هنادى خليفة : وصفة قيادة مسيرة التحول في زمن الجائحة

القرارات الصحيحة تسهم في تمكين القادة والمؤسسات من إيجاد بيئات عمل أكثر إنصافاً وإنتاجية تركز على "طاقة التغيير"

في يوم 18 يونيو، 2021 | بتوقيت 1:12 ص

كتبت: شيرين محمد

أكدت هنادي خليفة مديرة العمليات في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند لدى معهد المحاسبين الإداريين أن جميع توقعات القادة في عام 2021، تركزت بدءاً من منشورات “ماكينزي” و”مجموعة بوسطن الاستشارية” وصولاً إلى “هارفرد بزنس ريفيو” وغيرها حول حالة الغموض السائدة والتى تعد من أبرز المسائل التي تشغل أذهان قادة الأعمال ، ولم تكن النتائج غريبة في ضوء المسار الذي يتخذه عام 2021 في العديد من أنحاء العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط فعلى الرغم من التفاؤل الملموس حيال المستقبل، إلا أن الغموض لايزال يسيطر على الموقف.

و أشارت إلى انه على مستوى الأعمال، مثل العام 2020 اختباراً عصيباً لأولئك القادة مع تداعياته التي فرضت عليهم شكلاً غير مألوف لمزاولة الأعمال. ويعود ذلك إلى استحالة اختبارهم لأي شيء من شأنه إعدادهم للتعامل مع ما يجري من أحداث مفاجئة وخارجة عن المألوف وعن المنطق أحياناً.

وأضافت هنادى خليفة أنه على نحو مقلق لكنه قد لا يكون مستغرباً أو مفاجئاً إلى حد كبير، لم تتمكن المقاربات التقليدية تجاه مسألة تطوير القيادة من مواكبة أشكال التعقيدات التي نصطدم بها في الوقت الحاضر ، مشيرة إلى انه وبحسب ديدي هينلي، المدربة والخبيرة في مجال استراتيجية القيادة، لا يمتلك سوى أقل من 18% من القادة في الوقت الحالي الصفات الذهنية التي تخولهم ممارسة مهام القيادة في بيئات مشبعة بالتقلب وانعدام اليقين والغموض والتعقيد (هول ورولاند، 2016). لذلك يبدو جلياً أن “التحول” بات حاجة ماسة في وقتنا الراهن.
وتسألت هنادى خليفة ولكن لماذا ينبغي على القادة اختيار مسار “التحول”؟ وهل تبدأ أي مسيرة قيادية معاصرة من تطوير الذات؟ يجد القادة أنفسهم عالقين في عالم مختلف كلياً، عالم لم يكونوا مستعدين لخوض معتركه أبداً. ويتعين على القادة أن يتعاملوا مع هذا الأمر كفرصة نادرة لإعادة صياغة مقاربات الأعمال المعتادة، لكن ليس من المنظور التكتيكي كما يفعل الكثير منهم، بل على صعيد أكثر استدامة واستراتيجية. وينبغي على القادة اليوم اتباع مقاربة تضع الإنسان في المقام الأول لتحقيق التحول المنشود، وذلك من خلال إرساء الأسس لنظام قيادة يسد الثغرات الكامنة في مؤسساتهم وثقافاتهم ويستكمل نواقصها. وتقول هينلي أنهم يحتاجون لهذا التحول من أجل امتلاك الوعي الكافي والإلهام المستمر لاتخاذ القرارات الصحيحة، وهو أمر سيسهم بدوره في تمكين القادة والمؤسسات من إيجاد بيئات عمل أكثر إنصافاً وإنتاجية تركز على “طاقة التغيير” بدلاً من “إجهاد التغيير” وتساعد على إطلاق العنان للقدرات القيادية الناشئة لدى الموظفين من جميع المستويات.

إذاً، كيف سيعود التحول بمقاربة القيادة بالفائدة على المؤسسات والموظفين والمجتمع؟ أعتقد أن أول الأدوار التي يلعبها القائد المرن في التحول هو التعاطف مع القوى البشرية، ويأتي هذا الأمر حتى قبل تحديد الأهداف التجارية الطموحة لأنفسهم ومؤسساتهم. وتكمن الخطوة الأولى في غرس ثقافة العمل التي تلغي التوتر وتثري “الإنتاجية الإيجابية”. وأرجو منكم هنا ملاحظة أنني أستخدم مصطلح “الإنتاجية الإيجابية” لا “الإنتاجية” فقط. فالأخيرة تمثل الركن الأساسي لتعزيز تنافسية الشركة، بينما تغرس “الإنتاجية الإيجابية” ثقافة الشعور بالآخر والتعاون والشمول والتفاعل التي قد تكون مفقودة بالكامل في بعض الأحيان.

واشارت إلى ان ثمة سمات أساسية يتعين على القائد اكتسابها وتوظيفها ليكون ناجحاً بالتحول. أولاً، يتعين عليه أن يتبنى قيم التعاطف مع الآخر، وتتمحور هذه القيم حول المساواة والفهم العميق والمعاملة بالمثل. وبالنسبة للقائد الناجح بالتحول، يتجاوز الأمر مجرد رؤية الأشياء من منظورها الفريد – إذ أنه يتمحور أيضاً حول تخصيصها وتبنيها ومن ثم العمل عليها. وثانياً، يتعين على هذا القائد الاعتراف بالتغيير الشخصي والمؤسسي. ويجب أن يدرك قادة كهؤلاء عدم وجود نهاية أو حتى حدود للتغيير. فالتغيير هو الثابت الوحيد ونقطة ارتكاز التطور الجمعي والفردي. وفرضت الجائحة وضعاً طبيعياً جديداً حمل في جعبته فرصاً وتحديات غير متوقعة لجميع الأطراف المعينة في منظومة الأعمال. ويمكن لخوض تجربة تعلم جديدة أن يكون أمراً مربكاً، وأن يقاوم الموظفون التغيير. وهنا يتعين على القادة عبر كامل سلسلة القيمة التنبؤ بهذه المقاومة وتخفيف وطأتها ومساعدة فرق موظفيهم على تبني ثقافة تعلم جديدة. ولعل أفضل الطرق للقيام بذلك هي خوض القائد بنفسه لهذه التجربة لإرساء نموذج جدير بالاحتذاء به من خلال التعامل مع المؤسسة على أنها أسرة واحدة متكاتفة وليست مجرد كيان جامد خالٍ من الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على القائد الناجح بالتحول أن يستمع للآخرين. وقد يكون هذا الأمر بمثابة أصعب السمات التي يجب على القادة التحلي بها، إلا أن القيادة الجيدة تتمحور حول الإنصات للآخرين والشعور بهم دون أي شكل من التحيّز. ووفقاً للبيانات الكافية المتوافرة، تتفوق المؤسسات التي تستمع لآراء ومقترحات موظفيها في الأداء على نظيرتها التي تفتقر لهذه السمة الهامة.

في نهاية المطاف، يحتاج القائد الناجح بالتحول إلى ترسيخ ثقافة الثقة والأمان، وسيمنح هؤلاء القادة الأشخاص عبر سلسلة القيمة حرية التعبير عن مخاوفهم وما يشعرون به حيال التغيير والاضطرابات المفاجئة. كما أنهم سيعملون على تعزيز بيئة قائمة على الحقائق والشفافية تضع جميع المعنيين بها في صلب أولويات منظومة العمل. ولن تكون الفائدة هنا مقتصرة على نجاح القادة بفهم التحديات التي تواجه المؤسسات والقطاع بشكل أفضل فحسب، بل سيكونوا أيضاً قادرين على تسخير كامل سبل الدعم الممكنة وقيادة فرق عملهم نحو النجاح بالتغيير بأبهى صورة.