من الإيجو الى الإيكو.. ليس طريق الألف ميل

في ظل عبث الانسان بالبيئة وما ترتب عليه من تفاهم المشكلات البيئية تعالت صيحات علماء البيئة في السنوات الأخيرة حول أهمية التحول من التمركز حول الإنسان الى التمركز حول البيئة وظهرت العديد من المصطلحات منها “الإيكو” القاسم المشترك لتزاوج البيئة مع التخصصات المختلفة وقد كان الإيكو الطريق لحل مشكلات البيئية والاجابة عن سؤال هل يجب على الانسان أن يكيف البيئة لصالحه أم يكيف نفسه لصالح البيئة؟ انها فلسفة الانتقال من ثقافة الإيجو الى ثقافة الإيكو

بحسب علماء النفس فإن «الإيجو» (EGO) هو الجزء من شخصيتنا المكلف بمهمة تحقيق التوازن بين الوعي بأنفسنا والجهل بمكامن النفس.
وفي حين أن «الأنا» هو الذات الحقيقية، فإن «الإيجو» هي الذات المزيفة وما أقصده هنا ليست «الأنا» الحقيقية للشخص (اسمه وعمله ومركزه)، إنما المزيفة عن أنفسنا.
والانا هي الجزء من العقل المسؤول عن العمل كوسيط بين الرغبات الفطرية الخاصة بالانا العليا (الضمير والذات المثالية بداخلنا) من جهة، والهو (جزء من العقل المسؤول عن تحقيق الرغبات الأساسية) من جهة أخرى وتعمل “الأنا” من خلال الأحداث اليومية كوسيط يحاول التوفيق بين احتياجاتنا والكيفية التي نقوم بإشباعها من خلالها وفق ما هو متاح لنا في البيئة المحيطة. وهكذا فالأنا مسؤولة عن إقامة العلاقات مع الآخرين والتوفيق بين دوافع الهو والأنا العليا مع الواقع الخارجي.

والجدير بالذكر أن العديد من علماء النفس قاموا بطرح نظرياتهم حول الأنا بناءً على ما قدمه “سيجموند فرويد” من تعريف الأنا والأنا العليا والهو والعلاقة التي تجمع بينهم.

إن التحول من الإيجو إلى الإيكوEgo to Eco يتطلب التعرف على الفلسفة الإيكولوجية السطحية والفلسفة الإيكولوجية العميقة
حيث تقابل الإيجو أفكار الأيكولوجيا السطحية والتي عُرفت أيضا بالاستدامة الضعيفة أو الاستدامة المتمركزة حول الإنسان وكما ذكر مايكل زيمرمان في كتابه ” الفلسفة البيئية من حقوق الإنسان إلى الايكولوجية الجذرية” ان تلك الاستدامة اعتمدت على حقيقة مفاداها أن هناك حاجة لتوسيع نطاق المخزون من الموارد وأن هذا يمكن تحقيقه من خلال تطوير موارد متجددة، وإيجاد بدائل للموارد غير المتجددة، والاستخدام الأمثل للموارد الحالية و البحث عن حلول تكنولوجية جديدة لحل بعض المشكلات مثل استنزاف الموارد والتلوث
وأن هناك تفاؤلا يتمثل في الثقة بأن البشر سيجدون حلاً لكل مشكلة بيئية ، كما سيكونون قادرين على تعزيز مخزون الموارد وذلك لأن التقدم التكنولوجي سيُمكن البشر من التحكم في الأرض لتلبية مطالبهم المتنامية، ومن ثم فإن أي مشكلة ستظهر سيتم حلها من خلال التطور التكنولوجي الذي سيسد الفجوة بين الطلب والموارد من خلال التحكم في مخزون الموارد للإيفاء باحتياجات المجتمع، ويرى أنصار هذه الفلسفة أن أسباب المشكلات البيئية التي يعيشها الإنسان لا تكمُن في نموذج العلاقة بين الإنسان والبيئة المتمركز حول البشر ولا في معاييره أو مؤسساته أو ممارساته، بل إن المشكلات البيئية مثل عدم المساواة في الحصول على الموارد الطبيعية هي نتيجة للممارسات الخاطئة في التعامل مع البيئة، ومن ثم يُمكن كبح مثل هذه الممارسات من خلال سن تشريعات وتغيير السياسة العامة، وزيادة التعليم، وتغيير القوانين الضريبية، والتأكيد على الإلزاميات الخُلقية نحو الأجيال المستقبلية، وتشجيع الإدارة الحكيمة للبيئة والتشجيع المستمر لترشيد استخدام الموارد الطبيعية، ومن ثم يزعم أنصار الاستدامة المتمركزة حول الإنسان أنه ليس هناك حاجة لتعديل الخطاب السائد حول الإنسان والبيئة والذي يعطى للإنسان حق الهيمنة والسيطرة على البيئة باعتبارها موردا للبشر.
في حين تقابل الإيكو أفكار الإيكولوجية العميقة والتي عُرفت أيضا بالاستدامة القوية أو الاستدامة المتمركزة حول البيئة ووفقا لما ذكره مايكل زيمرمان أنه لابد من حدوث ثورة في نموذج العلاقة بين الإنسان والبيئة إذا أراد الإنسان إنقاذ كوكب الأرض من التدهور البيئي وتحقيق استدامة الموارد، وتبعًا لذلك فإن هذه الفلسفة ترى أنه لابد أن يعمل الإنسان على تكييف نفسه للحفاظ على البيئة المهددة بالفناء بدلاً من تكييف البيئة لتناسب احتياجاته على اعتبار أن البشر جزء مكمل للنسق البيئي ذلك النسق الذي يعتبر أعلى وأكبر من أي جزء من أجزائه – ومنها الإنسان – ومن ثم تعطى الفلسفة الإيكولوجية العميقة قيمة أكبر للكائنات الحية والنظم البيئية.
فعندما يعرف الإنسان أي طريق يسلك طريق الإيجو أم طريق الإيكو سيعرف أن السعي للنجاة ليس طريق الألف ميل

أ.د/ ريهام رفعت محمد
وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية للدراسات العليا والبحوث وأستاذ التربية البيئية بقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي
[email protected]