الذكاء الاصطناعي بين المنفعة والضرر
في يوم 23 فبراير، 2024 | بتوقيت 7:34 ص
تشرفت بالمشاركة مؤخرا في ورشة عمل بمدينة الرياض بعنوان ( الذكاء الإصطناعي من اجل الإستدامة ) بدعوة كريمة من جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو ، بهدف تأكيد دور اخلاقيات الذكاء الإصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة ، ولمنظمة اليونيسكو مكانة الصدارة في الجهود الدولية الرامية إلى ضمان تطور العلوم والتكنولوجيا خلال العقود القادمة وفقاً لضوابط أخلاقية متينة ، حيث سبق ان أعدّت اليونسكو وثيقة تقنينية عالمية هي الأولى من نوعها ، وهي “التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي ” في نوفمبر 2021، واعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة .
ان أدوات الذكاء الإصطناعي تستطيع تطوير نفسها دون تدخل البشر ، وقد تحولنا من مجتمع يعتمد على الآلات الى مجتمع يعتمد على المعلومات والنظم الخوارزمية وبياناتها ، ونذكر ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا بأننا بحاجة الى استراتيجية عالمية موحدة ومستدامة تقوم على التعددية ومشاركة جميع اصحاب المصلحة بهدف التعامل مع المخاطر الناجمة من ظهور تقنيات الذكاء الإصطناعي بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وذلك بهدف تجنب العواقب السلبية المحتملة على المدى الطويل ، وتوظيفه لأغراض التنمية المستدامة ومراقبة ازمة المناخ ولتحقيق طفرات في مجال الأبحاث الطبية والتعليم.
وهنا يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي على انه مجموعة من التقنيات التي تمكن آلة أو نظاماً من التعلم، والفهم، والتصرف والاستشعار ، وهو ببساطة محاكاة عمليات الذكاء البشري من قبل الآلات، وخاصة أنظمة الكمبيوتر، وهذا يتراوح بين التعلم والاستدلال والتصحيح الذاتي، فينجم عن ذلك فوائد وأضرار للذكاء الاصطناعي، ويمكن تقسيم الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي إلى ثلاث فئات :
· الذكاء الاصطناعي الضيق: تطبيقات محددة يمكنها أداء مهمة محددة، مثل التعرف على الصوت، وخدمة العملاء الآلية والدردشات الآلية ، وهو الذكاء الذي يتخصص في مجال واحد فمثلاً هناك أنظمة الذكاء الصناعي التي يمكنها التغلب على بطل العالم في لُعْبَة الشطرنج وهو الشيء الوحيد الذي تفعله.
· الذكاء الاصطناعي العام: أنظمة أو أجهزة يمكنها التعامل مع أي مهمة فكرية يمكن أن يقوم بها الإنسان، يظل هذا النوع من الذكاء الاصطناعي نظريًا إلى حد كبير في الوقت الحالي ، يشير هذا النوع إلى حواسيب بمستوى ذكاء الإنسان في جميع المجالات أي يمكنه تأدية أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها، وإلى اليوم لم يصل إلى هذا المستوى بعد.
· الذكاء الاصطناعي الفائق: وهو فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريبًا بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية.
إن أول عمل جوهري في مجال الذكاء الاصطناعي قام به عالم الرياضيات ورائد الحاسوب البريطاني آلان تورينج، حيث أعلن تورينج في عام 1950 أنه في يوم من الأيام سيكون هناك آلة يمكنها مضاهاة الذكاء البشري ، ونظرًا لأن الهدف النهائي للذكاء الاصطناعي هو إنشاء أجهزة حاسوب يمكنها التفكير كما يفعل البشر فقد اقترح بعض مؤيدي الذكاء الاصطناعي أنه يجب تصميم أجهزة الحاسوب على غرار الدماغ البشري والذي يتكون أساسًا من شبكة من الخلايا العصبية، وتم تطوير أول شبكة عصبية اصطناعية في عام 1954 ، ويؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل كل قطاع صناعي وعلى كل إنسان على هذا الكوكب كما ويعد المحرك الأساسي لجميع التقنيات الناشئة مثل جمع البيانات الضخمة والروبوتات وإنترنت الأشياء، ومن المتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا أكبر خلال السنوات القادمة.
ويساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير مجال الرعاية الصحية بسرعة متزايدة ويرافق ذلك زيادة كبيرة في كَمّيَّة البيانات والتحديات في ما يخص التكلفة ونتائج المرضى لذلك تم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي للحد من هذه الصعوبات، كما ويتم استخدام الذكاء الصناعي لتفادي إجراء الفحوصات المخبرية الروتينية غير الضرورية، وتضييق دائرة التحاليل المخبرية التي قد يحتاج إليها المريض، ولتحسين سير العمل السريري، والتنبؤ بالأمراض المُكتسبة من المستشفيات. كما يزيد الذكاء الاصطناعي من كفاءة الأعمال وسرعة تنفيذها ويزيد من قيمتها ويساهم في تطور الأعمال باستمرار، كما يزيد من عدد المتفاعلين مع هذه الأعمال بسبب التطور المستمر للأدوات والبرمجيات المتعلقة بها. وللذكاء الاصطناعي أهمية في حياتنا اليومية فقد أحدث استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي ثورة كبيرة في مجال صناعة السيارات حيث يستخدم برنامج القيادة الذاتية من جوجل الذي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقليل نسبة الحوادث وتخفيف الازدحام المروري، وتستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مواقع التجارة الإلكترونية للحصول على صورة واضحة لسلوك العملاء في عمليات الشراء عبر الموقع وتقديم التوصيات، وتستخدم أيضًا شبكات التواصل الاجتماعي تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل فيسبوك للكشف عن وجود اختراق لصور المستخدم. إن الغرض الأساسي من الذكاء الاصطناعي هو أن يكون لدى البشر أو الشركات آلة تفكر بشكل أسرع وأكثر كفاءة. وفي يناير 2018، ذكر سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، أن الذكاء الاصطناعي سيكون أكثر تأثيرًا على البشرية من الكهرباء. لكن السؤال هنا هو هل ستسيطر التطورات التكنولوجية على العالم؟ هل ستساعد البشرية على الوصول إلى أعلى إمكانات أم تدمرها في هذه العملية؟
هناك العديد من فوائد وأضرار الذكاء الاصطناعي كما وضحنا، من الضروري كما تحدثنا عن بعض الفوائد، أن نذكر الأضرار المحتملة، التي تشمل فقدان الوظائف ( كما في المركبات ذاتية القيادة وميكنة خدمة العملاء وانظمة الدفع الذاتي وغيرها) والاعتبارات الأخلاقية والأمنية، وانتهاك الخصوصية الشخصية ، وافتقار التعاطف البشري والمساءلة. وإذا كان نظام الذكاء الاصطناعي مصممًا بخوارزميات غامضة، ويسمح التعلم الآلي لاتخاذ القرار بتحسين نفسه، فمن المسؤول قانونيًا عن النتيجة؟ هل هي الشركة أم المبرمج أم النظام؟ هذا الخطر ليس نظريًا، في عام 2018، اصطدمت سيارة ذاتية القيادة بأحد المشاة وقتلته، في هذه الحالة، لم يكن سائق النسخ الاحتياطي البشري للسيارة منتبهًا ، فأين تقع المسئولية ؟
لا يمكن الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي أو منع استخدامه، لأن “الذكاء الاصطناعي جاء لتطوير الشعوب والبشرية”. ولكن وجب التنبيه إلى “أهمية الاستخدام المسؤول” لأدواته لتحقيق أقصى استفادة ممكنة. ونقترح وضع ميثاق دولي للتصدي لمخاطره واستخداماته الضارة.
يوما بعد يوم، تثبت الحواسيب أنها قادرة بشكل متزايد على أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًا، بدءًا من الترجمة ووصولا إلى تشخيص الأمراض. علاوة على ذلك، فإن الخوارزميات الكامنة وراء الذكاء الاصطناعي أضحت قادرة على التأثير على قراراتنا بشكل متزايد: من الأخبار التي نقرؤها، مرورا بمقاطع الفيديو التي نشاهدها، وبلوغا إلى الطريقة التي نتفاعل بها.
فيما يلي روابط فيديوهات للتعريف بالذكاء الإصطناعي وتطبيقاته :
https://www.youtube.com/watch?v=v7HFSZCgnrs&t=8s
ويمكن تصنيف المخاطر المرتبطة بتطوير و ستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الآتي :
· مخاطر بسيطة أو منعدمة: لا يوجد أي قيود على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل مخاطر بسيطة أو لا تنطوي على أي مخاطر مثل مرشحات البريد العشوائي غير المرغوب فيه، ولكن يوصى بأن تكون هذه الأنظمة متوافقة مع الأخلاقيات.
· مخاطر محدودة: تخضع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل مخاطر محدودة مثل البرامج التقنية المتعلقة بالوظيفة والتطوير والأداء إلى تطبيق مبادئ الأخلاقيات المذكورة في هذه الوثيقة.
· مخاطر عالية: يتعين على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل “مخاطر عالية” على الحقوق الأساسية للإنسان الخضوع لإجراء تقييمات ما قبل المطابقة وبعدها، وإضافة إلى الالتزام بالأخلاقيات يجب مراعاة المتطلبات النظامية ذات العلاقة.
· مخاطر غير مقبولة: لا يسمح بأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل “خطرًا غير مقبول” على سلامة الناس وسبل عيشهم وحقوقهم كتلك المتعلقة بالتصنيف الاجتماعي أو استغلال الأطفال او انتهاك الخصوصية أو تشويه السلوك الذي يحتمل أن تحدث نتيجة عنه أضرار جسدية أو نفسية وإضافة إلى الالتزام بالأخلاقيات يجب مراعاة المتطلبات النظامية ذات العلاقة.
وهناك اخطار وتحديات منها حالات تسرب البيانات والتضليل والخداع والتزييف العميق (بانشاء محتوى واقعي للغاية ولكنه مزيف) للإحتيال ، والتحيز والظلم ضد افراد او مجتمعات ، وهناك مخاوف تتعلق بالسلامة وخاصة مع عدم صحة المحتوى مما يؤثر على عملية صنع واتخاذ القرار .
هذا وينبغي أن تكون إدارة المخاطر مرتبطة ارتباطاً مباشرًا بمبادرات الذكاء الاصطناعي، حيث تكون الرقابة متزامنة مع عمليات التطوير الداخلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتؤثر إدارة مخاطر أنظمة الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من أنواع المخاطر بما في ذلك البيانات والخوارزمية والالتزام والمخاطر التشغيلية والقانونية وتلك المتعلقة بالسمعة والمخاطر التنظيمية، ويتم بناء المكونات الفرعية لإدارة المخاطر، مثل: قابلية النموذج للتفسير، والكشف عن التحيز، ومراقبة الأداء، حيث تكون المراقبة ثابتة ومتسقة مع أنشطة تطوير الذكاء الاصطناعي .
في النهاية فإن تأثيرالذكاء الاصطناعي على التكنولوجيا له شقان يتجاوزان حتى فوائد وأضرار الذكاء الاصطناعي، فهو ليس فقط نتيجة للتقدمات التكنولوجية، بل إنه أيضًا محرك قوي له، ومع ذلك، فإن قدراته الاستثنائية تأتي مع تحديات يحتاج المجتمع إلى التصرف بحذر تجاهها، مع استمرارنا في تبني إمكانات الذكاء الاصطناعي، من المهم تحقيق التوازن بين الابتكار والأخلاق .
د.م./ محمد سليمان اليماني
رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة
[email protected]