها في 2023 للمرة الثالثة فقط في 30 عاما.
تراجع الضغوط التضخمية من شأنه أن يساعد على زيادة حجم تجارة البضائع 2.6 بالمئة في 2024 و3.3 بالمئة في 2025 بعد انخفاض 1.2 بالمئة العام الماضي. وتوقعت المنظمة في السابق زيادة 3.3 بالمئة في 2024.
ومن أبرز الخسائر المحتملة التي من الممكن أن يتكبدها الاقتصاد العالمي، على أثر الهجوم الإيراني على إسرائيل، ومن بينها ما يرتبط بتأثر حركة الطيران المدني فوق سماء دول الشرق الأوسط، وبما قد يكون له تبعات وخسائر كبيرة، لا سيما أن هذا الصراع المباشر يتم في بداية الموسم الصيفي،
ومن بين التأثيرات المحتملة لتصاعد التوترات ما يرتبط بتأثر انسيابية التجارة في البحر الأحمر، لا سيما بعد اختطاف إيران ناقلة إسرائيلية واستمرار تهديدات الحوثيين والإيرانيين لخط التجارة الدولي، وهذا بدوره سيقلص التعافي الاقتصادي العالمي ويضيف أعباءً جديدة تضاف لتبعات الحرب في أوكرانيا، وبالتالي فمن المتوقع أن تتضرر حركة التجارة في البحر المتوسط.
ان تصاعد التوتر في منطقة الشرق الأوسط قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، وما سينجم عنه من ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع الأسعار، كما حدث بسبب الحرب في أوكرانيا .
في حال استمرار استهداف السفن أو احتجازها تماماً كما حدث خلال الأسبوع الماضي عندما استولت إيران على سفينة يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي، وربما أيضا إغلاق مضيق باب المندب أمام حركة السفن، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري والتأمين على السفن ونقل البضائع، وما سينجم عنه من أثر مباشر سلبي على الاقتصاد العالمي.
هذا يأتي اتصالاً بالخسائر المالية والاقتصادية التي نجمت عن استهداف الحوثيين للسفن التجارية خلال الأسابيع الماضية على الاقتصاد العالمي
كشف رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، أن مصر خسرت نحو 745 مليون دولار من إيرادات قناة السويس خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2024 بسبب تراجع عدد السفن المارة بالقناة على اثر هجمات الحوثيين
هذا فى الوقت الذى تعانى فيه مصر من تراجع شديد للموارد الذاتية من الدولار الأجنبي وانخفاض تحويلات المصريين من الخارج قبل التوصل مع اتفاق قرض صندوق النقد الدولى بالتحول لسعر صرف مرن وإصلاحات هيكلية على مستوى السياسات النقدية والمالية ، والتشديد المالى والنقدى ورفع معدلات الصرف الأجنبي والقضاء على السوق الموازى .
ويعاني اقتصاد الكيان الاسرائيلى بالأساس من تبعات استمرار الحرب على قطاع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتتوقع موازنة عام 2024 عجزاً نسبته 6/6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو العجز الذي سيكون من بين الأكبر بالنسبة للاحتلال الصهيوني في هذا القرن.
وقد يتبين أن الأمر سيكون أوسع نطاقاً إذا طال أمد الحرب على غزة أو تفاقمت التوترات مع إيران وحزب الله اللبناني. وأشارت تقارير عدة إلى عمليات تخارج واسعة من قطاع التكنولوجيا في الكيان، حيث أظهر تقرير إسرائيلي أن الاستثمارات في شركات التكنولوجيا هوت بأكثر من 30% حسب التقارير مقارنة بالأشهر الستة التي سبقت الحرب، كما انخفض عدد المستثمرين الأجانب بنسبة %23.
وفي السياق، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن قيادي عسكري سابق أن “إسرائيل” أنفقت ما قد يصل إلى 5 مليارات شيكل (نحو 1.35 مليار دولار) خلال ليلة واحدة من أجل التصدي للهجوم الذي أطلقته إيران باستخدام مئات المسيرات والصواريخ.
ان تكلفة الحرب وطبيعة التوترات الجيوسياسية في المنطقة حتى وان خسرت فيها اسرائيل الاان المتضرر الاكبر دول الشرق الأوسط ، وذلك لطبيعة المشكلات الاقتصادية بدول المنطقة وارتفاع معدلات التضخم ، البطالة ، ارتفاع تكلفة تمويل العمل المناخي، إضافة للعديد من المشكلات التي تعاني منها اقتصاديات تلك الدول.
إن دخول تلك الدول في حروب وصراعات معناه تراجع حاد لأي جهود تنموية ومزيد من التبعية الاقتصادية وهروب رؤوس الاموال المحلية والاجنبية وتراجع معدلات الاستثمار.
ا.د / منال خيري
أستاذ مناهج الاقتصاد – جامعة حلوان